موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الكهف: [الآية 56]

سورة الكهف
وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ۚ وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِٱلْبَٰطِلِ لِيُدْحِضُوا۟ بِهِ ٱلْحَقَّ ۖ وَٱتَّخَذُوٓا۟ ءَايَٰتِى وَمَآ أُنذِرُوا۟ هُزُوًا ﴿56﴾

تفسير الجلالين:

(وما نرسل المرسلين إلا مبشرين) للمؤمنين (ومنذرين) مخوفين للكافرين (ويجادل الذين كفروا بالباطل) بقولهم: "" أبعث الله بشرا رسولاً "" ونحوه (ليدحضوا به) ليبطلوا بجدالهم (الحق) القرآن (واتخذوا آياتي) أي القرآن (وما أنذروا) به من النار (هزوا) سخرية.

تفسير الشيخ محي الدين:

قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110)

ما تميز العالم إلا بالمراتب ، وما شرف بعضه على بعضه إلا بها ، ومن علم أن الشرف للرتب لا لعينه لم يغالط نفسه في أنه أشرف من غيره ، وإن كان يقول إن هذه الرتبة أشرف من هذه الرتبة ، ولما كانت الخلافة ربوبية في الظاهر لأنه يظهر بحكم الملك ، فيتصرف في الملك بصفات سيده ظاهرا ، وإن كانت عبوديته له مشهودة في باطنه ، فلم تعم عبوديته عند رعيته الذين هم أتباعه ، وظهر ملكه بهم وباتباعهم والأخذ عنه ، فكان في مجاورتهم بالظاهر أقرب ، وبذلك المقدار يستتر من عبوديته ، لذلك كثيرا ما ينزل في الوحي على الأنبياء «قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» فكانت هذه الآية دواء لهذه العلة ، وبهذا المقدار كانت أحوال الأنبياء والرسل في الدنيا البكاء والنوح ، فإنه موضع تتقى فتنته ، فقال الكامل صلّى اللّه عليه وسلم: «إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» عن أمر اللّه ، قيل له : قل ، فقال ، وبهذا علمنا أنه عن أمر اللّه ، لأنه نقل الأمر إلينا كما نقل المأمور ، وكان هذا القول دواء للمرض الذي قام بمن عبد عيسى عليه السلام من أمته ، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول لنا كثيرا في هذا المقام في حق نفسه وتعليما لنا «إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» فلم ير لنفسه فضلا علينا ، أي حكم البشرية فيّ حكمها فيكم ،


[إشارة: لم أمر الحق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أن يقول " قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ " ]

فكان ذلك من التأديب الإلهي الذي أدب اللّه تعالى به نبيه عليه السلام فيما أوحى به إليه ،

فقال صلّى اللّه عليه وسلم : [ إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر ]

يعني لنفسه ولحق غيره ، [ وأرضى كما يرضى البشر ]

يعني لنفسه ولغيره ، ويعني أن أغضب عليهم وأرضى لنفسي [ اللهم من دعوت عليه فاجعل دعائي عليه رحمة له ورضوانا ]

ثم ذكر المرتبة وهو قوله «يُوحى إِلَيَّ» ولما كان صلّى اللّه عليه وسلم لم تؤثر فيه المراتب إذا نالها ، قال وهو في المرتبة العليا [ أنا سيد الناس ]

وفي رواية [ أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ] فنفى أن يقصد بذلك الفخر ، لأنه ذكر الرتبة التي لها الفخر الذي هو صلّى اللّه عليه وسلم مترجم عنها وناطق بلسانها ، فذكر رتبة الشفاعة والمقام المحمود ، فالفخر للرتبة ولا فخر بالذات إلا للّه وحده ، فلم تحكم فيه المرتبة ، وقال في كل وقت وهو في مرتبة الرسالة والخلافة

" إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ "، فلم تحجبه المرتبة عن معرفة نشأته ، وسبب ذلك أنه رأى لطيفته ناظرة إلى مركبها العنصري وهو متبدد فيها ، فشاهد ذاته العنصرية ، فعلم أنها تحت قوة الأفلاك العلوية ، ورأى المشاركة بينها وبين سائر الخلق الإنساني والحيواني والنبات والمعادن ، فلم ير لنفسه من حيث نشأته العنصرية فضلا على كل من تولد منها ، وأنه مثل لهم وهم أمثال له ، فقال : «إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» ثم رأى افتقاره إلى ما تقوم به نشأته من الغذاء الطبيعي كسائر المخلوقات الطبيعية ،

