«ليس لهم طعام إلا من ضريع» هو نوع من الشوك لا ترعاه دابة لخبثه.
فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21)
أي إنما أنت مبلغ عن اللّه لا غير ، كما قال له (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) وقوله (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) وقوله «إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ» والمذكر لا يكون إلا لمن كان على حالة منسية ، ولو لم يكن كذلك لكان معلما لا مذكرا ، فدل أنه لا يذكرهم إلا بحال إقرارهم بربوبيته تعالى عليهم حين قبض الذرية من ظهر آدم في الميثاق الأول .
------------
(21) الفتوحات ج 2 /
388
وقوله : ( ليس لهم طعام إلا من ضريع ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : شجر من نار .
وقال سعيد بن جبير : هو الزقوم . وعنه : أنها الحجارة .
وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وأبو الجوزاء ، وقتادة : هو الشبرق . قال قتادة : قريش تسميه في الربيع الشبرق ، وفي الصيف الضريع . قال عكرمة : وهو شجرة ذات شوك لاطئة بالأرض .
وقال البخاري : قال مجاهد : الضريع نبت يقال له : الشبرق ، يسميه أهل الحجاز الضريع إذا يبس ، وهو سم .
وقال معمر ، عن قتادة : ( إلا من ضريع ) هو الشبرق ، إذا يبس سمي الضريع .
وقال سعيد ، عن قتادة : ( ليس لهم طعام إلا من ضريع ) من شر الطعام وأبشعه وأخبثه .
قوله تعالى {ليس لهم} أي لأهل النار. {طعام إلا من ضريع} لما ذكر شرابهم ذكر طعامهم. قال عكرمة ومجاهد : الضريع : نبت ذو شوك لاصق بالأرض، تسميه قريش الشبرق إذا كان رطبا، فإذا يبس فهو الضريع، لا تقربه دابة ولا بهيمة ولا ترعاه؛ وهو سم قاتل، وهو أخبث الطعام وأشنعه؛ على هذا عامة المفسرين. إلا أن الضحاك روى عن ابن عباس قال : هو شيء يرمى به البحر، يسمى الضريع، من أقوات الأنعام لا الناس، فإذا وقعت فيه الإبل لم تشبع، وهلكت هزلا. والصحيح ما قاله الجمهور : أنه نبت. قال أبو ذؤيب : رعى الشبرق الريان حتى إذا ذوى ** وعاد ضريعا بأن منه النحائص وقال الهذلي وذكر إبلا وسوء مرعاها : وحبسن في هزم الضريع فكلها ** حدباء دامية اليدين حرود وقال الخليل : الضريع : نبات أخضر منتن الريح، يرمي به البحر. وقال الوالبي عن ابن عباس : هو شجر من نار، ولو كانت في الدنيا لأحرقت الأرض وما عليها. وقال سعيد بن جبير : هو الحجارة، وقاله عكرمة. والأظهر أنه شجر ذو شوك حسب ما هو في الدنيا. وعن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : الضريع : شيء يكون في النار، يشبه الشوك، أشد مرارة من الصبر، وأنتن من الجيفة، وأحر من النار، سماه اللّه ضريعا. وقال خالد بن زياد : سمعت المتوكل بن حمدان يسأل عن هذه الآية {ليس لهم طعام إلا من ضريع} قال : بلغني أن الضريع شجرة من نار جهنم، حملها القيح والدم، أشد مرارة من الصبر، فذلك طعامهم. وقال الحسن : هو بعض ما أخفاه اللّه من العذاب. وقال ابن كيسان : هو طعام يضرعون عنده ويذلون، ويتضرعون منه إلى اللّه تعالى، طلبا للخلاص منه؛ فسمي بذلك، لأن أكله يضرع في أن يعفى منه، لكراهته وخشونته. قال أبو جعفر النحاس : قد يكون مشتقا من الضارع، وهو الذليل؛ أي ذو ضراعة، أي من شربه ذليل تلحقه ضراعة. وعن الحسن أيضا : هو الزقوم. وقيل : هو واد في جهنم. فاللّه أعلم. وقد قال اللّه تعالى في موضع آخر {فليس له اليوم ههنا حمم. ولا طعام إلا من غسلين}[
