[الأحداث الرئيسية في سيرة الشيخ محي الدين ابن العربي.]
بعض شيوخ الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
من خلال إجازته التي كتبها للملك المظفر الأيوبي
انظر تحقيق هذه الإجازة في النسخة الجديدة من كتاب شمس المغرب
الملك المظفر
وأول ما بدئ ذلك بمدينة أربل بسعي ملكها ومعمرها الأمير الشاب الشهم المحسن المتفضل الملك المعظَّم أبي سعيد مظفَّر كوكبوري بن زين الدين كوجك علي المتوفي سنة (630هـ) ودفين المشهد العلوي الشريف بالكوفة.
وقد بالغ _ رحمه الله _ في تعظيم الاحتفال بالمولد وتفخيمه حتى كان يهتزُّ ما حول مدينته من الموصل والعراق وبلاد الكرد والعجم فتفيض على مدينته بوفود الفقهاء والصوفيَّة والوعاظ والقرآء، فتُقام الاحتفالات الشائقة التي قصر وصف الواصفين عن الاحاطة بها.
ويبتدئ الاستعداد لتلك الاحتفالات وتقاطر الوفود لأجلها من أول محرم، ولا تبتدئ الاحتفالات إلا اليوم الأوَّل من ربيع الأول، فمن يومئذ يُعطل جميع الناس أعمالهم، وتُقام فيما بين قلعته وقصر الخانقاه قباب خشبية مزيَّنة ذات طبقات، في كل طبقة منها جوق من أرباب المغاني وأصحاب الخيال وسائر الملاهي، وما يزال دأب الناس الدوران على تلك القباب.
وينزل السلطان كل يوم من قلعته بعد صلاة العصر فيشارك الناس في طوافهم ومرحهم، ويستمرُّ هذا ستة أيام أو عشرة بحسب اليوم الذي يُقام فيه احتفال المولد تلك السنة؛ لأنه كان يقام الاحتفال في اليوم الثاني عشر عاماً وفي اليوم الثامن عاماً مراعاة للخلاف.
فإذا كان اليوم السادس أو العاشر ولم يبق للمولد إلا يومان جمعت قطعان كثيرة لا تُحصى من الإبل والبقر والغنم وسيقت إلى الميدان الأكبر الذي بين القلعة والخانقاه محفوفة بالطبول وجوقات المغاني والملاهي، فشرع في نحرها ونصبت القدور لطبخ الألوان المختلفة من الطعام ويستمر النحر والطبخ متوالياً، وفي ليلة المولد يصلي المغرب بالقلعة ثم يقيم بعد الصلاة مجلس إنشاد وذكر حافل، ومنه يخرج في موكب بهيج تتقدَّمه مئات من الشموع العظمى موقدة ، فيخترق الميدان الأكبر حتى ينتهي إلى الخانقاه. وفي صباح يوم المولد يقيم بالميدان مجمعاً حاشداً يضمُّ الأعيان والرؤساء وعموم الناس من أهل بلده والوافدين عليه، ويُنصب كرسي الوعاظ وموضع لجلوسه هو على شكل برج من الخشب، ولكلٍّ من كرسي الوعاظ ومقام الملك شبابيك على الميدان، ويكون جلوس العلماء والأعيان حول مجلسه وكرسي الوعَّاظ، ثمَّ يبدأ في عرض الجند بالميدان ويتخلَّل ذلك العرض قيام الوعاظ من كراسيهم لوعظ الناس، والملك مشرف على عرض الجند مرِّة ومُصغ إلى الوعاظ أخرى.
وفي أثناء ذلك ينادي الحاضرين من الرؤساء والأعيان والوافدين على البلد فيخُلع عليهم، حتى إذا كان قرب الزوال وفرغ من عرض الجند أقيم سماطان، أحدهما بالميدان لعامة الناس وصعاليكهم، والآخر بالخانقاه لمن كان مجلسه حول الكرسي، ويقع الإرسال إلى دار من تعين لأن يرسل إليه من السماط، ولا ينتهي السماط إلى قرب العصر، ويبيت تلك الليلة بالخانقاه ويقضيها ليلة سماع فاخر إلى الصباح، إذ يتجهَّز الوافدون للسفر فيمد كلّاً منهم بنفقة، وقد نقل ابن الجَوزي عن بعض من حضر هذه الاحتفالات أنه كان يُنفق عليها ثلاثمائة ألف دينار.
وقد كانت هذه الاحتفالات منشأً لتأليف الكتب الخاصة بأخبار المولد الشريف وتلاوتها في الاجتماع لذكرى المولد؛ وذلك أنه في سنة (604هـ) كان من جملة الوافدين على الملك مظفَّر الدين العلَّامة الرَّحالة الحافظ المحدِّث الحافظ اللغوي أبو الخطاب مجد الدين عمر بن الحسين ابن دحية البلنسي الأندلسي الظاهري ثم الحنبلي المتوفَّى بالقاهرة سنة (633هـ) ، فلما رأى عناية الملك بأمر المولد صنَّف له كتاباً سماه " التنوير، بمولد السراج المنير" وقرأه بمحضره في موكب يوم المولد على كرسي الوعاظ وذيَّله بقصيدة مطلعها " لولا الوشاة وهم أعداؤنا وصموا" فأجازه بألف دينار، واتخذَت تلاوته عادة للملك فكان كثيراً ما يقرأه بنفسه، وسمعه منه القاضي أحمدبن خلكان، وجرى على عمه الملوك فذاعت مجالس تلاوة المولد بالمشرق، وكتب العلماء مواليد كثيرة نسجاً على منوال الحافظ ابن دحية.
للمزيد عن سيرة الشيخ محي الدين ومذهبه، يرجى زيارة موقع شمس المغرب.