موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


حينئذ رمى بنفسه على المستجار وهو يضطرب من قوّة الحال إلى أن سرّي عنه وصالحها وأودعها شهادة التوحيد عند تقبيل الحجر. فيقول إنه نظر بعينيه فرأى الشهادة قد خرجت عند تلفظه بها في صورة سلك وانفتح في الحجر الأسود مثل الطاق حتى نظر إلى قعر طول الحجر فرآه نحو ذراع ورأى الشهادة قد صارت مثل الكبة واستقرت في قعر الحجر وانطبق الحجر عليها وانسدّ ذلك الطاق وهو ينظر إليه. فقال له الحجر الأسود هذه أمانة عندي أرفعها لك إلى يوم القيامة أشهد لك بها عند الله. فشكر الله ثم شكر الكعبة والحجر على ذلك.

وتجدر الإشارة هنا إلى تشابه هذا الوصف مع وصف الشيخ محي الدين لمقابلته مع الروح الذي أخذ منه ما سطّره في الفتوحات المكية كما ذكرنا أعلاه، حيث قال له هذا الروح من ضمن ما قال: طُف على أثري، وانظر إليّ بنور قمري، حتى تأخذ من نشأتي ما تسطره في كتابك، وتمليه على كتّابك، وعرّفني ما أشهدك الحق في طوافك من اللطائف، مما لا يشهده كل طائف، حتى أعرف همّتك ومعناك، فأذكرك على ما علمت منك هناك؛[1]فقوله أنه سيذكره هناك هو معنى إيداع الشهادة في الحجر الأسود كما يفعل المسلمون في الحج. فهذا يعني أن هذا الروح هو في الحقيقة ذات الحجر الأسود خاصة وأننا وجدنا أن كلّ وتد من الأوتاد له ركن من أركان الكعبة وابن العربي له ركن الحجر الأسود. وكما رأينا أعلاه قبل قليل أن الحجر الأسود يقابل في العالم العنصر الأعظم الذي منه يتكوّن الجوهر الفرد، فيكون قول هذا الروح لابن العربي: طف على أثري، أي طف معي وأنا أشكّل هذه الكعبة أي الجوهر الفرد ومن ثمّ العالم بأثره الذي ما هو إلا صور هذا الجوهر الفرد. فمن يطوف حول الكعبة بهذه المثابة هو كمن يطوف مع العنصر الأعظم في تشكيل الجوهر الفرد ثم معه في تشكيل العالم حيث يكمله في سبعة أيام كما قلنا كما يكمل الطائف سبعة أشواط، فمن يطوف هكذا يكون يجري مع الوقت ولا يجري عليه الوقت. ولذلك فإن الصوفي العادي هو ابن وقته في حين أن الصوفي المتمكّن هو في الحقيقة أبو وقته، وهذا معنى ما نوّهنا عليه في المقدّمة أن ابن العربي هو صاحب الوقت وقطب الزمان. وذكرنا أيضاً في الفصل الثاني كيف أن ابن العربي أخذ العلم عن بعض الأنبياء فأعطاه موسى عليه السلام علم الكشف والإيضاح وعلم تقليب الليل والنهار فلمّا حصل ذلك عنده زال الليل وبقي النهار في اليوم كلِّه فلم تغرب له شمس ولا طلعت،[2] فكلّ هذا معناه أن ابن العربي قد تحلّل من قيود الزمان والمكان. وكما يقول ابن العربي في مواضع كثيرة فإن قطب الزمان له من الأركان ركن الحجر الأسود، وبالتالي فهذا الوصف ينطبق عليه حقيقة.

تاج الرسائل (مكة، 600/1203)



[1] الفتوحات المكية: ج1ص48.

[2] الفتوحات المكية: ج4ص77.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!