«إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة» أي مكة «الذي حرمها» جعلها حرماً آمناً لا يسفك فيها دم إنسان ولا يظلم فيها أحد ولا يصاد صيدها ولا يختلى خلاها، وذلك من النعم على قريش أهلها في رفع الله عن بلدهم العذاب والفتن الشائعة في جميع بلاد العرب «وله» تعالى «كل شيء» فهو ربه وخالقه ومالكه «وأمرت أن أكون من المسلمين» لله بتوحيده.
وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92)
اعلم أن التالي إنما سمي تاليا لتتابع الكلام بعضه بعضا ، وتتابعه يقضي عليه بحرف الغاية ، وهما من وإلى ، فينزل من كذا إلى كذا ، ولما كان القلب من العالم الأعلى قال تعالى فيه (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) وكان اللسان من العالم الأنزل ، والحرف من عالم اللسان ،
ففصل اللسان الآيات وتلا بعضها بعضا ، فيسمى الإنسان تاليا من حيث لسانه ، فإنه المفصل لما أنزل مجملا .
------------
(92) الفتوحات ج 3 /
94
يقول تعالى مخبرا رسوله وآمرا له أن يقول : ( إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء ) ، كما قال : ( قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم ) [ يونس : 104 ] .
وإضافة الربوبية إلى البلدة على سبيل التشريف لها والاعتناء بها ، كما قال : ( فليعبدوا رب هذا البيت . الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) [ قريش : 3 ، 4 ] .
وقوله : ( الذي حرمها ) أي : الذي إنما صارت حراما قدرا وشرعا بتحريمه لها ، كما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة : " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يعضد شوكه ، ولا ينفر صيده ، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ، ولا يختلى خلاها " الحديث بتمامه . وقد ثبت في الصحاح والحسان والمسانيد من طرق جماعة تفيد القطع ، كما هو مبين في موضعه من كتاب الأحكام ، ولله الحمد .
وقوله : ( وله كل شيء ) : من باب عطف العام على الخاص ، أي : هو رب هذه البلدة ، ورب كل شيء ومليكه ، ( وأمرت أن أكون من المسلمين ) أي : الموحدين المخلصين المنقادين لأمره المطيعين له .
قوله تعالى: {إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها} يعني مكة التي عظم الله حرمتها؛ أي جعلها حرما آمنا؛ لا يسفك فيها دم، ولا يظلم فيها أحد، ولا يصاد فيها صيد، ولا يعضد فيها شجر؛ على ما تقدم بيانه في غير موضع وقرأ ابن عباس {التي حرمها} نعتا للبلدة وقراءة الجماعة {الذي} وهو في موضع نصب نعت لـ{رب} ولو كان بالألف واللام لقلت المحرِّمِها؛ فإن كانت نعتا للبلدة قلت المحرمة هو؛ لا بد من إظهار المضمر مع الألف واللام؛ لأن الفعل جرى على غير من هول؛ فإن قلت الذي حرمها لم تحتج أن تقول هو. {وله كل شيء} خلقا وملكا {وأمرت أن أكون من المسلمين} أي من المنقادين لأمره، الموحدين له قوله تعالى: {وأن أتلو القرآن} أي وأمرت أن أتلو القرآن، أي أقرأه {فمن اهتدى} فله هدايته {ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين} فليس على إلا البلاغ نسختها آية القتال. قال النحاس {وأن أتلو} نصب بأن قال الفراء : وفي إحدى القراءتين {وأنِ اتلُ} وزعم أنه في موضع جزم بالأمر فلذلك حذف منه الواو، قال النحاس : ولا نعرف أحدا قرأ هذه القراءة، وهي مخالفة لجميع المصاحف. قوله تعالى: {وقل الحمد لله} أي على نعمه وعلى ما هدانا {سيريكم آياته} أي في أنفسكم وفي غيركم كما قال {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم} فصلت 53 . {فتعرفونها} أي دلائل قدرته ووحدانيته في أنفسكم وفي السماوات وفي الأرض؛ نظيره قوله {وفي الأرض آيات للموقنين. وفي أنفسكم أفلا تبصرون} الذاريات 21 . قرأ أهل المدينة وأهل الشام وحفص عن عاصم بالتاء على الخطاب؛ لقوله {سيريكم آياته فتعرفونها} فيكون الكلام على نسق واحد. الباقون بالياء على أن يرد إلى ما قبله {فمن اهتدى} فأخبر عن تلك الآية.كملت السورة والحمد له رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم.
قل -أيها الرسول- للناس: إنما أُمرت أن أعبد رب هذه البلدة، وهي "مكة"، الذي حَرَّمها على خلقه أن يسفكوا فيها دمًا حرامًا، أو يظلموا فيها أحدًا، أو يصيدوا صيدها، أو يقطعوا شجرها، وله سبحانه كل شيء، وأُمرت أن أعبده وحده دون مَن سواه، وأُمرت أن أكون من المنقادين لأمره، المبادرين لطاعته، وأن أتلو القرآن على الناس، فمن اهتدى بما فيه واتبع ما جئت به، فإنما خير ذلك وجزاؤه لنفسه، ومن ضلَّ عن الحق فقل -أيها الرسول-: إنما أنا نذير لكم من عذاب الله وعقابه إن لم تؤمنوا، فأنا واحد من الرسل الذين أنذروا قومهم، وليس بيدي من الهداية شيء.
