«ألكم الذكر وله الأنثى».
فَغَشَّاها ما غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى (55) هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (56) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ (58) فَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59)
«فَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ» يعني من القرآن ، فيما وعظهم به منهم وتوعدهم ووعدهم «تَعْجَبُونَ» تكثرون العجب ، كيف جاء به مثل هذا ؟ وما أنزل على عظمائكم كما قالوا : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) .
[سورة النجم (53) : آية 60]
وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (60)
«وَتَضْحَكُونَ» أي تهزءون منه إذا أتى به ، لأنهم لا يعرفون الحق إلا بالرجال «وَلا تَبْكُونَ» فإن في القرآن ما يبكي من الوعيد ، وما يضحك ويتعجب فيه من الفرح باتساع رحمة اللّه ولطفه بعباده ، وفي القرآن من الوعيد والمخاوف ما يبكي بدل الدموع دما لمن دبر آياته.
------------
(59 - 62) الفتوحات ج 1 /
514
ثم قال : ( ألكم الذكر وله الأنثى ) ؟ أي : أتجعلون له ولدا ، وتجعلون ولده أنثى ، وتختارون لأنفسكم الذكور ،
قوله تعالى {أفرأيتم اللات والعزى . ومناة الثالثة الأخرى} لما ذكر الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر من آثار قدرته ما ذكر، حاج المشركين إذ عبدوا ما لا يعقل وقال : أفرأيتم هذه الآلهة التي تعبدونها أوحين إليكم شيئا كما أوحي إلى محمد. وكانت اللات لثقيف، والعزى لقريش وبني كنانة، ومناة لبني هلال. وقال هشام : فكانت مناة لهذيل وخزاعة؛ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه فهدمها عام الفتح. ثم اتخذوا اللات بالطائف، وهي أحدث من مناة وكانت صخرة مربعة، وكان سدنتها من ثقيف، وكانوا قد بنوا عليها بناء، فكانت قريش وجميع العرب تعظمها. وبها كانت العرب تسمي زيد اللات وتيم اللات. وكانت في موضع منارة مسجد الطائف اليسرى، فلم تزل كذلك إلى أن أسلمت ثقيف، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة فهدمها وحرقها بالنار. ثم اتخذوا العزى وهي أحدث من اللات، اتخذها ظالم بن أسعد، وكانت بوادي نخلة الشامية فوق ذات عرق، فبنوا عليها بيتا وكانوا يسمعون منها الصوت. قال ابن هشام : وحدثني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : كانت العزى شيطانة تأتي ثلاث سمرات ببطن نخلة، فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، بعث خالد بن الوليد رضي الله عنه فقال : (ايت بطن نخلة فإنك تجد ثلاث سمرات فاعضد الأولى) فأتاها فعضدها فلما جاء إليه قال : (هل رأيت شيئا) قال : لا. قال : (فاعضد الثانية) فأتاها فعضدها، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (هل رأيت شيئا) قال : لا. قال : (فاعضد الثالثة) فأتاها فإذا هو بحبشية نافشة شعرها، واضعة يديها على عاتقها تصرف بأنيابها، وخلفها دبية السلمى وكان سادنها فقال : يا عز كفرانك لا سبحانك ** إني رأيت الله قد أهانك ثم ضربها ففلق رأسها فإذا هي حممة، ثم عضد الشجرة وقتل دبية السادن، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : (تلك العزى ولن تعبد أبدا) وقال ابن جبير : العزى حجر أبيض كانوا يعبدونه. قتادة : نبت كان ببطن نخلة. ومناة : صنم لخزاعة. وقيل : إن اللات فيما ذكر بعض المفسرين أخذه المشركون من لفظ الله، والعزى من العزيز، ومناة من منى الله الشيء إذا قدره. وقرأ ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وحميد وأبو صالح {اللات} بتشديد التاء وقالوا : كان رجلا يلت السويق للحاج ذكر البخاري عن ابن عباس - فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه. ابن عباس : كان يبيع السويق والسمن عند صخرة ويصبه عليها، فلما مات ذلك الرجل عبدت ثقيف تلك الصخرة إعظاما لصاحب السويق. أبو صالح : إنما كان رجلا بالطائف فكان يقوم على آلهتهم ويلُتُّ لهم السويق فلما مات عبدوه. مجاهد : كان رجل في رأس جبل له غنيمه يسلي منها السمن ويأخذ منها الأقط ويجمع رسلها، ثم يتخذ منها حيسا فيطعم الحاج، وكان ببطن نخلة فلما مات عبدوه وهو اللات. وقال الكلبي كان رجلا من ثقيف يقال له صرمة بن غنم. وقيل : إنه عامر بن ظرب العدواني. قال الشاعر : لا تنصروا اللات إن الله مهلكها ** وكيف ينصركم من ليس ينتصر والقراءة الصحيحة {اللات} بالتخفيف اسم صنم والوقوف عليها بالتاء وهو اختيار الفراء. قال الفراء : وقد رأيت الكسائي سأل أبا فقعس الأسدي فقال ذاه لذات ولاه للات وقرأ {أفرأيتم اللاه} وكذا قرأ الدوري عن الكسائي والبزي عن ابن كثير {اللاه} بالهاء في الوقف، ومن قال : إن {اللات} من الله وقف بالهاء أيضا. وقيل : أصلها لاهة مثل شاة أصلها شاهة وهي من لاهت أي اختفت؛ قال الشاعر : لاهت فما عرفت يوما بخارجة ** يا ليتها خرجت حتى رأيناها وفي الصحاح : اللات اسم صنم كان لثقيف وكان بالطائف، وبعض العرب يقف عليها بالتاء، وبعضهم بالهاء؛ قال الأخفش : سمعنا من العرب من يقول اللات والعزى، ويقول هي اللات فيجعلها تاء في السكوت وهي اللات فأعلم أنه جر في موضع الرفع؛ فهذا مثل أمس مكسور على كل حال وهو أجود منه؛ لأن الألف واللام اللتين في اللات لا تسقطان وإن كانتا زائدتين؛ وأما ما سمعنا من الأكثر في اللات والعزى في السكوت عليها فاللاه لأنها هاء فصارت تاء في الوصل وهي في تلك اللغة مثل كان من الأمر كيت وكيت، وكذلك هيهات في لغة من كسرها؛ إلا أنه يجوز في هيهات أن تكون جماعة ولا يجوز ذلك في اللات؛ لأن التاء لا تزاد في الجماعة إلا مع الألف، وإن جعلت الألف والتاء زائدتين بقي الاسم على حرف واحد. قوله تعالى {ومناة الثالثة الأخرى} قرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد ومجاهد والسلمي والأعشى عن أبي بكر {ومناءة} بالمد والهمز. والباقون بترك الهمز لغتان. وقيل : سمي بذلك؛ لأنهم كانوا يريقون عنده الدماء يتقربون بذلك إليه. وبذلك سميت منى لكثرة ما يراق فيها من الدماء. وكان الكسائي وابن كثير وابن محيصن يقفون بالهاء على الأصل. الباقون بالتاء اتباعا لخط المصحف. وفي الصحاح : ومناة اسم صنم كان لهذيل وخزاعة بين مكة والمدينة، والهاء للتأنيث ويسكت عليها بالتاء وهي لغة، والنسبة إليها منوي. وعبد مناة بن أد بن طابخة، وزيد مناة بن تميم بن مريمد ويقصر؛ قال هوبر الحارثي : ألا هل أتى التيم بن عبد مناءة ** على الشنء فيما بيننا ابن تميم قوله تعالى: {الأخرى} العرب لا تقول للثالثة أخرى وإنما الأخرى نعت للثانية، واختلفوا في وجهها فقال الخليل : إنما قال ذلك لوفاق رءوس الآي؛ كقوله {مآرب أخرى} [
طه : 18] ولم يقل آخر. وقال الحسين بن الفضل : في الآية تقديم وتأخير مجازها أفرأيتم اللات والعزى الأخرى ومناة الثالثة. وقيل : إنما قال {ومناة الثالثة الأخرى} لأنها كانت مرتبة عند المشركين في التعظيم بعد اللات والعزى فالكلام على نسقه. وقد ذكرنا عن ابن هشام : أن مناة كانت أولا في التقديم، فلذلك كانت مقدمة عندهم في التعظيم؛ والله أعلم. وفي الآية حذف دل عليه الكلام؛ أي أفرأيتم هذه الآلهة هل نفعت أو ضرت حتى تكون شركاء لله. ثم قال على جهة التقريع والتوبيخ {ألكم الذكر وله الأنثى} ردًّا عليهم قولهم : الملائكة بنات الله، والأصنام بنات الله. {تلك إذا} يعني هذه القسمة {قسمة ضيزى} أي جائرة عن العدل، خارجة عن الصواب، مائلة عن الحق. يقال : ضاز في الحكم أي جار، وضاز حقه يضيزه ضيزا - عن الأخفش - أي نقصه وبخسه. قال : وقد يهمز فيقال ضأزه يضأزه ضأزا وأنشد : فإن تنأ عنا ننتقصك وإن تقم ** فقسمك مضؤوز وأنفك راغم وقال الكسائي : يقال ضاز يضيز ضيزا، وضاز يضوز، وضأز يضأز ضأزا إذا ظلم وتعدى وبخس وانتقص؛ قال الشاعر : ضازت بنو أسد بحكمهم ** إذ يجعلون الرأس كالذنب قوله تعالى {قسمة ضيزى} أي جائرة، وهي فعلى مثل طوبى وحبلى؛ وإنما كسروا الضاد لتسلم الياء؛ لأنه ليس في الكلام فعل صفة، وإنما هو من بناء الأسماء كالشعرى والدفلى. قال الفراء : وبعض العرب تقول ضوزى وضئزى بالهمز. وحكى أبو حاتم عن أبي زيد : أنه. سمع العرب تهمز {ضيزى}. قال غيره : وبها قرأ ابن كثير؛ جعله مصدرا مثل ذكرى وليس بصفة؛ إذ ليس في الصفات فعلى ولا يكون أصلها فعلى؛ إذ ليس فيها ما يوجب القلب، وهي من قولهم ضأزته أي ظلمته. فالمعنى قسمة ذات ظلم. وقد قيل هما لغتان بمعنى. وحكى فيها أيضا سواهما ضيزى وضازى وضوزى وضؤزى. وقال المؤرج : كرهوا ضم الضاد في ضيزى، وخافوا انقلاب الياء واوا وهي من بنات الواو؛ فكسروا الضاد لهذه العلة، كما قالوا في جمع أبيض بيض، والأصل بوض؛ مثل حمر وصفر وخضر. فأما من قال : ضاز يضوز فالاسم منه ضوزى مثل شورى.
