«فتقطعوا» أي الأتباع «أمرهم» دينهم «بينهم زبرا» حال من فاعل تقطعوا أي أحزابا متخالفين كاليهود والنصارى وغيرهم «كل حزب بما لديهم» أي عندهم من الدين «فرحون» مسرورون.
وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)
[ «وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ» ]
فأمر نبيه أن يقول «رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ» هذه الفرق التي وفّت النظر استطاعتها التي آتيتها ، فلم تصل إلا إلى التعطيل أو الشرك «وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ» فإنهم ما تعدوا ما آتاهم اللّه ، فيشفع هنا فيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم من حيث لا يشعرون ، فإذا نالتهم السعادة بالخروج من النار ، وقد غفر لهم اللّه بسؤال الرسول فيهم إذ قال «رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ» حين أمره اللّه بذلك ، وما أمره بهذا الدعاء إلا ليجيبه ، فأجابه في ذلك ، فعرفوا قدر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عند ذلك إذا دخلوا الجنة ، فينتمون إليه فيها لأنه السيد الأكبر ، وهذا الدعاء يعم كل من هو بهذه المثابة من وقت آدم إلى نفخة الصعق ، لأنه ما خصص في دعوته إلا من هذه صفته ، ومن ينبغي أن يرحم ويغفر له ، فكل موحد للّه ولو بدليله وإن لم يكن مؤمنا ففي الجنة ، يدخله اللّه خاصة لا غيره ، ويشفع المؤمنون والأنبياء في أهل الكبائر من أهل الإيمان ، لأن الأنبياء بعثت بالخير وهو الإيمان ، والموحدون الذين لم يؤمنوا لكونهم ما بعث إليهم رسول ، أو كانوا في فترة ، فهم الذين يحشر كل واحد منهم أمة وحده ، فإن بعث في أمة - هو فيهم - رسول فلم يؤمن به مع علمه بأحدية خالقه دخل النار ، فما يخرج منها إلا بإخراج خالقه ، لأن الخلود في النار لا يكون بالنص لأهل التوحيد بأي وجه حصل لهم ، قال صلّى اللّه عليه وسلم [ من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا اللّه دخل الجنة ]
ولم يقل يقول ولا يؤمن ، وإنما ذكر العلم خاصة ، فلا يبقى في النار إلا مشرك أو معطل لا عن شبهة ولا عن نظر مستوف في النظر قوته ، فلم يبق في النار إلا المقلدة الذين كان في قوتهم واستعدادهم أن ينظروا فما نظرو
- مسئلة -قوله تعالى : «خَيْرُ الرَّاحِمِينَ» من باب المفاضلة ، فمعلوم أنه ما يرحم أحد من المخلوقين أحدا إلا بالرحمة التي أوجدها الرحمن فيه ، فهي رحمته تعالى ، لا رحمتهم ، ظهرت
في صورة مخلوق ، كما قال في [ سمع اللّه لمن حمده ] أن ذلك القول هو قول اللّه على لسان عبده ، فقوله تعالى الذي سمعه موسى أتم في الشرف من قوله تعالى على لسان قائل ، فوقع التفاضل بالمحل الذي سمع منه القول المعلوم أنه قول اللّه ،
وكذلك أيضا رحمته من حيث ظهورها من مخلوق أدنى من رحمته بعبده في غير صورة مخلوق ، فتعيّن التفاضل والأفضلية بالمحال ، إلا أن رحمة اللّه بعبده في صورة المخلوق تكون عظيمة ، فإنه يرحم عن ذوق ، فيزيل برحمته ما يجده الراحم من الألم في نفسه من هذا المرحوم ، والحق ليس كذلك ، فرحمته خالصة لا يعود عليه منها إزالة ألم ، فهو خير الراحمين ، فرحمة المخلوق عن شفقة ورحمة اللّه مطلقة .
