المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الأحقاف: [الآية 35]
سورة الأحقاف | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34) فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (35)
أولو العزم من الرسل هم الذين لقوا الشدائد في تمهيد السبيل ، وهم الذين أرسلوا بالسيف لكمالهم .
(47) سورة محمّد مدنيّة
------------
(35) الفتوحات ج 4 / 347 - كتاب تلقيح الأذهانتفسير ابن كثير:
( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) أي : على تكذيب قومهم لهم . وقد اختلفوا في تعداد أولي العزم على أقوال ، وأشهرها أنهم : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، وخاتم الأنبياء كلهم محمد - صلى الله عليه وسلم - قد نص الله على أسمائهم من بين الأنبياء في آيتين من سورتي " الأحزاب " و " الشورى " ، وقد يحتمل أن يكون المراد بأولي العزم جميع الرسل ، وتكون ) من ) في قوله : ( من الرسل ) لبيان الجنس ، والله أعلم . وقد قال ابن أبي حاتم :
حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي ، حدثنا السري بن حيان ، حدثنا عباد بن عباد ، حدثنا مجالد بن سعيد ، عن الشعبي ، عن مسروق قال : قالت لي عائشة [ رضي الله عنها ] : ظل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صائما ثم طواه ، ثم ظل صائما ثم طواه ، ثم ظل صائما ، [ ثم ] قال : " يا عائشة ، إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد . يا عائشة ، إن الله لم يرض من أولي العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها والصبر عن محبوبها ، ثم لم يرض مني إلا أن يكلفني ما كلفهم ، فقال : ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) وإني - والله - لأصبرن كما صبروا جهدي ، ولا قوة إلا بالله "
( ولا تستعجل لهم ) أي : لا تستعجل لهم حلول العقوبة بهم ، كقوله : ( وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا ) [ المزمل : 11 ] ، وكقوله ( فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ) [ الطارق : 17 ] .
( كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ) ، كقوله ( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) [ النازعات : 46 ] ، وكقوله ( ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين ) [ يونس : 45 ] ، [ وحاصل ذلك أنهم استقصروا مدة لبثهم في الدنيا وفي البرزخ حين عاينوا يوم القيامة وشدائدها وطولها ] .
وقوله : ( بلاغ ) قال ابن جرير : يحتمل معنيين ، أحدهما : أن يكون تقديره : وذلك لبث بلاغ . والآخر : أن يكون تقديره : هذا القرآن بلاغ .
وقوله : ( فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ) أي : لا يهلك على الله إلا هالك ، وهذا من عدله تعالى أنه لا يعذب إلا من يستحق العذاب .
آخر تفسير سورة الأحقاف .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
ثم أمر تعالى رسوله أن يصبر على أذية المكذبين المعادين له وأن لا يزال داعيا لهم إلى الله وأن يقتدي بصبر أولي العزم من المرسلين سادات الخلق أولي العزائم والهمم العالية الذين عظم صبرهم، وتم يقينهم، فهم أحق الخلق بالأسوة بهم والقفو لآثارهم والاهتداء بمنارهم.
فامتثل صلى الله عليه وسلم لأمر ربه فصبر صبرا لم يصبره نبي قبله حتى رماه المعادون له عن قوس واحدة، وقاموا جميعا بصده عن الدعوة إلى الله وفعلوا ما يمكنهم من المعاداة والمحاربة، وهو صلى الله عليه وسلم لم يزل صادعا بأمر الله مقيما على جهاد أعداء الله صابرا على ما يناله من الأذى، حتى مكن الله له في الأرض وأظهر دينه على سائر الأديان وأمته على الأمم، فصلى الله عليه وسلم تسليما.
وقوله: { وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ } أي: لهؤلاء المكذبين المستعجلين للعذاب فإن هذا من جهلهم وحمقهم فلا يستخفنك بجهلهم ولا يحملك ما ترى من استعجالهم على أن تدعو الله عليهم بذلك فإن كل ما هو آت قريب، و { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا } في الدنيا { إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ } فلا يحزنك تمتعهم القليل وهم صائرون إلى العذاب الوبيل.
{ بَلَاغٌ } أي: هذه الدنيا متاعها وشهوتها ولذاتها بلغة منغصة ودفع وقت حاضر قليل.
أو هذا القرآن العظيم الذي بينا لكم فيه البيان التام بلاغ لكم، وزاد إلى الدار الآخرة، ونعم الزاد والبلغة زاد يوصل إلى دار النعيم ويعصم من العذاب الأليم، فهو أفضل زاد يتزوده الخلائق وأجل نعمة أنعم الله بها عليهم.
{ فَهَلْ يُهْلَكُ } بالعقوبات { إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ } أي: الذين لا خير فيهم وقد خرجوا عن طاعة ربهم ولم يقبلوا الحق الذي جاءتهم به الرسل.
وأعذر الله لهم وأنذرهم فبعد ذلك إذ يستمرون على تكذيبهم وكفرهم نسأل
الله العصمة.
آخر تفسير سورة الأحقاف، والحمد لله رب العالمين
تفسير البغوي
( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) قال ابن عباس : ذوو الحزم . وقال الضحاك : ذوو الجد والصبر .