فعرف نفسه فقال:

[ يا أبا بكر ما أخرجك ، قال : الجوع ، قال : وأنا أخرجني الجوع ] فكشف عن حجرين قد وضعهما على بطنه يشد بهما أمعاءه -إشارة- كان عليه السلام نائب الحق ، فهو وجهه في العالم ، فكان الحق يقول له : «قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ» أي استتر بعبوديتك ،

ولا تظهر مكانتك عندي . واعلم أن جميع ما سوى اللّه يمكن حصرهم في الأجناس الآتية ،

وهم الملك والفلك والكوكب والطبيعة والعنصر والمعدن والنبات والحيوان والإنسان ،

وما من صنف ذكرناه من هؤلاء الأصناف إلا وقد عبد منهم أشخاص ،

فمنهم من عبد الملائكة ، ومنهم من عبد الكواكب ، ومنهم من عبد الأفلاك ،

ومنهم من عبد العناصر ، ومنهم من عبد الأحجار ،

ومنهم من عبد الأشجار ، ومنهم من عبد الحيوان ، ومنهم من عبد الجن والإنس ، فالمخلص في العبادة التي هي ذاتية له أن لا يقصد إلا من أوجده وخلقه ،

وهو اللّه تعالى ، فتخلص له هذه العبادة ولا يعامل بها أحدا ممن ذكرناه ، أي لا يراه في شيء فيذل له ، واعلم أنه ما من شيء في الكون إلا وفيه ضرر ونفع ، فاستجلب بهذه الصفة الإلهية


نفوس المحتاجين إليه لافتقارهم إلى المنفعة ودفع المضار ، فأداهم ذلك إلى عبادة الأشياء وإن لم يشعروا ، ولما علم اللّه ما أودعه في خلقه ، وما جعل في الثقلين من الحاجة إلى ما أودع اللّه في الموجودات وفي الناس بعضهم إلى بعض قال : «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ»

فذكر لقاء اللّه ليدل على حالة الرضى من غير احتمال ، كما ذكره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وذلك في الجنة ، فإنها دار الرضوان ،

فما كل من لقي اللّه سعيد «فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً» أي لا يشوبه فساد ، والصالح الذي لا يدخله خلل ، فإن ظهر فيه خلل فليس بصالح ، وليس الخلل في العمل وعدم الصلاح فيه إلا الشرك ، فقال : «وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» أي لا يذل إلا اللّه لا لغيره ،

لأنه إذا لم ير شيئا سوى اللّه وأنه الواضع أسباب المضار والمنافع ، لجأ إلى اللّه في دفع ما يضره ونيل ما ينفعه من غير تعيين سبب ، ونكر «أَحَداً» فدخل تحته كل شيء له أحدية ، وعم كل ما ينطلق عليه اسم أحد ، وهو كل شيء في عالم الخلق والأمر ،

وعم الشرك الأصغر ، وهو الشرك الذي في العموم ، وهو الربوبية المستورة المنتهكة ، في مثل فعلت وصنعت وفعل فلان ولولا فلان ، فهذا هو الشرك المغفور ، فإنك إذا راجعت أصحاب هذا القول فيه رجعوا إلى اللّه تعالى ،

والشرك الذي في الخصوص ، فهم الذين يجعلون مع اللّه إلها آخر ، وهو الظلم العظيم ،

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : [ إن اللّه إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية ، فأول من يدعى به رجل جمع القرآن ورجل قتل في سبيل اللّه ورجل كثير المال ، فيقول اللّه للقارئ : ألم أعلمك ما أنزلته على رسولي ؟

قال : بلى يا رب ، قال : فما ذا عملت فيما علمت ؟ قال : كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار ، فيقول اللّه له : كذبت ، وتقول الملائكة له : كذبت ،

ويقول اللّه : إنما قرأت ليقال فلان قارئ فقد قيل ذلك ، ويؤتى بصاحب المال فيقول اللّه له : ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد ؟ قال : بلى يا رب ، قال : فما ذا عملت فيما آتيتك ؟

قال : كنت أصل الرحم وأتصدق ، فيقول اللّه له : كذبت ، وتقول له الملائكة : كذبت ،

ويقول اللّه له : بل أردت أن يقال فلان جواد فقيل ذلك ، ويؤتى بالذي قتل في سبيل اللّه فيقول اللّه : فيما ذا قتلت ؟