أتجعلون لكم الذَّكر الذي ترضونه، وتجعلون لله بزعمكم الأنثى التي لا ترضونها لأنفسكم؟ تلك إذًا قسمة جائرة. ما هذه الأوثان إلا أسماء ليس لها من أوصاف الكمال شيء، إنما هي أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم بمقتضى أهوائكم الباطلة، ما أنزل الله بها مِن حجة تصدق دعواكم فيها. ما يتبع هؤلاء المشركون إلا الظن، وهوى أنفسهم المنحرفة عن الفطرة السليمة، ولقد جاءهم من ربهم على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، ما فيه هدايتهم، فما انتفعوا به.
{ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى } أي: أتجعلون لله البنات بزعمكم، ولكم البنون؟.
" ألكم الذكر وله الأنثى "
(أَلَكُمُ) الهمزة حرف استفهام إنكاري ولكم خبر مقدم (الذَّكَرُ) مبتدأ مؤخر والجملة استئنافية لا محل لها (وَلَهُ) خبر مقدم (الْأُنْثى) مبتدأ مؤخر والجملة معطوفة.
Traslation and Transliteration:
Alakumu alththakaru walahu alontha
Are yours the males and His the females?
Erkek evlatlar sizin de kızlar onun mu?
Sera-ce à vous le garçon et à Lui la fille?
Ist euch etwa das Männliche und Sein ist das Weibliche?!
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة النجم (An-Najm - The Star) |
ترتيبها |
53 |
عدد آياتها |
62 |
عدد كلماتها |
359 |
عدد حروفها |
1405 |
معنى اسمها |
(النَّجْمُ): مَعْرُوفٌ، وَهُوَ أَحَدُ الأَجْرَامِ السَّمَاوِيَّةِ المُضِيئَةِ بِذَاتِهَا |
سبب تسميتها |
أَقْسَمَ اللهُ بِالنَّجْمِ لِأَهَمِّيَتِهِ وَمُنَاسَبَتِهِ لِقِصَّةِ مِعْرَاجِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى السَّمَاءِ؛ فَسُمِّيَتِ السُّورَةُ بِهِ |
أسماؤها الأخرى |
لا يُعْرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (النَّجْمِ) |
مقاصدها |
إِثْبَاتُ الْوَحْيِ مِنَ اللهِ تعَالَى، وَإِبْطَالُ عَقِيدَةِ الشِّرْكِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها |
أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ فِيهَا سَجْدَةٌ، فَعَن عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: قَالَ: «أوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فِيهَا سَجْدَةٌ (وَالنَّجْمِ)، قَالَ: فَسَجَدَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ وسَجَدَ مَن خَلْفَهُ إلَّا رَجُلًا...». (رَوَاهُ البُخارِيّ).
مِنَ النَّظَائِرِ التِي كَانَ يَقرَأُ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَفِي حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه الطَوِيْلِ قَالَ: «كَانَ النَّبِيَّ ﷺ يَقْرَأُ النَّظائِرَ؛ السُّورَتَيْنِ في رَكْعَةٍ، ... (الرَّحْمَنُ وَالنَّجمِ) فِي رَكْعَةٍ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (النَّجْمِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ الْوَحْيِ وَمَوقِفِ الْمُكَذِّبِينَ مِنْهُ، فَقَالَ فِي أَوَّلِهَا: ﴿إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ ٤﴾، وَرَدَّ عَلَى الْمُكَذِّبِينَ فِي أَوَاخِرِهَا، فَقَالَ: ﴿أَفَمِنۡ هَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ تَعۡجَبُونَ ٥٩﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (النَّجْمِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الطُّورِ): خُتِمَتِ (الطُّورُ) بِكَلِمَةِ النُّجُومِ فِي قوله: ﴿وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡهُ وَإِدۡبَٰرَ ٱلنُّجُومِ ٤٩﴾، وَافْتُتِحَتِ (النَّجْمُ) بِكَلِمَةِ النَّجْمِ فِي قَولِهِ: ﴿وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ ١﴾. |