«إنما تعبدون من دون الله» أي غيره «أوثاناً وتخلقون إفكا» تقولون كذباً إن الأوثان شركاء الله «إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا» لا يقدرون أن يرزقوكم «فابتغوا عند الله الرزق» اطلبوه منه «واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون».
فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)
«فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» عندما بدت لهم آيات اللّه غير المعتادة ، ذهبت عنهم الغفلة «فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ» فعادوا إلى شركهم بعد إخلاصهم للّه.
------------
(65) الفتوحات ج 1 /
208
ثم أخبرهم أن الأصنام التي يعبدونها والأوثان ، لا تضر ولا تنفع ، وإنما اختلقتم أنتم لها أسماء ، سميتموها آلهة ، وإنما هي مخلوقة مثلكم . هكذا روى العوفي عن ابن عباس . وبه قال مجاهد ، والسدي .
وروى الوالبي ، عن ابن عباس : وتصنعون إفكا ، أي : تنحتونها أصناما . وبه قال مجاهد - في رواية - وعكرمة ، والحسن ، وقتادة وغيرهم ، واختاره ابن جرير ، رحمه الله .
وهي لا تملك لكم رزقا ، ( فابتغوا عند الله الرزق ) وهذا أبلغ في الحصر ، كقوله : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة : 5 ] ، ( رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ) [ التحريم : 11 ] ، ولهذا قال : ( فابتغوا ) أي : فاطلبوا ( عند الله الرزق ) أي : لا عند غيره ، فإن غيره لا يملك شيئا ، ( واعبدوه واشكروا له ) أي : كلوا من رزقه واعبدوه وحده ، واشكروا له على ما أنعم به عليكم ، ( إليه ترجعون ) أي : يوم القيامة ، فيجازي كل عامل بعمله .
قوله {وإبراهيم} قال الكسائي {وإبراهيم} منصوب بـ {أنجينا} يعني أنه معطوف على الهاء وأجاز الكسائي أن يكون معطوفا على نوح والمعنى وأرسلنا إبراهيم وقول ثالث: أن يكون منصوبا بمعنى واذكر إبراهيم. {اعبدوا الله} أي أفردوه بالعبادة {واتقوه} أي اتقوا عقابه وعذابه {ذلكم خير لكم} أي من عبادة الأوثان {إن كنتم تعلمون}. قوله {إنما تعبدون من دون الله أوثانا} أي أصناما قال أبو عبيدة: الصنم ما يتخذ من ذهب أو فضة أو نحاس والوثن ما يتخذ من جص أو حجارة الجوهري: الوثن الصنم والجميع وثن وأوثان مثل أسد وآساد {وتخلقون إفكا} قال الحسن: معنى {تخلقون}تنحتون فالمعنى إنما تعبدون أوثانا وأنتم تصنعونها وقال مجاهد: الإفك الكذب والمعنى تعبدون الأوثان وتخلقون الكذب وقرأ أبو عبدالرحمن {وتخلقون} وقرئ {تُخلّقون} بمعنى التكثير من خلق و{تخلقون} من تخلق بمعنى تكذب وتخرص وقرئ {إفكا} وفيه وجهان: أن يكون مصدرا نحو كذب ولعب والإفك مخففا منه كالكذب واللعب وأن يكون صفة على فعل أي خلقا إفكا أي ذا إفك وباطل و{أوثانا} نصب بـ {تعبدون} و {ما} كافة ويجوز في غير القرآن رفع أوثان على أن تجعل و{ما} أسماء لأن {تعبدون} صلته وحذفت الهاء لطول الاسم وجعل أوثان خبر إن فأما {وتخلقون إفكا} فهو منصوب بالفعل لا غير. وكذا {لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق} أي اصرفوا رغبتكم في أرزاقكم إلى الله فإياه فاسألوه وحده دون غيره. {وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم} فقيل: هو من قوله إبراهيم أي التكذيب عادة الكفار وليس على الرسل إلا التبليغ. قوله {أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق} قراءة العامة بالياء على الخبر والتوبيخ لهم وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم قال أبو عبيد: لذكر الأمم كأنه قال أو لم ير الأمم كيف وقرأ أبو بكر والأعمش وابن وثاب وحمزة والكسائي {تروا} بالتاء خطابا؛ لقوله {وإن تكذبوا}. وقد قيل {وإن تكذبوا} خطاب لقريش ليس من قول إبراهيم. {ثم يعيده} يعني الخلق والبعث وقيل: المعنى أو لم يروا كيف يبدئ الله الثمار فتحيا ثم تفنى ثم يعيدها أبدا وكذلك يبدأ خلق الإنسان ثم يهلكه بعد أن خلق منه ولدا وخلق من الولد ولدا وكذلك سائر الحيوان أي فإذا رأيتم قدرته على الإبداء والإيجاد فهو القادر على الإعادة {إن ذلك على الله يسير} لأنه إذا أراد أمرا قال له كن فيكون.
