«لمن شاء منكم» بدل من العالمين بإعادة الجار «أن يستقيم» باتباع الحق.
لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (29)
«وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ» أن تشاءوا ، إلا أنه في حضرة الخيال مشيئة العبد
كمشيئة الحق في النفوذ ، وفي الحس في الدنيا يقع بعض ما يشاء العبد ، وفي الآخرة الحق مع العبد على كل ما يشاؤه ، فالحق في الإيجاد لمشيئة العبد في الحضرة الخيالية في الدنيا خاصة ، وفي الآخرة في الجنة عموم
[ تحقيق :المشيئة الإلهية من حيث أن العلم تابع للمعلوم ]
-تحقيق -اعلم أن الإمكان للممكن هو الحكم الذي أظهر الاختيار من المرجّح ، والذي عند المرجح أمر واحد ، وهو أحد الأمرين لا غير ، فما ثمّ بالنظر إلى الحق إلا أحدية محضة خالصة لا يشوبها اختيار ،
ألا تراه يقول تعالى : لو شاء كذا لكان كذا ، فما شاء ، فما كان ذلك ، فنفى عن نفسه تعلق هذه المشيئة ، فنفى الكون عن ذلك المذكور ، غير أن للّه تعالى نسبتين في الحكم الواقع في العالم بالامتناع أو بالوقوع ، فالنسبة الواحدة ما ظهر من العالم في العالم من الأحكام الواقعة والممتنعة بمشيئتهم ، أعني بمشيئة العالم التي أوجدها اللّه في العالم ، والنسبة الأخرى ما يظهر في الأحكام في العالم لا من العالم ، مشاءة للّه تعالى من الوجه الخاص ، ثم هي للّه كالآلة للصانع ظاهرة التعلق منفية الحكم ،
فالعلماء باللّه ينسبون الواقع بالآلة إلى اللّه ، والذين لا علم لهم ينسبوها إلى الآلة ، وطائفة متوسطة ينسبون إلى الآلة ما ينسب الحق إليها على حد علمه في ذلك ، وينسبون الكل إلى اللّه أدبا مع اللّه وحقيقة ، فهم الأدباء مع اللّه المحققون ، وهم الذين جمعوا بين الشرع والعقل ، والوجه الصحيح في العلم الإلهي لا يتمكن للعقل أن يصل إليه من حيث نظره ، لا بل ولا من جهة شهوده ولا من تجليه ، وإنما يعلم بإعلامه ، فإن العلم باللّه من حيث النظر والشهود على السواء ، ما يضبط الناظر ولا المشاهد إلا الحيرة المحضة ، فإذا وقع الإعلام الإلهي لمن وقع حيث وقع - من دنيا وآخرة - حصل المقصود .
(82) سورة الانفطار مكيّة
------------
(29) الفتوحات ج 2 /
288 - ج 3 /
509 - ج 4 /
30
أي من أراد الهداية فعليه بهذا القرآن فإنه منجاة له وهداية ولا هداية فيما سواه.
قوله تعالى {ولقد رآه بالأفق المبين} أي رأى جبريل في صورته، له ستمائة جناح. {بالأفق المبين} أي بمطلع الشمس من قبل المشرق؛ لأن هذا الأفق إذا كان منه تطلع الشمس فهو مبين. أي من جهته ترى الأشياء. وقيل : الأفق المبين : أقطار السماء ونواحيها؛ قال الشاعر : أخذنا بآفاق السماء عليكم ** لنا قمراها والنجوم الطوالع الماوردي : فعلى هذا، فيه ثلاثة أقاويل أحدها : أنه رآه في أفق السماء الشرقي؛ قاله سفيان. الثاني : في أفق السماء الغربي، حكاه ابن شجرة. الثالث : أنه رآه نحو أجياد، وهو مشرق مكة؛ قاله مجاهد. وحكى الثعلبي عن ابن عباس، قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل (إني أحب أن أراك في صورتك التي تكون فيها في السماء) قال : لن تقدر على ذلك. قال(بلى) قال : فأين تشاء أن أتخيل لك؟ قال(بالأبطح) قال : لا يسعني. قال(فبمنى) قال : لا يسعني. قال(فبعرفات) قال : ذلك بالحري أن يسعني. فواعده فخرج صلى الله عليه وسلم للوقت، فإذا هو قد أقبل بخشخشة وكلكلة من جبال عرفات، قد ملأ ما بين المشرق والمغرب، ورأسه في السماء ورجلاه في الأرض، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم خر مغشيا عليه، فتحول جبريل في صورته، وضمه إلى صدره. وقال : يا محمد لا تخف؛ فكيف لو رأيت إسرافيل ورأسه من تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرض السابعة، وإن العرش على كاهله، وإنه ليتضاءل أحيانا من خشية الله، حتى يصير مثل الوصع - يعني العصفور - حتى ما يحمل عرش ربك إلا