فيقول : أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت ، فيقول اللّه له : كذبت ، وتقول له الملائكة : كذبت ، ويقول اللّه له : بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذلك ، ثم ضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم على ركبة أبي هريرة وقال يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول من يسعر


بهم النار يوم القيامة ]

فكان أبو هريرة إذا حدث بهذا الحديث يغشى عليه ،

يقول اللّه تعالى :" فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً "

وجاء في الحديث الغريب الصحيح [ من عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء وهو للذي أشرك ] فنكر تعالى العمل وما خص عملا من عمل ، والضمير في فيه يعود على العمل ، والضمير في منه يعود على الغير الذي هو الشريك ، وضمير هو يعود على المشرك - تحقيق إخلاص العمل للّه من الشرك

[ - الإخلاص في العمل ]

-الإخلاص في العمل -هو أن تقف كشفا على أن العامل ذلك العمل هو اللّه ، كما هو في نفس الأمر ، أي عمل كان ذلك العمل ، مذموما أو محمودا أو ما كان ، فذلك حكم اللّه تعالى فيه ما هو عين العمل ، لذلك فإن اللّه لا يتبرأ من العمل فإنه العامل بلا شك ، فإخلاص العمل للّه هو نصيب اللّه من العمل ، لأن الصورة الظاهرة في العمل إنما هي في الشخص الذي أظهر اللّه فيه عمله ، فيلتبس الأمر للصورة الظاهرة ، والصورة الظاهرة لا تشك أن العمل بالشهود ظاهر منها ، فهي إضافة صحيحة ، فإن البصر لا يقع إلا على آلة وهي مصرّفة لأمر آخر ، لا يقع الحس الظاهر عليه ، بدليل الموت ووجود الآلة وسلب العمل ، فإذن الآلة ما هي العامل ، والحس ما أدرك إلا الآلة ، فكما علم الحاكم أن وراء المحسوس أمرا هو العامل بهذه الآلة والمصرف لها ، المعبر عنه عند علماء النظر العقلي بالنفس العاملة الناطقة والحيوانية ، فقد انتقلوا إلى معنى ليس هو من مدركات الحس ،

فكذلك إدراك أهل الكشف والشهود - في الجمع والوجود - في النفس الناطقة ما أدرك أهل النظر في الآلة المحسوسة سواء ، فعرفوا أن ما وراء النفس الناطقة هو العامل ، وهو مسمى اللّه ، فالنفس في هذا العمل كالآلة المحسوسة سواء ، ومتى لم يدرك هذا الإدراك فلا يتصف عندنا بأنه أخلص في عمله جملة واحدة ، مع ثبوت الآلات وتصرفها لظهور صورة العمل من العامل ،

فالعالم كله آلات الحق فيما يصدر عنه من الأفعال ،

قال صلّى اللّه عليه وسلم فيما صح عنه : [ أتدرون ما حق اللّه على العباد ، قالو :اللّه ورسوله أعلم ، قال : إن حق اللّه على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، ثم قال : أتدرون ما حقهم عليه إذا فعلوا ذلك ، أن يدخلهم الجنة ]

فنكر صلّى اللّه عليه وسلم بقوله شيئا ليدخل فيه جميع الأشياء ، وهو قوله تعالى «فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً "

- وجه آخر -في تفسير قوله تعالى في هذه الآية ،


كأنه تعالى يقول : إن الحق لا يعبد من حيث أحديته ، لأن الأحدية تنافي وجود العابد ، فكأنه يقول : لا يعبد إلا الرب من حيث ربوبيته ، فإن الرب أوجدك ، فتعلق به وتذلل له ولا تشرك الأحدية مع الربوبية في العبادة ، فتتذلل لها كما تتذلل للربوبية ،

فإن الأحدية لا تعرفك ولا تقبلك ، فيكون تعبد في غير معبد ، وتطمع في غير مطمع ، وتعمل في غير معمل ، وهي عبادة الجاهل ، فنفى عبادة العابدين من التعلق بالأحدية ، فإن الأحدية لا تثبت إلا للّه مطلقا ، وإنما ما سوى اللّه فلا أحدية له مطلقا ،

فهذا هو المفهوم من هذه الآية عندنا من حيث طريقنا في تفسير القرآن ، ويأخذ أهل الرسوم في ذلك قسطهم أيضا تفسيرا للمعنى ، فيحملون الأحد المذكور على ما اتخذوه من الشركاء ، وهو تفسير صحيح أيضا ، فالقرآن هو البحر الذي لا ساحل له ، إذ كان المنسوب إليه يقصد به جميع ما يطلبه الكلام من المعاني بخلاف كلام المخلوقين .