ما تعبدون -أيها القوم- مِن دون الله إلا أصنامًا، وتفترون كذبًا بتسميتكم إياها آلهة، إنَّ أوثانكم التي تعبدونها من دون الله لا تقدر أن ترزقكم شيئًا، فالتمسوا عند الله الرزق لا من عند أوثانكم، وأخلصوا له العبادة والشكر على رزقه إياكم، إلى الله تُردُّون من بعد مماتكم، فيجازيكم على ما عملتم.
فلما أمرهم بعبادة الله وتقواه، نهاهم عن عبادة الأصنام، وبيَّن لهم نقصها وعدم استحقاقها للعبودية، فقال: { إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا } تنحتونها وتخلقونها بأيديكم، وتخلقون لها أسماء الآلهة، وتختلقون الكذب بالأمر بعبادتها والتمسك بذلك، { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ } في نقصه، وأنه ليس فيه ما يدعو إلى عبادته، { لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا } فكأنه قيل: قد بان لنا أن هذه الأوثان مخلوقة ناقصة، لا تملك نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، وأن من هذا وصفه، لا يستحق أدنى أدنى أدنى مثقال مثقال مثقال ذرة من العبادة والتأله، والقلوب لا بد أن تطلب معبودا تألهه وتسأله حوائجها، فقال -حاثا لهم على من يستحق العبادة- { فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ } فإنه هو الميسر له، المقدر، المجيب لدعوة من دعاه في أمر دينه ودنياه { وَاعْبُدُوهُ } وحده لا شريك له، لكونه الكامل النافع الضار، المتفرد بالتدبير، { وَاشْكُرُوا لَهُ } وحده، لكون جميع ما وصل ويصل إلى الخلق من النعم فمنه، وجميع ما اندفع ويندفع من النقم عنهم فهو الدافع لها. { إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } يجازيكم على ما عملتم، وينبئكم بما أسررتم وأعلنتم، فاحذروا القدوم عليه وأنتم على شرككم، وارغبوا فيما يقربكم إليه، ويثيبكم -عند القدوم- عليه.
( إنما تعبدون من دون الله أوثانا ) أصناما ( وتخلقون إفكا ) تقولون كذبا . قال مجاهد : تصنعون أصناما بأيدكم فتسمونها آلهة ( إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا ) لا يقدرون أن يرزقوكم ) ( فابتغوا ) فاطلبوا ( عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون )
(إِنَّما) كافة ومكفوفة (تَعْبُدُونَ) مضارع مرفوع والواو فاعله والجملة صلة (مِنْ دُونِ اللَّهِ) متعلقان بالفعل ولفظ الجلالة مضاف إليه (أَوْثاناً) مفعول به (وَتَخْلُقُونَ) معطوف على تعبدون (إِفْكاً) مفعول به، (إِنَّ الَّذِينَ) إن واسمها (تَعْبُدُونَ) مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعله والجملة صلة (مِنْ دُونِ اللَّهِ) متعلقان بحال محذوفة ولفظ الجلالة مضاف إليه (لا يَمْلِكُونَ) نافية ومضارع مرفوع والواو فاعله (لَكُمْ) متعلقان بالفعل (رِزْقاً) مفعول به والجملة خبر إن.