عظمته. وقيل : إن محمدا عليه السلام رأى ربه عز وجل بالأفق المبين. وهو معنى قول ابن مسعود. وقد مضى القول في هذا في [والنجم] مستوفى، فتأمله هناك. وفي {المبين} قولان : أحدهما أنه صفة الأفق؛ قال الربيع. الثاني أنه صفة لمن رآه؛ قاله مجاهد. وما هو على الغيب بظنين : بالظاء، قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي، أي بمتهم، والظنة التهمة؛ قال الشاعر : أما وكتاب الله لا عن سناءة ** هجرت ولكن الظنين ظنين واختاره أبو عبيد؛ لأنهم لم يبخلوه ولكن كذبوه؛ ولأن الأكثر من كلام العرب : ما هو بكذا، ولا يقولون : ما هو على كذا، إنما يقولون : ما أنت على هذا بمتهم. وقرأ الباقون {بضنين} بالضاد : أي ببخيل من ضننت بالشيء أضن ضنا [فهو] ضنين. فروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : لا يضن عليكم بما يعلم، بل يعلم الخلق كلام الله وأحكامه. وقال الشاعر : أجود بمكنون الحديث وإنني ** بسرك عمن سالني لضنين والغيب : القرآن وخبر السماء. ثم هذا صفة محمد عليه السلام. وقيل : صفة جبريل عليه السلام. وقيل : بظنين : بضعيف. حكاه الفراء والمبرد؛ يقال : رجل ظنين : أي ضعيف. وبئر ظنون : إذا كانت قليلة الماء؛ قال الأعشى : ما جعل الجد الظنون الذي ** جنب صوب اللجب الماطر مثل الفراتي إذا ما طما ** يقذف بالبوصي والماهر والظنون : الدين الذي لا يدري أيقضيه آخذه أم لا؟ ومنه حديث علي عليه السلام في الرجل يكون له الدين الظنون، قال : يزكيه لما مضى إذا قبضه إن كان صادقا. والظنون : الرجل السيء الخلق؛ فهو لفظ مشترك. قوله تعالى {وما هو} يعني القرآن {بقول شيطان رجيم} أي مرجوم ملعون، كما قالت قريش. قال عطاء : يريد بالشيطان الأبيض الذي كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة جبريل يريد أن يفتنه. {فأين تذهبون} قال قتادة : فإلى أين تعدلون عن هذا القول وعن طاعته. كذا روى معمر عن قتادة؛ أي أين تذهبون عن كتابي وطاعتي. وقال الزجاج : فأي طريقة تسلكون أبين من هذه الطريقة التي بينت لكم. ويقال : أين تذهب؟ وإلى أين تذهب؟ وحكى الفراء عن العرب : ذهبت الشام وخرجت العراق وانطلقت السوق : أي إليها. قال : سمعناه في هذه الأحرف الثلاثة؛ وأنشدني بعض بني عقيل : تصيح بنا حنيفة إذ رأتنا ** وأي الأرض تذهب بالصياح يريد إلى أي أرض تذهب، فحذف إلى. وقال الجنيد : معنى الآية مقرون بآية أخرى؛ وهي قوله تعالى {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه}[
الحجر : 21] المعنى : أي طريق تسلكون أبين من الطريق الذي بينه الله لكم. وهذا معنى قول الزجاج. {إن هو} يعني القرآن {إلا ذكر للعالمين} أي موعظة وزجر. و{إن} بمعنى {ما}. وقيل : ما محمد إلا ذكر. {لمن شاء منكم أن يستقيم} أي يتبع الحق ويقيم عليه. وقال أبو هريرة وسليمان بن موسى : لما نزلت {لمن شاء منكم أن يستقيم} قال أبو جهل : الأمر إلينا، إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم - وهذا هو القدر؛ وهو رأس القدرية - فنزلت {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين}، فبين بهذا أنه لا يعمل العبد خيرا إلا بتوفيق الله، ولا شرا إلا بخذلانه. وقال الحسن : والله ما شاءت العرب الإسلام حتى شاءه الله لها. وقال وهب بن منبه : قرأت في سبعة وثمانين كتابا مما أنزل الله على الأنبياء : من جعل إلى نفسه شيئا من المشيئة فقد كفر. وفي التنزيل {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله}[
الأنعام : 111]. وقال تعالى {وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله}[
يونس : 100]. وقال تعالى {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}[
القصص : 56] والآي في هذا كثير، وكذلك الأخبار، وأن الله سبحانه هدى بالإسلام، وأضل بالكفر، كما تقدم في غير موضع. ختمت السورة والحمد لله.