(24) سورة النّور مدنيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(118) الفتوحات ج 3 /
285 ، 553
وقوله : ( فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا ) أي : الأمم الذين بعث إليهم الأنبياء ، ( كل حزب بما لديهم فرحون ) أي : يفرحون بما هم فيه من الضلال; لأنهم يحسبون أنهم مهتدون;
فيه أربع مسائل: الأولى: قوله {وإن هذه أمتكم أمة واحدة} المعنى: هذا الذي تقدم ذكره هو دينكم وملتكم فالتزموه. والأمة هنا الدين؛ وقد تقدم محامله؛ ومنه قوله {إنا وجدنا آباءنا على أمة} أي على دين. وقال النابغة: حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ** وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع الثانية: قرئ {وإن هذه} بكسر {إن}على القطع، وبفتحها وتشديد النون. قال الخليل: هي في موضع نصب لما زال الخافض؛ أي أنا عالم بأن هذا دينكم الذي أمرتكم أن تؤمنوا به. وقال الفراء {أن} متعلقة بفعل مضمر تقديره: واعلموا أن هذه أمتكم. وهي عند سيبويه متعلقة بقوله {فاتقون}؛ والتقدير فاتقون لأن أمتكم واحدة. وهذا كقوله {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا} ؛ أي لأن المساجد لله فلا تدعوا معه غيره. وكقوله {لإيلاف قريش} ؛ أي فليعبدوا رب هذا البيت لإيلاف قريش. الثالثة: وهذه الآية تقوي أن قوله }يا أيها الرسل}إنما هو مخاطبة لجميعهم، وأنه بتقدير حضورهم. وإذا قدرت {يا أيها الرسل} مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم فلق اتصال هذه الآية واتصال قوله {فتقطعوا}. أما أن قوله {وأنا ربكم فاتقون} وإن كان قيل للأنبياء فأممهم داخلون فيه بالمعنى؛ فيحسن بعد ذلك اتصال. {فتقطعوا} أي افترقوا، يعني الأمم، أي جعلوا دينهم أديانا بعد ما أمروا بالاجتماع. ثم ذكر تعالى أن كلا منهم معجب برأيه وضلالته وهذا غاية الضلال. الرابعة: هذه الآية تنظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة) الحديث. "خرجه أبو داود، ورواه الترمذي" وزاد: قالوا ومن هي يا رسول الله؟ قال: (ما أنا عليه وأصحابي) خرجه من حديث عبدالله بن عمرو. وهذا يبين أن الافتراق المحذر منه في الآية والحديث إنما هو في أصول الدين وقواعده، لأنه قد أطلق عليها مللا، وأخبر أن التمسك بشيء من تلك الملل موجب لدخول النار. ومثل هذا لا يقال في الفروع، فإنه لا يوجب تعديد الملل ولا عذاب النار؛ قال الله {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا}. قوله {زبرا} يعني كتبا وضعوها وضلالات ألفوها؛ قاله ابن زيد. وقيل: إنهم فرقوا الكتب فاتبعت فرقة الصحف وفرقة التوراة وفرقة الزبور وفرقة الإنجيل، ثم حرف الكل وبدل؛ قاله قتادة. وقيل: أخذ كل فريق منهم كتابا آمن به وكفر بما سواه. و{زبرا} بضم الباء قراءة نافع، جمع زبور. والأعمش وأبو عمرو بخلاف عنه {زبرا} بفتح الباء، أي قطعا كقطع الحديد؛ كقوله {آتوني زبر الحديد} . {كل حزب} أي فريق وملة. {بما لديهم} أي عندهم من الدين. {فرحون} أي معجبون به. وهذه الآية مثال لقريش خاطب محمدا صلى الله عليه وسلم في شأنهم متصلا بقوله {فذرهم في غمرتهم} أي فذر هؤلاء الذين هم بمنزلة من تقدم، ولا يضيق صدرك بتأخير العذاب عنهم؛ فلكل شيء وقت. والغمرة في اللغة ما يغمرك ويعلوك؛ وأصله الستر؛ ومنه الغمر الحقد لأنه يغطي القلب. والغمر الماء الكثير لأنه يغطي الأرض. وغمر الرداء الذي يشمل الناس بالعطاء؛ قال: غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا ** غلقت لضحكته رقاب المال المراد هنا الحيرة الغفلة والضلالة. ودخل فلان في غمار الناس، أي في زحمتهم. وقوله تعالى: {حتى حين} قال مجاهد: حتى الموت، فهو تهديد لا توقيت؛ كما يقال: سيأتي لك يوم.
فتفرَّق الأتباع في الدين إلى أحزاب وشيع، جعلوا دينهم أديانًا بعدما أُمروا بالاجتماع، كل حزب معجب برأيه زاعم أنه على الحق وغيره على الباطل. وفي هذا تحذير من التحزب والتفرق في الدين.
، ولكن أبى الظالمون المفترقون إلا عصيانا، ولهذا قال: { فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا } أي: تقطع المنتسبون إلى اتباع الأنبياء { أَمْرُهُمْ } أي: دينهم { بَيْنَهُمْ زُبُرًا } أي: قطعا { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ } أي: بما عندهم من العلم والدين { فَرِحُونَ } يزعمون أنهم المحقون، وغيرهم على غير الحق، مع أن المحق منهم، من كان على طريق الرسل، من أكل الطيبات، والعمل الصالح، وما عداهم فإنهم مبطلون.
