المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة المائدة: [الآية 83]
سورة المائدة | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119 « (
قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ» فلا يؤثر فيهم عوارض يوم القيامة ، بل تخاف الناس ولا يخافون ، وتحزن الناس ولا يحزنون . . .
[ «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» ] «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» فالرضى منا ومنه - الوجه الأول - رضي اللّه عنهم : بما أعطوه من بذل المجهود ، وغير بذل المجهود «وَرَضُوا عَنْهُ» بما أعطاهم مما يقتضي الوجود الجود أكثر من ذلك ، لكن العلم والحكمة غالبة - الوجه الثاني - «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ» : بما أعطاه العبد من نفسه رضي اللّه به ، ورضي عنه فيه وإن لم يبذل استطاعته ، فرضي اللّه منك إذا أعطيت ما كلفك حد الاستطاعة التي لا حرج عليك فيها «وَرَضُوا عَنْهُ» رضي العبد من اللّه بالذي أعطاه من حال الدنيا ورضي عن اللّه في ذلك ، فإن متعلق الرضى القليل ، فإن الإنعام لا يتناهى بالبرهان الواضح والدليل ، فلا بد من الرضى ، بذا حكم الدليل وقضى ، وبهذا المعنى رضاه سبحانه عنك ، بما أعطيته منك ، وهو يعلم أن الاستطاعة فوق ما أعطيته - الوجه الثالث - «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ» في يسير العمل «وَرَضُوا عَنْهُ» في يسير الثواب ، لأنه لا يتمكن تحصيل ما لا يتناهى في الوجود ، لأنه لا يتناهى ، فإن كل ما أعطاك الحق في الدنيا والآخرة من الخير والنعم فهو قليل بالنسبة إلى ما عنده ، فإن الذي عنده لا نهاية له ، وكل ما حصل لك من ذلك فهو قليل بالنسبة إلى ما عنده ، فإن الذي عنده لا نهاية له ، وكل ما حصل لك من ذلك فهو متناه بحصوله ، وما قدم اللّه رضاه عن عبيده ، بما قبله من اليسير من أعمالهم التي كلفهم إلا ليرضوا عنه في يسير الثواب ، لما علموا أن عنده ما هو أكثر من الذي وصل إليهم . - الوجه الرابع - أخبرهم في التوقيع أنه عنهم راض تعالى وتقدس جلاله ، ثم أنه ناب عنهم في الخطاب بأنهم عنه راضون ، فقال تعالى : «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» .
وهنا نكتة لمن فهم ما تدل عليه ألفاظ القرآن من الرضى فقطع عليهم بذلك لعلمه بأنه واقع
منهم[ تحقيق الرضا ]
- تحقيق الرضا - اعلم أن اللّه تعالى قد أمرنا بالرضا قبل القضاء مطلقا ، فعلمنا أنه يريد الإجمال ، فإنه إذا فصّله حال المقضي عليه بالمقضى به انقسم إلى ما يجوز الرضا به وإلى ما لا يجوز ، فلما أطلق الرضا علمنا أنه أراد الإجمال ، والقدر توقيت الحكم ، فكل شيء بقضاء وقدر ، أي بحكم مؤقت ، فمن حيث التوقيت المطلق يجب الإيمان بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، ومن حيث التعيين يجب الإيمان به لا الرضا ببعضه ، وإنما قلنا : يجب الإيمان به أنه شر كما يجب الإيمان بالخير أنه خير ، فنقول : إنه يجب علي الإيمان بالشر أنه شر ، وأنه ليس إلى اللّه من كونه شرا ، لا من كونه عين وجود إن كان الشر أمرا وجوديا ، فمن حيث وجوده أي وجود عينه هو إلى اللّه ، ومن كونه شرا ليس إلى اللّه ، قال صلّى اللّه عليه وسلم في دعائه : والشر ليس إليك ، فالمؤمن ينفي عن الحق ما نفاه عن نفسه .