(19) سورة مريم مكيّة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

------------

(110) الفتوحات ج 3 / 225 ، 50 - ج 1 / 664 - ج 3 / 225 ، 191 ، 337 ، 23 ، 225 ، 23 - كتاب النجاة - كتاب المشاهد - الفتوحات ج 2 / 221">221 - ج 3 / 478 ، 355 - ج 1 / 221">221 - ج 3 / 478 ، 355 - ج 4 / 536 - ج 2 / 221">221 - ج 3 / 477 - ح2 / 581

تفسير ابن كثير:

ثم قال : ( وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا ) أي : قبل العذاب مبشرين من صدقهم وآمن بهم ، ومنذرين من كذبهم وخالفهم .

ثم أخبر عن الكفار بأنهم يجادلون بالباطل ) ليدحضوا به ) أي : ليضعفوا به ) الحق ) الذي جاءتهم به الرسل ، وليس ذلك بحاصل لهم . ( واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا ) أي : اتخذوا الحجج والبراهين وخوارق العادات التي بعث بها الرسل وما أنذروهم وخوفوهم به من العذاب ) هزوا ) أي : سخروا منهم في ذلك ، وهو أشد التكذيب .


تفسير الطبري :

قوله تعالى{وما نرسل المرسلين إلا مبشرين} أي بالجنة لمن آمن {ومنذرين} أي مخوفين بالعذاب من كفر. وقد تقدم {ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق} قيل : نزلت في المقتسمين كانوا يجادلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون : ساحر ومجنون وشاعر وكاهن كما تقدم. ومعنى {يدحضوا} يزيلوا ويبطلوا وأصل الدحض الزلق يقال : دحضت رجله أي زلقت، تدحض دحضا ودحضت الشمس عن كبد السماء زالت ودحضت حجته دحوضا بطلت، وأدحضها الله والإدحاض الإزلاق. وفي وصف الصراط : (ويضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة فيقولون اللهم سلم قيل : يا رسول الله وما الجسر؟ قال : دحض مزلقة أي تزلق فيه القدم) قال طرفة : أبا منذر رمت الوفاء فهبته ** وحدت كما حاد البعير عن الدحض {واتخذوا آياتي} يعني القرآن {وما أنذروا} و{ما} بمعنى المصدر أي والإنذار وقيل : بمعنى الذي؛ أي اتخذوا القرآن والذي أنذروا به من الوعيد هزوا أي لعبا وباطلا؛ {هزوا} أي اتخذوا القرآن والذي أنذروا به من الوعيد هزوا أي لعبا وباطلا؛ وقد تقدم في {البقرة} بيانه. وقيل : هو قول أبي جهل في الزبد والتمر هذا هو الزقوم وقيل : هو قولهم في القرآن هو سحر وأضغاث أحلام وأساطير الأولين، وقالوا للرسول{هل هذا إلا بشر مثلكم}[الأنبياء : 3] {وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القرنين عظيم}الزخرف : 31] و{ماذا أراد الله بهذا مثلا}[المدثر : 31].

التفسير الميسّر:

وما نبعث الرسل إلى الناس إلا ليكونوا مبشرين بالجنة لأهل الإيمان والعمل الصالح، ومخوِّفين بالنار لأهل الكفر والعصيان، ومع وضوح الحق يخاصم الذين كفروا رسلهم بالباطل تعنتًا؛ ليزيلوا بباطلهم الحق الذي جاءهم به الرسول، واتخذوا كتابي وحججي وما خُوّفوا به من العذاب سخرية واستهزاء.

تفسير السعدي

أي: لم نرسل الرسل عبثا، ولا ليتخذهم الناس أربابا، ولا ليدعوا إلى أنفسهم، بل أرسلناهم يدعون الناس إلى كل خير، وينهون عن كل شر، ويبشرونهم على امتثال ذلك بالثواب العاجل والأجل، وينذرونهم على معصية ذلك بالعقاب العاجل والآجل، فقامت بذلك حجة الله على العباد، ومع ذلك يأبى الظالمون الكافرون، إلا المجادلة بالباطل، ليدحضوا به الحق، فسعوا في نصر الباطل مهما أمكنهم، وفي دحض الحق وإبطاله، واستهزءوا برسل الله وآياته، وفرحوا بما عندهم من العلم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، ويظهر الحق على الباطل { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق } ومن حكمة الله ورحمته، أن تقييضه المبطلين المجادلين الحق بالباطل، من أعظم الأسباب إلى وضوح الحق وتبين شواهده وأدلته، وتبين الباطل وفساده، فبضدها تتبين الأشياء.