فأين تذهب بكم عقولكم في التكذيب بالقرآن بعد هذه الحجج القاطعة؟ ما هو إلا موعظة من الله لجميع الناس، لمن شاء منكم أن يستقيم على الحق والإيمان، وما تشاؤون الاستقامة، ولا تقدرون على ذلك، إلا بمشيئة الله رب الخلائق أجمعين.
{ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ } بعدما تبين الرشد من الغي، والهدى من الضلال.
"لمن شاء منكم أن يستقيم"، أي يتبع الحق ويقيم عليه.
(لِمَنْ) بدل من قوله للعالمين (شاءَ) ماض فاعله مستتر والجملة صلة (مِنْكُمْ) متعلقان بالفعل (أَنْ يَسْتَقِيمَ) مضارع منصوب بأن والفاعل مستتر والمصدر المؤول من أن والفعل مفعول شاء
Traslation and Transliteration:
Liman shaa minkum an yastaqeema
Unto whomsoever of you willeth to walk straight.
Ve hele içinizden doğru hareket etmek isteyene.
pour celui d'entre vous qui veut suivre le chemin droit.
für denjenigen von euch, der sich geradlinig verhalten will.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة التكوير (At-Takwir - The Overthrowing) |
ترتيبها |
81 |
عدد آياتها |
29 |
عدد كلماتها |
104 |
عدد حروفها |
425 |
معنى اسمها |
الكَوْرُ: الدَوْرُ والتَجَمُّعُ. وَالمُرَادُ (بِالتَّكْوِيرِ): جَمْعُ ضَوءِ الشَّمْسِ وَذَهَابُهُ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ مُفْرَدَةِ (التَّكْوِيرِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (التَّكْوِيرِ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ: ﴿إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ﴾ |
مقاصدها |
وَصْفُ أَحْدَاثِ يَومِ الْقِيَامَةِ، وَبَيَانُ حَقِيقَةِ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ، وَرَدُّ مَزَاعِمِ الْمُكَذِّبِينَ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آيَاتِهَا |
فضلها |
فِيهَا مَوْعِظَةٌ شَدِيْدَةٌ عَنِ العَذَابِ وَأَهْوَالِ يَوِمِ القِيَامَةِ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ شِبْتَ، قَالَ: «شَيَّبَتْنِي (هُودٌ) و(الْوَاقِعَةُ) و(الْمُرْسَلَاتُ) و(عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) و(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)». (حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، رَوَاهُ التِّرمِذِيّ).
اختُصَّتْ بِوصْفٍ دَقِيْقٍ لِأَحْدَاثِ السَّاعَةِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ رَأْيُ عَينٍ فَلْيَقْرَأَ: ﴿إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ﴾ و ﴿إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتۡ﴾ و ﴿إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتۡ﴾. (حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ).
مِن النَّظَائِرِ الَّتِي كَانَ يَقرَأُ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ، فَفِي حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه الطَّويْلِ قَالَ: (وَالدُّخَانَ وَإِذَا الشَّمسُ كُوِّرَت) فِي رَكْعَةٍ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (التَّكْوِيرِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ، فَافْتُتِحَتْ بِذِكْرِ عَلامَاتِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: ﴿إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ ١﴾... الآيَاتِ، وَخُتِمَتْ بِمَشِيئَةِ اللهِ تَعَالَى فِي وُقُوعِهَا، فَقَالَ: ﴿وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢٩﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (التَّكْوِيِرِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (عَبَسَ): خُتِمَتْ (عَبَسَ) بِمَشَاهِدِ يَومِ الْقِيَامَةِ، وَافْتُتِحَتِ (التَّكْوِيرُ) بِعَلَامَاتِ يَومِ الْقِيَامَةِ |