الحاقة : 35 - 36]. وقال هنا {إلا من ضريع} وهو غير الغسلين. ووجه الجمع أن النار دركات؛ فمنهم من طعامه الزقوم، ومنهم من طعامه الغسلين، ومنهم من طعامه الضريع، ومنهم من شرابه الحميم، ومنهم من شرابه الصديد. قال الكلبي : الضريع في درجة ليس فيها غيره، والزقوم في درجة أخرى. ويجوز أن تحمل الآيتان على حالتين كما قال {يطوفون بينها وبين حميم آن}[
الرحمن : 44]. القتبي : ويجوز أن يكون الضريع وشجرة الزقوم نبتين من النار، أو من جوهر لا تأكله النار. وكذلك سلاسل النار وأغلالها وعقاربها وحياتها، ولو كانت على ما نعلم ما بقيت على النار. قال : وإنما دلنا اللّه على الغائب عنده، بالحاضر عندنا؛ فالأسماء متفقة الدلالة، والمعاني مختلفة. وكذلك ما في الجنة من شجرها وفرشها. القشيري : وأمثل من قول القتبي أن نقول : إن الذي يبقي الكافرين في النار ليدوم عليهم العذاب، يبقي النبات وشجرة الزقوم في النار، ليعذب بها الكفار. وزعم بعضهم أن الضريع بعينه لا ينبت في النار، ولا أنهم يأكلونه. فالضريع من أقوات الأنعام، لا من أقوات الناس. وإذا وقعت الإبل فيه لم تشبع، وهلكت هزلا، فأراد أن هؤلاء يقتاتون بما لا يشبعهم، وضرب الضريع له مثلا، أنهم يعذبون بالجوع كما يعذب من قوته الضريع. قال الترمذي الحكيم : وهذا نظر سقيم من أهله وتأويل دنيء، كأنه يدل على أنهم تحيروا في قدرة اللّه تعالى، وأن الذي أنبت في هذا التراب هذا الضريع قادر على أن ينبته في حريق النار، جعل لنا في الدنيا من الشجر الأخضر نارا، فلا النار تحرق الشجر، ولا رطوبة الماء في الشجر تطفئ النار؛ فقال تعالى {الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون}[
يس : 80]. وكما قيل حين نزلت {ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم}[
الإسراء : 97] : قالوا يا رسول اللّه، كيف يمشون على وجوههم؟ فقال : [الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم]. فلا يتحير في مثل هذا إلا ضعيف القلب. أو ليس قد أخبرنا أنه {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها}[
النساء : 56]، وقال{سرابيلهم من قطران}[إبراهيم : 50]، وقال {إن لدينا أنكالا}[
المزمل : 12] أي قيودا. {وجحيما وطعاما ذا غصة} قيل : ذا شوك. فإنما يتلون عليهم العذاب بهذه الأشياء.
وجوه الكفار يومئذ ذليلة بالعذاب، مجهدة بالعمل متعبة، تصيبها نار شديدة التوهج، تُسقى من عين شديدة الحرارة. ليس لأصحاب النار طعام إلا من نبت ذي شوك لاصق بالأرض، وهو مِن شر الطعام وأخبثه، لا يُسْمن بدن صاحبه من الهُزال، ولا يسدُّ جوعه ورمقه.
وأما طعامهم فـ { لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ } وذلك أن المقصود من الطعام أحد أمرين: إما أن يسد جوع صاحبه ويزيل عنه ألمه، وإما أن يسمن بدنه من الهزال، وهذا الطعام ليس فيه شيء من هذين الأمرين، بل هو طعام في غاية المرارة والنتن والخسة نسأل الله العافية.