تفسير البغوي

( وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ) ومجادلتهم قولهم : " أبعث الله بشرا رسولا " ( الإسراء - 94 ) . " لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم " ( الزخرف - 31 ) وما أشبهه ( ليدحضوا ) ليبطلوا ( به الحق ) وأصل الدحض الزلق يريد ليزيلوا به الحق ( واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا ) فيه إضمار يعني وما أنذروا به وهو القرآن هزوا أي استهزاء .


الإعراب:

(وَما) الواو استئنافية وما نافية (نُرْسِلُ) مضارع فاعله مستتر والجملة مستأنفة (الْمُرْسَلِينَ) مفعول به منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم (إِلَّا) أداة حصر (مُبَشِّرِينَ) حال (وَمُنْذِرِينَ) معطوف على مبشرين (وَيُجادِلُ الَّذِينَ) الواو عاطفة ومضارع واسم الموصول في محل رفع فاعل والجملة معطوفة (كَفَرُوا) ماض وفاعله والجملة صلة (بِالْباطِلِ) متعلقان يجادل (لِيُدْحِضُوا) اللام لام التعليل ومضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام التعليل وعلامة نصبه حذف النون والواو فاعل واللام وما بعدها في تأويل مصدر متعلقان بيجادل (بِهِ) متعلقان بيدحضوا (الْحَقَّ) مفعول به (وَاتَّخَذُوا) الواو عاطفة وماض وفاعله والجملة معطوفة (آياتِي) مفعوله الأول والياء مضاف إليه (وَما) الواو عاطفة وما اسم موصول معطوف على آياتي (أُنْذِرُوا) ماض مبني للمجهول والواو نائب فاعل والجملة صلة (هُزُواً) مفعول به ثان

---

Traslation and Transliteration:

Wama nursilu almursaleena illa mubashshireena wamunthireena wayujadilu allatheena kafaroo bialbatili liyudhidoo bihi alhaqqa waittakhathoo ayatee wama onthiroo huzuwan

بيانات السورة

اسم السورة سورة الكهف (Al-Kahf - The Cave)
ترتيبها 18
عدد آياتها 110
عدد كلماتها 1583
عدد حروفها 6425
معنى اسمها (الكَهْفُ): جَمْعُهُ (كُهُوفٌ)، وَهُوَ الْمَغَارَةُ الْوَاسِعَةُ فِي الْجَبَلِ
سبب تسميتها انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا
أسماؤها الأخرى لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (الكَهْفِ)
مقاصدها الْعِصْمَةُ مِنْ أَنْوَاعِ الْفِتَنِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقَصَصِ الْأَرْبَعِ فِيهَا
أسباب نزولها سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِن صَحَّ لِبَعْضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها تَعْصِمُ مِن فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، قال ﷺ: «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ». (رَوَاهُ مُسلِم). هِيَ نُورٌ لِصَاحِبِهَا، قَالَ ﷺ: مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ البَيْهَقِي). مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ، فَعَنِ ابْنِ مَسعُودٍ رضي الله عنه قَاَل: فِي (بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالكَهْفِ، وَمَرْيَمَ، وَطَهَ، وَالأنْبِيَاءِ) - «هُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي». (رَوَاهُ البُخَارِيّ)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الكَهْفِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ بِشَارَةِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿وَيُبَشِّرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرًا حَسَنٗا ٢﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ كَانَتۡ لَهُمۡ جَنَّٰتُ ٱلۡفِرۡدَوۡسِ نُزُلًا ١٠٧﴾... الآيَاتِ. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْكَهْفِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الإِسْرَاءِ): اخْتُتِمَتِ (الْإِسْرَاءُ) بِالْحَمْدِ فَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ...١١١﴾، وَافْتُتِحَتِ (الْكَهْفُ) بِالْحَمْدِ فَقَالَ: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَٰبَ ... ١﴾.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!