«إنه كان في أهله» عشيرته في الدنيا «مسرورا» بطرا باتباعه لهواه.
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (24)
[ «فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ» الآية - البشرى اللغوية: ]
كل خبر يؤثر وروده في بشرة الإنسان الظاهرة فهو خبر بشرى ، فالبشرى لا تختص بالسعداء في الظاهر وإن كانت مختصة بالخير ، والكلام على هذه البشرى لغة وعرفا ، فأما البشرى من طريق العرف فالمفهوم منها الخير ولا بد ، ولما كان هذا الشقي ينتظر البشرى
في زعمه ، لكونه يتخيل أنه على الحق قيل : بشره ؛ لانتظاره البشرى ، ولكن كانت البشرى له بعذاب أليم ، وأما من طريق اللغة فهو أن يقال له ما يؤثر في بشرته ، فإنه إذا قيل له خير أثر في بشرته بسط وجه وضحكا وفرحا واهتزازا وطربا ،
وإذا قيل له شر أثر في بشرته قبضا وبكاء وحزنا وكمدا واغبرارا وتعبيسا ، فلهذا كانت البشرى تنطلق على الخير والشر لغة ، وأما في العرف فلا ، ومن عينته الرسل بالبشرى أنه شقي فقد تميز بالشقاء .
------------
(24) الفتوحات ج 3 /
85 ، 5 - ج 4 /
410
أي فرحا لا يفكر في العواقب ولا يخاف مما أمامه فأعقبه ذلك الفرح اليسير الحزن الطويل.
قوله تعالى {وأما من أوتي كتابه وراء ظهره} نزلت في الأسود بن عبدالأسد أخي أبي سلمة قال ابن عباس. ثم هي عامة في كل مؤمن وكافر. قال ابن عباس : يمد يده اليمنى ليأخذ كتابه فيجذبه ملك، فيخلع يمينه، فيأخذ كتابه بشمال من وراء ظهره. وقال قتادة ومقاتل : يفك ألواح صدره وعظامه ثم تدخل يده وتخرج من ظهره، فيأخذ كتابه كذلك. {فسوف يدعو ثبورا} أي بالهلاك فيقول : يا ويلاه، يا ثبوراه. {ويصلى سعيرا} أي ويدخل النار حتى يصلى بحرها. وقرأ الحرميان وابن عامر والكسائي {ويصلى} بضم الياء وفتح الصاد، وتشديد اللام، كقوله تعالى {ثم الجحيم صلوه}[
الحاقة : 31] وقوله {وتصلية جحيم}[
الواقعة : 94]. الباقون {ويصلى} بفتح الياء مخففا، فعل لازم غير متعد؛ لقوله {إلا من هو صال الجحيم}[
الصافات : 163] وقوله {يصلى النار الكبرى}[
الأعلى : 12] وقوله {ثم إنهم لصالوا الجحيم}[
المطففين : 16]. وقراءة ثالثة رواها أبان عن عاصم وخارجة عن نافع وإسماعيل المكي عن ابن كثير {ويصلي} بضم الياء وإسكان الصاد وفتح اللام مخففا؛ كما قرئ {وسيصلون} بضم الياء، وكذلك في الغاشية قد قرئ أيضا {تصلي نارا} وهما لغتان صلى وأصلى؛ كقوله {نزل. وأنزل}. قوله تعالى {إنه كان في أهله} أي في الدنيا {مسرورا} قال ابن زيد : وصف الله أهل الجنة بالمخافة والحزن والبكاء والشفقة في الدنيا فأعقبهم به النعيم والسرور في الآخرة، وقرأ قول الله تعالى {إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم}. قال : ووصف أهل النار بالسرور في الدنيا والضحك فيها والتفكه. فقال {إنه كان في أهله مسرورا}. {إنه ظن أن لن يحور} أي لن يرجع حيا مبعوثا فيحاسب، ثم يثاب أو يعاقب. يقال : حار يحور إذا رجع؛ قل لبيد : وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ** يحور رمادا بعد إذ هو ساطع وقال عكرمة وداود بن أبي هند، يحور كلمة بالحبشية، ومعناها يرجع. ويجوز أن تتفق الكلمتان فإنهما كلمة اشتقاق؛ ومنه الخبز الحوارى؛ لأنه يرجع إلى البياض. وقال ابن عباس : ما كنت أدري : ما يحور؟ حتى سمعت أعرابية تدعو بنية لها : حوري، أي ارجعي إلي، فالحور في كلام العرب الرجوع؛ ومنه قول عليه السلام (اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور) يعني : من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة، وكذلك الحور بالضم. وفي المثل {حور في محارة} أي نقصان في نقصان. يضرب للرجل إذا كان أمره يدبر، قال الشاعر : واستعجلوا عن خفيف المضغ فازدردوا ** والذم يبقى وزاد القوم في حور والحور أيضا : الاسم من قولك : طحنت الطاحنة فما أحارت شيئا؛ أي ما ردت شيئا من الدقيق. والحور أيضا الهلكة؛ قال الراجز : في بئر لا حور سرى ولا شعر قال أبو عبيدة : أي بئر حور، و{لا} زائدة. وروي {بعد الكون} ومعناه من انتشار الأمر بعد تمامه. وسئل معمر عن الحور بعد الكون، فقال : هو الكنتي. فقال له عبدالرزاق : وما الكنتي؟ فقال : الرجل يكون صالحا ثم يتحول رجل سوء. قال أبو عمرو : يقال للرجل إذا شاخ : كنتي، كأنه نسب إلى قوله : كنت في شبابي كذا. قال : فأصبحت كنتا وأصبحت عاجنا ** وشر خصال المرء كنت وعاجن عجن الرجل : إذا نهض معتمدا على الأرض من الكبر. وقال ابن الأعرابي : الكنتي : هو الذي يقول : كنت شابا، وكنت شجاعا، والكاني هو الذي يقول : كان لي مال وكنت أهب، وكان لي خيل وكنت أركب. قوله تعالى {بلى} أي ليس الأمر كما ظن، بل يحور إلينا ويرجع. {إن ربه كان به بصيرا} قبل أن يخلقه، عالما بأن مرجعه إليه. وقيل : بلى ليحورن وليرجعن. ثم استأنف فقال {إن ربه كان به بصيرا} من يوم خلقه إلى أن بعثه. وقيل : عالما بما سبق له من الشقاء والسعادة.
وأمَّا مَن أُعطي صحيفة أعماله من وراء ظهره، وهو الكافر بالله، فسوف يدعو بالهلاك والثبور، ويدخل النار مقاسيًا حرها. إنه كان في أهله في الدنيا مسرورًا مغرورًا، لا يفكر في العواقب، إنه ظنَّ أن لن يرجع إلى خالقه حيا للحساب. بلى سيعيده الله كما بدأه ويجازيه على أعماله، إن ربه كان به بصيرًا عليمًا بحاله من يوم خلقه إلى أن بعثه.
{ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا } لا يخطر البعث على باله، وقد أساء.
"إنه كان في أهله مسروراً"، يعني في الدنيا، باتباع هواه وركوب شهوته.
(إِنَّهُ) إن واسمها (كانَ) ماض ناقص اسمه مستتر (فِي أَهْلِهِ) متعلقان بما بعدهما (مَسْرُوراً) خبر كان والجملة الفعلية خبر إن والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها.
Traslation and Transliteration:
Innahu kana fee ahlihi masrooran
He verily lived joyous with his folk,
Şüphe yok ki o, ailesinin içinde sevinmedeydi.
Car il était tout joyeux parmi les siens,
Gewiß, er war in seiner Familie glücklich.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الإنشقاق (Al-Inshiqaq - The Sundering) |
ترتيبها |
84 |
عدد آياتها |
25 |
عدد كلماتها |
108 |
عدد حروفها |
436 |
معنى اسمها |
الشَّقُّ: الصَّدْعُ الْبَائِنُ وَغَيرُ الْبَائِنِ، وَالمُرَادُ (بِالانشِقَاقِ): تَشَقُّقُ السَّمَاءِ وَتَصَدُّعُهَا |
سبب تسميتها |
افْتِتَاحُ السُّورَةِ بِمُفْرَدَةِ (الانشِقَاقِ)(1)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الانشِقَاقِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ: ﴿إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتۡ﴾ |
مقاصدها |
بَيَانُ عَلَامَاتِ يَومِ الْقِيَامَةِ، وَانْقِسَامِ النَّاسِ إِلَى فَرِيقَينِ وَجَزَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُذكَر لَهَا سَبَبُ نُزُولٍ ولا لِبَعْضِ آياتِها |
فضلها |
اختُصَّتْ بِوصْفٍ دَقِيْقٍ لِأَحْدَاثِ السَّاعَةِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ رَأْيُ عَينٍ فَلْيَقْرَأَ: ﴿إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ﴾ و ﴿إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتۡ﴾ و ﴿إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتۡ﴾. (حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الانشِقَاقِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنِ الانشِقَاقِ الْحِسِّيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ، فَذَكَرَ فِي فَاتِحَتِهَا الانشِقَاقَ الْحِسِّيَّ لِلسَّمَاءِ فَقَالَ: ﴿إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتۡ ١﴾، وَذَكَرَ فِي خَاتِمَتِهَا الانشِقَاقَ الْمَعْنَوِيَّ لِلنَّاسِ؛ فَقَالَ: ﴿بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ ٢٢﴾... الآيَاتِ.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الانشِقَاقِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْمُطَفِّفِينَ):لَمَّا ذَكَرَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي آخِرِ (المُطَفِّفِينَ)، ذَكَرَ مَصِيرَهُمَا فِي أَوَّلِ (الانشِقَاقِ) |