أي: قل لهم يا محمد { إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ } أي: مكة المكرمة التي حرمها وأنعم على أهلها فيجب أن يقابلوا ذلك بالشكر والقبول. { وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ } من العلويات والسفليات أتى به لئلا يتوهم اختصاص ربوبيته بالبيت وحده. { وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } أي: أبادر إلى الإسلام، وقد فعل صلى الله عليه وسلم فإنه أول هذه الأمة إسلاما وأعظمها استسلاما.
قوله تعالى : ( إنما أمرت ) يقول الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - قل إنما أمرت ، (أن أعبد رب هذه البلدة ) يعني : مكة ، ( الذي حرمها ) جعلها الله حرما آمنا ، لا يسفك فيها دم ، ولا يظلم فيها أحد ، ولا يصاد صيدها ، ولا يختلى خلاها ، ( وله كل شيء ) خلقا وملكا ، ( وأمرت أن أكون من المسلمين ) لله .
(إِنَّما) كافة ومكفوفة (أُمِرْتُ) ماض مبني للمجهول والتاء نائب فاعل والجملة مقول القول لقول محذوف، (أَنْ أَعْبُدَ) مضارع منصوب بأن والفاعل مستتر (رَبَّ) مفعول به (هذِهِ) اسم إشارة مضاف إليه (الْبَلْدَةِ) بدل من اسم الإشارة والمصدر المؤول من أن والفعل في محل نصب مفعول به لأمرت.
(الَّذِي) صفة رب (حَرَّمَها) ماض ومفعوله والفاعل مستتر والجملة صلة الذي.
(وَلَهُ) الواو حالية وله متعلقان بمحذوف خبر مقدم (كُلُّ) مبتدأ مؤخر (شَيْءٍ) مضاف إليه والجملة حال.
(وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ) معطوفة على ما قبلها وإعرابها واضح (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) متعلقان بمحذوف خبر أكون.
Traslation and Transliteration:
Innama omirtu an aAAbuda rabba hathihi albaldati allathee harramaha walahu kullu shayin waomirtu an akoona mina almuslimeena
(Say): I (Muhammad) am commanded only to serve the Lord of this land which He hath hallowed, and unto Whom all things belong. And I am commanded to be of those who surrender (unto Him),
Bana, ancak orasını emin bir harem olarak halkeden bu şehrin Rabbine ibadet etmem emredildi ve onundur her şey ve Müslümanlardan olmam emredildi bana.
«Il m'a été seulement commandé d'adorer le Seigneur de cette Ville (la Mecque) qu'Il a sanctifiée, - et à Lui toute chose - et il m'a été commandé d'être du nombre des Musulmans,
Ich wurde nur angewiesen, daß ich Dem HERRN dieser Ortschaft diene, die ER für haram erklärte, und Ihm gehört alles. Und ich wurde angewiesen, von den Muslimen zu sein,
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة النمل (An-Naml - The Ant) |
ترتيبها |
27 |
عدد آياتها |
93 |
عدد كلماتها |
1165 |
عدد حروفها |
4679 |
معنى اسمها |
(النَّمْلُ): الْحَشَرَةُ المَعْرُوفَةُ، وَالْوَاحِدَةُ (نَمْلَةٌ) |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذكر قِصَّةِ النَّمْلَةِ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (النَّمْلِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (الهُدْهُدِ)، وَسُورَةَ (سُلَيمَانَ عليه السلام)، وَسُورَةَ: ﴿طسٓۚ﴾ |
مقاصدها |
ذِكْرُ نِعْمَةِ الرِّسَالَةِ عَلَى أَنْبِيَائِهِ سُبْحَانَهُ، وَمَا تَمَيَّزَ بِهِ كُلُّ نَبِيٍّ مِن مُعْجِزَاتٍ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُذكَرْ لَهَا سَبَبُ نُزُولٍ وَلا لِبَعضِ آياتِهَا |
فضلها |
لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَوْ أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ، سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (النَّمل) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ مُهِمَّةِ النَّبِيِّ ﷺ فِي تَبْلِيغِ القُرْآنِ الْكَرِيمِ، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلۡقُرۡءَانَ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ٦﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَأَنۡ أَتۡلُوَاْ ٱلۡقُرۡءَانَۖ ...٩٢﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (النَّمْلِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الشُّعَرَاءِ): خُتِمَتِ (الشُّعَراءُ) بِصِفَاتِ المُؤمِنِيْن؛ فَقَالَ: ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا ...٢٢٧﴾، وافْتُتِحَتِ (النَّمْلُ) بِصِفَاتِهِمْ؛ فقال: ﴿ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ ٣﴾. |