«من شر الوسواس» الشيطان سمي بالحدث لكثرة ملابسته له «الخناس» لأنه يخنس ويتأخر عن القلب كلما ذكر الله.
مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)
" الْجِنَّةِ " يعني بهاهنا الشياطين ، ولولا تنبيه الشارع على لمة الشيطان ووسوسته في صدور الناس ، ما علم غير أهل الكشف أن ثمّ شيطانا " وَالنَّاسِ " شياطين الإنس
قال تعالى (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ) فشرّك بينهما في الشيطنة ، فإن شياطين الإنس لهم سلطان على ظاهر الإنسان وباطنه ، وشياطين الجن هم نواب شياطين الإنس في بواطن الناس ، وشياطين الجن هم الذين يدخلون الآراء على شياطين الإنس ويدبرون دولتهم ، فيفصلون لهم ما يظهرون فيها من الأحكام :
إذا عذت بالرحمن في كل حالة *** تعوذ بما جاء في سورة الفلق
وفي سورة الناس التي جاء ذكرها *** إلى جنبها تتلى كما عاذ من سبق
وإن عذت عذ بالرب إن كنت مؤمن *** بما جاء في القرآن فانظر تعذ بحق
فما ذكر التعويذ إلا بربن *** فكن تابعا لا تتبع غير من صدق
------------
(6) الفتوحات ج 3 /
367 -ح 2 / 446 - إيجاز البيان آية 37 - الفتوحات ج 3 /
522 - ج 4 /
148
وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله : ( الوسواس الخناس ) قال : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا سها وغفل وسوس ، فإذا ذكر الله خنس . وكذا قال مجاهد وقتادة .
وقال المعتمر بن سليمان ، عن أبيه : ذكر لي أن الشيطان ، أو الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح ، فإذا ذكر الله خنس .
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله : ( الوسواس ) قال : هو الشيطان يأمر ، فإذا أطيع خنس .
يعني : من شر الشيطان. والمعنى : من شر ذي الوسواس؛ فحذف المضاف؛ قال الفراء : وهو بفتح الواو) عنى الاسم؛ أي الموسوس. وبكسر الواو المصدر؛ يعني الوسوسة. وكذا الزلزال والزلزال. والوسوسة : حديث النفس. يقال : وسوست إليهم نفسه وسوسة ووسوسة بكسر الواو. ويقال لهمس الصائد والكلاب وأصوات الحلي : وسواس. وقال ذو الرمة : فبات يشئزه ثأد ويسهره ** تذؤب الريح والوسواس والهضب وقال الأعشى : تسمع للحلى وسواسا إذا انصرفت ** كما استعان بريح عشرق زجل وقيل : إن الوسواس الخناس ابن لإبليس، جاء به إلى حواء، ووضعه بين يديها وقال : اكفليه. فجاء آدم عليه السلام فقال : ما هذا (يا حواء) قالت : جاء عدونا بهذا وقال لي : اكفليه. فقال : ألم أقل لك لا تطيعيه في شيء، هو الذي غرنا حتى وقعنا في المعصية؟ وعمد إلى الولد فقطعه أربعة أرباع، وعلق كل ربع على شجرة، غيظا له؛ فجاء إبليس فقال : يا حواء، أين ابني؟ فأخبرته بما صنع به آدم عليه السلام فقال : يا خناس، فحيي فأجابه. فجاء به إلى حواء وقال : اكفليه؛ فجاء آدم عليه السلام فحرقه بالنار، وذر رماده في البحر؛ فجاء إبليس (عليه اللعنة) فقال : يا حواء، أين ابني؟ فأخبرته بفعل آدم إياه؛ فذهب إلى البحر، فقال : يا خناس، فحيي فأجابه. فجاء به إلى حواء الثالثة، وقال : أكفليه. فنظر؛ إليه آدم، فذبحه وشواه، وأكلاه جميعا. فجاء إبليس فسألها فأخبرته (حواء). فقال : يا خناس، فحيي فأجابه (فجاء به) من جوف آدم وحواء. فقال إبليس : هذا الذي أردت، وهذا مسكنك في صدر ولد آدم؛ فهو ملتقم قلب آدم ما دام غافلا يوسوس، فإذا ذكر الله لفظ قلبه وانخنس. ذكر هذا الخبر الترمذي الحكيم في نوادر الأصول بإسناد عن وهب بن منبه. وما أظنه يصح، والله تعالى أعلم. ووصف بالخناس لأنه كثير الاختفاء؛ ومنه قوله تعالى {فلا أقسم بالخنس}[
التكوير : 15] يعني النجوم، لاختفائها بعد ظهورها. وقيل : لأنه يخنس إذا ذكر العبد الله؛ أي يتأخر. وفي الخبر (إن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا غفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس) أي تأخر واقصر. وقال قتادة {الخناس} الشيطان له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان، فإذا غفل الإنسان وسوس له، وإذا ذكر العبد ربه خنس. يقال : خنسته فخنس؛ أي أخرته فتأخر. وأخنسته أيضا. ومنه قول أبي العلاء الحضرمي - أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم : وإن دحسوا بالشر فاعف تكرما ** وإن خنسوا عند الحديث فلا تسل الدحس : الإفساد. وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، وإذا نسي الله التقم قلبه فوسوس). وقال ابن عباس : إذا ذكر الله العبد خنس من قلبه فذهب، وإذا غفل التقم قلبه فحدثه ومناه. وقال إبراهيم التيمي : أول ما يبدو الوسواس من قبل الوضوء. وقيل : سمي خناسا لأنه يرجع إذا غفل العبد عن ذكر الله. والخنس : الرجوع. وقال الراجز : وصاحب يمتعس امتعاسا ** يزداد إن حييته خناسا وقد روى ابن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى {الوسواس الخناس} وجهين : أحدهما : أنه الراجع بالوسوسة عن الهدى. الثاني : أنه الخارج بالوسوسة من اليقين.