هذا شرابهم ثم ذكر طعامهم فقال : ( ليس لهم طعام إلا من ضريع ) قال مجاهد وعكرمة وقتادة : هو نبت ذو شوك لاطئ بالأرض ، تسميه قريش الشبرق فإذا هاج سموها الضريع ، وهو أخبث طعام وأبشعه . وهو رواية العوفي عن ابن عباس . قال الكلبي : لا تقربه دابة إذا يبس .
قال ابن زيد : أما في الدنيا فإن " الضريع " الشوك اليابس الذي يبس له ورق ، وهو في الآخرة شوك من نار وجاء في الحديث عن ابن عباس : " الضريع : شيء في النار [ شبه ] الشوك أمر من الصبر ، وأنتن من الجيفة ، وأشد حرا من النار " .
وقال أبو الدرداء ، والحسن : إن الله تعالى يرسل على أهل النار الجوع حتى يعدل عندهم ما هم فيه من العذاب ، فيستغيثون فيغاثون بالضريع ، ثم يستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصة ، فيذكرون أنهم كانوا يجيزون الغصص في الدنيا بالماء ، فيستسقون ، فيعطشهم ألف سنة ، ثم يسقون من عين آنية شربة لا هنيئة ولا مريئة ، فلما أدنوه من وجوههم ، سلخ جلود وجوههم وشواها ، فإذا وصل إلى بطونهم قطعها فذلك قوله عز جل : " وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم " ( محمد - 15 ) .
(لَيْسَ) ماض ناقص (لَهُمْ) خبر ليس المقدم (طَعامٌ) اسمها المؤخر (إِلَّا) حرف حصر (مِنْ ضَرِيعٍ) متعلقان بمحذوف صفة طعام والجملة مستأنفة لا محل لها.
Traslation and Transliteration:
Laysa lahum taAAamun illa min dareeAAin
No food for them save bitter thorn-fruit
Onlara orada yemek olarak ancak zehirli diken var,
Il n'y aura pour eux d'autre nourriture que des plantes épineuses [darî'],
Für sie gibt es keine Speise außer von getrocknetem Dornengewächs,
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الغاشية (Al-Gashiyah - The Overwhelming) |
ترتيبها |
88 |
عدد آياتها |
26 |
عدد كلماتها |
92 |
عدد حروفها |
378 |
معنى اسمها |
الْغِشَاءُ: الْغِطَاءُ. وَ(الْغَاشِيَةِ): مِنْ أَسْمَاءِ يَومِ الْقِيَامَةِ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لَِنَّهَا تَغْشَى الْخَلائِقَ بِشَدَائِدِهَا |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِذِكْرِ مُفْرَدَةِ (الْغَاشِيَةِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الْغَاشِيَةِ)، وتُسَمَّى سُورَةَ: ﴿هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡغَٰشِيَةِ﴾ |
مقاصدها |
التَّذْكِيرُ بِأَحْدَاثِ يَومِ الْقِيَامَةِ، وَالدَّعْوَةُ إِلَى التَّأَمُّلِ فِي مَخْلُوقَاتِ اللهِ تَعَالَى |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آيَاتِهَا |
فضلها |
تُسَنُّ قِرَاءَتُهَا فِي صَلاَةِ العِيدَيْنِ والجُمُعَة، فَعَنِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ بِــ﴿سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى﴾ و ﴿هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡغَٰشِيَةِ﴾. (رَوَاهُ مُسْلِم) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ سُوْرَةِ (الغَاشِيَةِ) لِمَا قَبْلَهَا مِنْ سُوْرَةِ (الأَعْلَىْ):لَمَّا خَتَمَ اللهُ تَعَالَى (الْأَعْلَى) بِذِكْرِ الْآخِرَةِ بِقَولِهِ: ﴿وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓ ١٧﴾، افْتَتَحَ (الْغَاشِيَةَ) بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ الْآخِرَةِ وَوَصْفِهَا فَقَالَ: ﴿هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡغَٰشِيَةِ ١﴾... الآياتِ |