واختلفوا فيهم ، فقال ابن زيد : كل الرسل كانوا أولي عزم ، لم يبعث الله نبيا إلا كان ذا عزم وحزم ، ورأي وكمال عقل ، وإنما أدخلت " من " للتجنيس لا للتبعيض ، كما يقال : اشتريت أكسية من الخز وأردية من البز .
وقال بعضهم : الأنبياء كلهم أولو عزم إلا يونس بن متى ، لعجلة كانت منه ، ألا ترى أنه قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : " ولا تكن كصاحب الحوت " ؟ .
وقال قوم : هم نجباء الرسل المذكورون في سورة الأنعام ، وهم ثمانية عشر ، لقوله تعالى بعد ذكرهم : " أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده " ( الأنعام - 90 ) .
وقال الكلبي : هم الذين أمروا بالجهاد وأظهروا المكاشفة مع أعداء الدين .
وقيل : هم ستة : نوح ، وهود ، وصالح ، ولوط ، وشعيب ، وموسى ، عليهم السلام ، وهم المذكورون على النسق في سورة الأعراف والشعراء .
وقال مقاتل : هم ستة : نوح ، صبر على أذى قومه ، وإبراهيم ، صبر على النار ، وإسحاق صبر على الذبح ، ويعقوب ، صبر على فقد ولده وذهاب بصره ، ويوسف ، صبر على البئر والسجن ، وأيوب ، صبر على الضر .
وقال ابن عباس وقتادة : هم نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، أصحاب الشرائع ، فهم مع محمد - صلى الله عليه وسلم - خمسة .
قلت : ذكرهم الله على التخصيص في قوله : " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم " ( الأحزاب - 7 ) ، وفي قوله تعالى : " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا " ( الشورى - 13 ) .
أخبرنا أبو طاهر المطهر بن علي بن عبيد الله الفارسي ، حدثنا أبو ذر محمد بن إبراهيم سبط الصالحاني ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان المعروف بأبي الشيخ الحافظ ، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، أخبرنا محمد بن الحجاج ، أخبرنا السري بن حيان ، أخبرنا عباد بن عباد ، حدثنا مجالد بن سعيد ، عن الشعبي ، عن مسروق قال : قالت عائشة قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد ، يا عائشة إن الله لم يرض من أولي العزم إلا بالصبر على مكروهها ، والصبر على مجهودها ، ولم يرض إلا أن كلفني ما كلفهم ، وقال : فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل وإني والله لا بد لي من طاعته ، والله لأصبرن كما صبروا ، وأجهدن كما جهدوا ، ولا قوة إلا بالله " .
قوله تعالى : ( ولا تستعجل لهم ) أي ولا تستعجل العذاب لهم ، فإنه نازل بهم لا محالة ، كأنه ضجر بعض الضجر فأحب أن ينزل العذاب بمن أبى منهم ، فأمر بالصبر وترك الاستعجال .
ثم أخبر عن قرب العذاب فقال :
( كأنهم يوم يرون ما يوعدون ) من العذاب في الآخرة ( لم يلبثوا ) [ في الدنيا ] ( إلا ساعة من نهار ) أي إذا عاينوا العذاب صار طول لبثهم في الدنيا والبرزخ كأنه ساعة من نهار ، لأن ما مضى وإن كان طويلا كأن لم يكن .
ثم قال : ( بلاغ ) أي هذا القرآن وما فيه من البيان بلاغ من الله إليكم ، والبلاغ بمعنى التبليغ ( فهل يهلك ) بالعذاب إذا نزل ( إلا القوم الفاسقون ) الخارجون من أمر الله .
قال الزجاج : تأويله : لا يهلك مع رحمة الله وفضله إلا القوم الفاسقون ، ولهذا قال قوم : ما في الرجاء لرحمة الله آية أقوى من هذه الآية .
الإعراب:
(فَاصْبِرْ) حرف استئناف وأمر فاعله مستتر والجملة مستأنفة (كَما) الكاف حرف تشبيه وجر وما مصدرية (صَبَرَ) ماض (أُولُوا) فاعل (الْعَزْمِ) مضاف إليه (مِنَ الرُّسُلِ) جار ومجرور حال وما والفعل في تأويل مصدر في محل جر بالكاف والجار والمجرور متعلقان بالفعل (وَلا تَسْتَعْجِلْ) الواو حرف عطف ولا ناهية ومضارع مجزوم بلا (لَهُمْ) متعلقان بالفعل (كَأَنَّهُمْ) كأن واسمها (يَوْمَ) ظرف زمان (يَرَوْنَ) مضارع مرفوع والواو فاعله والجملة في محل جر بالإضافة (ما) مفعول به (يُوعَدُونَ) مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل والجملة صلة (لَمْ يَلْبَثُوا) مضارع مجزوم بلم والواو فاعله والجملة الفعلية خبر كأن والجملة الاسمية مستأنفة (إِلَّا) حرف حصر (ساعَةً) ظرف زمان (مِنْ نَهارٍ) جار ومجرور صفة (بَلاغٌ) خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا القرآن بلاغ (فَهَلْ) الفاء حرف استئناف وهل حرف استفهام (يُهْلَكُ) مضارع مبني للمجهول (إِلَّا) حرف حصر (الْقَوْمُ) نائب فاعل (الْفاسِقُونَ) صفة.