------------
(119) الفتوحات ج 2 / 222 - ج 4 / 351 ، 432 - ج 2 / 212 - ج 4 / 351 - ج 2 / 212 - ج 4 / 27 ، 18 - ج 2 / 212تفسير ابن كثير:
ثم وصفهم بالانقياد للحق واتباعه والإنصاف ، فقال : ( وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ) أي : مما عندهم من البشارة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم ( يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ) أي : مع من يشهد بصحة هذا ويؤمن به .
وقد روى النسائي ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن عمر بن علي بن مقدم ، عن هشام بن عروة عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير [ رضي الله عنهما ] قال : نزلت هذه الآية في النجاشي وفي أصحابه : ( وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين )
وقال الطبراني : حدثنا أبو شبيل عبيد الله بن عبد الرحمن بن واقد ، حدثنا أبي ، حدثنا العباس بن الفضل ، عن عبد الجبار بن نافع الضبي ، عن قتادة وجعفر بن إياس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قول الله : ( وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ) قال : إنهم كانوا كرابين - يعني : فلاحين - قدموا مع جعفر بن أبي طالب من الحبشة فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم القرآن آمنوا وفاضت أعينهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولعلكم إذا رجعتم إلى أرضكم انتقلتم إلى دينكم " . فقالوا : لن ننتقل عن ديننا . فأنزل الله ذلك من قولهم .
وروى ابن أبي حاتم : وابن مردويه والحاكم في مستدركه ، من طريق سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : ( فاكتبنا مع الشاهدين ) أي : مع محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمته هم الشاهدون ، يشهدون لنبيهم أنه قد بلغ ، وللرسل أنهم قد بلغوا . ثم قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
{ إذا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ } محمد صلى الله عليه وسلم، أثر ذلك في قلوبهم وخشعوا له، وفاضت أعينهم بسبب ما سمعوا من الحق الذي تيقنوه، فلذلك آمنوا وأقروا به فقالوا: { رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يشهدون لله بالتوحيد، ولرسله بالرسالة وصحة ما جاءوا به، ويشهدون على الأمم السابقة بالتصديق والتكذيب. وهم عدول، شهادتهم مقبولة، كما قال تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }
تفسير البغوي
( وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ) محمد صلى الله عليه وسلم ، ( ترى أعينهم تفيض ) تسيل ، ( من الدمع مما عرفوا من الحق ) قال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عطاء : يريد النجاشي وأصحابه قرأ عليهم جعفر بالحبشة كهيعص ، فما زالوا يبكون حتى فرغ جعفر من القراءة . ( يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ) يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، دليله قوله تعالى : " لتكونوا شهداء على الناس " ( البقرة 143 ) .
الإعراب:
(وَإِذا سَمِعُوا) إذا ظرفية شرطية غير جازمة، وجملة سمعوا في محل جر بالإضافة.
(ما) اسم موصول في محل نصب مفعول به، وجملة (أُنْزِلَ) صلة الموصول لا محل لها. وجملة (تَرى أَعْيُنَهُمْ) لا محل لها جواب شرط غير جازم.
(تَفِيضُ) فعل مضارع تعلق به الجار والمجرور (مِنَ الدَّمْعِ) والجملة في محل نصب حال.
(مِمَّا) من حرف جر وما اسم موصول في محل جر بمن والجار والمجرور متعلقان بتفيض.
(مِنَ الْحَقِّ) متعلقان بمحذوف حال، وجملة (عَرَفُوا) صلة الموصول لا محل لها.
(يَقُولُونَ) فعل مضارع والواو فاعله والجملة مستأنفة، أو حالية.
(رَبَّنا) منادى مضاف، ونا مضاف إليه.
(آمَنَّا) فعل ماض وفاعله والجملة مقول القول.
(فَاكْتُبْنا) الفاء هي الفصيحة وفعل دعاء ونا مفعول به وفاعله مستتر أي إذا كان الأمر كذلك فاكتبنا.
(مَعَ) ظرف مكان متعلق باكتبنا.
(الشَّاهِدِينَ) مضاف إليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم، والجملة لا محل لها جواب شرط غير جازم.