(فَابْتَغُوا) الفاء الفصيحة وأمر مبني على حذف النون والواو فاعله والجملة جواب شرط مقدر لا محل لها (عِنْدَ اللَّهِ) ظرف مكان مضاف إلى لفظ الجلالة (الرِّزْقَ) مفعول به (وَاعْبُدُوهُ) أمر وفاعله ومفعوله والجملة معطوفة على ما قبلها (وَاشْكُرُوا) أمر وفاعله والجملة معطوفة على ما قبلها (لَهُ) متعلقان بالفعل (إِلَيْهِ) متعلقان بالفعل بعدهما (تُرْجَعُونَ) مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل.
Traslation and Transliteration:
Innama taAAbudoona min dooni Allahi awthanan watakhluqoona ifkan inna allatheena taAAbudoona min dooni Allahi la yamlikoona lakum rizqan faibtaghoo AAinda Allahi alrrizqa waoAAbudoohu waoshkuroo lahu ilayhi turjaAAoona
Ye serve instead of Allah only idols, and ye only invent a lie. Lo! those whom ye serve instead of Allah own no provision for you. So seek your provision from Allah, and serve Him, and give thanks unto Him, (for) unto Him ye will be brought back.
Gerçekten de Allah'ı bırakıp da putlara tapıyor, yalanlar uyduruyorsunuz; Allah'ı bırakıp taptığınız şeylerin, size bir rızık vermeye güçleri yetmez; rızkı, Allah katında arayın ve kulluk edin ona ve şükredin ona; dönüp onun tapısına varacaksınız.
Vous n'adorez que des idoles, en dehors d'Allah, et vous forgez un mensonge. Ceux que vous adorez en dehors d'Allah ne possèdent aucun moyen pour vous procurer nourriture; recherchez votre subsistance auprès d'Allah. Adorez-Le et soyez-Lui reconnaissants. C'est à Lui que vous serez ramenés.
Ihr dient anstelle von ALLAH doch nur Götzen und ihr erfindet nur Ifk-Lüge. Gewiß, diejenigen, denen ihr anstelle von ALLAH dient, haben für euch kein Rizq, so strebt das Rizq bei ALLAH an, dient Ihm und erweist euch Ihm gegenüber dankbar! Zu Ihm werdet ihr zurückgebracht.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة العنكبوت (Al-Ankabut - The Spider) |
ترتيبها |
29 |
عدد آياتها |
69 |
عدد كلماتها |
982 |
عدد حروفها |
4200 |
معنى اسمها |
(العَنْكَبُوتُ): الأُنْثَى، وَذَكَرُها: عَنْكَبُ، والجَمْعُ: عَنَاكِبُ وعَنَاكِيبُ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بضَرْبِ الْمَثَلِ (بِالْعَنْكَبُوتِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (العَنْكَبُوتِ) |
مقاصدها |
بَيَانُ وَهَنِ كُلِّ مَا يُعْبَدُ مِن دُونِ اللهِ تَعَالَى وَبُطْلَانِ فِكْرِهِ وَعَقِيدَتِهِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَو أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الْعَنْكَبُوتِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿وَمَن جَٰهَدَ فَإِنَّمَا يُجَٰهِدُ لِنَفۡسِهِۦٓۚ ...٦﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ ...٦٩﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْعَنْكَبُوتِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْقَصَصِ):لَمَّا خَتَمَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (الْقَصَصَ) بِالأَمْرِ بِتَوحِيدِ اللهِ تَعَالَى قَائِلاً: ﴿وَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۘ ...٨٨﴾ نَاسَبَ ذَلِكَ افْتِتَاحَ (الْعَنْكَبُوتِ) بِقَولهِ: ﴿أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ ٢﴾. |