( فتقطعوا أمرهم ) دينهم ، ( بينهم ) أي : تفرقوا فصاروا فرقا ، يهودا ونصارى ومجوسا ، ( زبرا ) أي : فرقا وقطعا مختلفة ، واحدها زبور وهو الفرقة والطائفة ، ومثله الزبرة وجمعها زبر ، ومنه : " زبر الحديد " ( الكهف - 96 ) . أي : صاروا فرقا كزبر الحديد . وقرأ بعض أهل الشام " زبرا " بفتح الباء ، قال قتادة ومجاهد " زبرا " أي : كتبا ، يعني دان كل فريق بكتاب غير الكتاب الذي دان به الآخرون . وقيل : جعلوا كتبهم قطعا مختلفة ، آمنوا بالبعض ، وكفروا بالبعض ، وحرفوا البعض ، ( كل حزب بما لديهم ) بما عندهم من الدين ، ( فرحون ) معجبون ومسرورون .
(فَتَقَطَّعُوا) الفاء استئنافية وماض والواو فاعله (أَمْرَهُمْ) مفعول به والهاء في محل جر بالإضافة (بَيْنَهُمْ) ظرف مكان متعلق بتقطعوا والجملة مستأنفة لا محل لها (زُبُراً) حال (كُلُّ) مبتدأ مستأنفة (حِزْبٍ) مضاف إليه (بِما) ما اسم موصول متعلقان بفرحون (لَدَيْهِمْ) ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة والهاء في محل جر بالإضافة (فَرِحُونَ) خبر المبتدأ مرفوع بالواو والجملة لا محل لها من الإعراب.
Traslation and Transliteration:
FataqattaAAoo amrahum baynahum zuburan kullu hizbin bima ladayhim farihoona
But they (mankind) have broken their religion among them into sects, each group rejoicing in its tenets.
Fakat din hususunda ayrıldılar ve ayrılanlar, kendi kitaplarından başka kitapları inkar ettiler ve her bölük, kendi elindekine razı oldu, onunla övünmiye koyuldu.
Mais ils se sont divisés en sectes, chaque secte exultant de ce qu'elle détenait.
Dann zerteilten sie sich ihre Angelegenheit untereinander in Gruppen. Jede Partei findet Gefallen an dem, worüber sie verfügt.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة المؤمنون (Al-Muminun - The Believers) |
ترتيبها |
23 |
عدد آياتها |
118 |
عدد كلماتها |
1051 |
عدد حروفها |
4354 |
معنى اسمها |
(المُؤْمِنُونَ): جَمْعُ (مُؤْمِنٍ)، وَهُوَ مَنِ اتَّصَفَ بِالإِيمَانِ الَّذِي هُوَ: قَولٌ باللِسَانِ، وَاعْتِقَادٌ بِالجَنَانِ؛ أَيِ: الْقَلْبُ، وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ |
سبب تسميتها |
صِفَاتُ المُؤْمِنِينَ هِيَ المَوضُوعُ البَارِزُ في السُّورَةِ؛ لِذَا بِهَا افْتُتِحَتْ؛ وَبِهَا سُمِّيَتْ |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (المُؤْمِنُونَ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (قَدْ أَفلَحَ)، وَسُورَةَ (الْفَلاحِ) |
مقاصدها |
التَّرْكِيزُ عَلَى مَسَائِلِ الإِيمَانِ، وَبَيَانُ صِفَاتِ أَهْلِ الإِيمَانِ، وَذِكْرُ مَنْ خَالَفَهُمْ، وبَيَانُ مَصِيرِهِمْ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
خَصَّهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ ﷺ قَرَأَهَا فِي صَلاةِ الصُّبْحِ. (رَوَاهُ مُسْلِم) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (المُؤْمِنُونَ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ فَلاحِ المُؤْمِنِينَ وَخَسَارَةِ الْكَافِرِينَ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ١﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ ١١٧﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (المُؤْمِنُونَ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الحَجِّ): لَمَّا اخْتُتِمَتِ (الحَجُّ) بِإِرْشَادِ المُؤْمِنِينَ عَلَى أَعْمَالِ الفَلَاحِ بِقَولِهِ: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱرۡكَعُواْ وَٱسۡجُدُواْۤ وَٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمۡ وَٱفۡعَلُواْ ٱلۡخَيۡرَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ۩ ٧٧﴾ افْتَتَحَ (المُؤْمِنُونَ) بِذِكْرِ الْفَلَاحِ فَقَالَ: ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ١﴾. |