من أذى الشيطان الذي يوسوس عند الغفلة، ويختفي عند ذكر الله.
وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم، من الشيطان الذي هو أصل الشرور كلها ومادتها، الذي من فتنته وشره، أنه يوسوس في صدور الناس، فيحسن [لهم] الشر، ويريهم إياه في صورة حسنة، وينشط إرادتهم لفعله، ويقبح لهم الخير ويثبطهم عنه، ويريهم إياه في صورة غير صورته، وهو دائمًا بهذه الحال يوسوس ويخنس أي: يتأخر إذا ذكر العبد ربه واستعان على دفعه.
فينبغي له أن [يستعين و] يستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلهم.
وأن الخلق كلهم، داخلون تحت الربوبية والملك، فكل دابة هو آخذ بناصيتها.
وبألوهيته التي خلقهم لأجلها، فلا تتم لهم إلا بدفع شر عدوهم، الذي يريد أن يقتطعهم عنها ويحول بينهم وبينها، ويريد أن يجعلهم من حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، والوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس، ولهذا قال: { مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ } .
"من شر الوسواس الخناس"يعني الشيطان ، يكون مصدرا واسما .
قال الزجاج : يعني : الشيطان ذا الوسواس " الخناس " الرجاع ، وهو الشيطان جاثم على قلب الإنسان ، فإذا ذكر الله خنس وإذا غفل وسوس .
وقال قتادة : الخناس له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان فإذا ذكر العبد ربه خنس . ويقال : رأسه كرأس الحية واضع رأسه على ثمرة القلب يمنيه ويحدثه ، فإذا ذكر الله خنس وإذا لم يذكر رجع فوضع رأسه
(مِنْ شَرِّ) الجار والمجرور متعلقان بأعوذ (الْوَسْواسِ) مضاف إليه (الْخَنَّاسِ) بدل من الوسواس.
Traslation and Transliteration:
Min sharri alwaswasi alkhannasi
From the evil of the sneaking whisperer,
Gizlice, sinsisinsi vesveseler verenin şerrinden.
contre le mal du mauvais conseiller, furtif,
vor dem Bösen des sich versteckenden Einflüsterers -
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الناس (An-Nas - The Mankind) |
ترتيبها |
114 |
عدد آياتها |
6 |
عدد كلماتها |
20 |
عدد حروفها |
80 |
معنى اسمها |
(الإِنْسُ): جَمَاعَةُ النَّاسِ، وَالْجَمْعُ أُنَاسٌ، وَهُمْ مِنَ الثَّقَلَينِ (الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) |
سبب تسميتها |
لِدِلَالَةِ مُفْرَدَةِ (النَّاسِ) وَتَكْرَارِهَا عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (النَّاسِ)، وَتُسَمَّى (الْمُقَشْقِشَةَ)، وتُسَمَّى مَعَ (الْإِخْلَاصِ) وَ(الْفَلَقِ) بِالمُعَوِّذَاتِ |
مقاصدها |
الّْلُجوءُ إِلَى اللهِ وَالْاسْتِعَاذَةُ بِهِ مِنْ وَسَاوِسِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَمَكَائِدِهِمْ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، فَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: «سَحَرَ النَّبِيَّ ﷺ رَجُلٌ مِنَ الْيَهود، فَاشْتَكَى، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَنَزَلَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ...». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ ابن حمَيدٍ فِي الْمُنْتَخَبِ) |
فضلها |
هِيَ شِفَاءٌ، عَنْ عَائَشَةَ رضي الله عنها أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ علَى نَفْسِهِ بالمُعَوِّذَاتِ، وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيهِ، وَأَمْسَحُ عنْه بيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا. (رَوَاهُ البُخَارِيّ).
مِنْ أَقْوَى المُحَصِّنَاتِ، عَن عَائِشَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا آوَى إِلَى فِراشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا: ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ﴾ و ﴿قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ﴾ و ﴿قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ﴾ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِن جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بهِمَا عَلَى رَأْسِهِ ووَجْهِهِ وَمَا أقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذلكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. (رَوَاهُ البُخَارِيّ) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ سُوْرَةِ (النَّاسِ) لِمَا قَبْلَهَا مِنْ سُوْرَةِ (الفَلَقْ):السُّوَرَتَانِ مَوْضُوْعُهُمَا وَاحِدٌ، وَهُوَ الْاسْتِعَاذَةُ بِاللهِ وَالْلُّجُوءُ إِلَيهِ مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَمُصِيبَةٍ |