المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (117)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (117)]
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ
قَوْله : ( حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل ) هُوَ اِبْن أَبِي أُوَيْس ( حَدَّثَنِي أَخِي ) هُوَ أَبُو بَكْر عَبْد الْحَمِيد. قَوْله : ( حَفِظْت عَنْ ) وَفِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ "" مِنْ "" بَدَل عَنْ , وَهِيَ أَصْرَح فِي تَلَقِّيه مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا وَاسِطَة. قَوْله : ( وِعَاءَيْنِ ) أَيْ ظَرْفَيْنِ , أَطْلَقَ الْمَحَلّ وَأَرَادَ بِهِ الْحَالّ , أَيْ : نَوْعَيْنِ مِنْ الْعِلْم , وَبِهَذَا التَّقْرِير يَنْدَفِع إِيرَاد مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا يُعَارِض قَوْله فِي الْحَدِيث الْمَاضِي "" كُنْت لَا أَكْتُب "" وَإِنَّمَا مُرَاده أَنَّ مَحْفُوظه مِنْ الْحَدِيث لَوْ كُتِبَ لَمَلَأَ وِعَاءَيْنِ , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَبُو هُرَيْرَة أَمْلَى حَدِيثه عَلَى مَنْ يَثِق بِهِ فَكَتَبَهُ لَهُ وَتَرَكَهُ عِنْده , وَالْأَوَّل أَوْلَى. وَوَقَعَ فِي الْمُسْنَد عَنْهُ "" حَفِظْت ثَلَاثَة أَجْرِبَة , بَثَثْت مِنْهَا جِرَابَيْنِ "" وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِحَدِيثِ الْبَاب لِأَنَّهُ يُحْمَل عَلَى أَنَّ أَحَد الْوِعَاءَيْنِ كَانَ أَكْبَر مِنْ الْآخَر بِحَيْثُ يَجِيء مَا فِي الْكَبِير فِي جِرَابَيْنِ وَمَا فِي الصَّغِير فِي وَاحِد. وَوَقَعَ فِي الْمُحَدِّث الْفَاضِل لِلرَّامَهُرْمُزِي مِنْ طَرِيق مُنْقَطِعَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة "" خَمْسَة أَجْرِبَة "" وَهُوَ إِنْ ثَبَتَ مَحْمُول عَلَى نَحْو مَا تَقَدَّمَ. وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا نَشَرَهُ مِنْ الْحَدِيث أَكْثَر مِمَّا لَمْ يَنْشُرهُ. قَوْله : ( بَثَثْته ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَة وَالْمُثَلَّثَة وَبَعْدهَا مُثَلَّثَة سَاكِنَة تُدْغَم فِي الْمُثَنَّاة الَّتِي بَعْدهَا أَيْ : أَذَعْته وَنَشَرْته , زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيّ : فِي النَّاس. قَوْله : ( قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُوم ) زَادَ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِيّ : قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه - يَعْنِي الْمُصَنِّف - الْبُلْعُوم مَجْرَى الطَّعَام , وَهُوَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَة , وَكَنَّى بِذَلِكَ عَنْ الْقَتْل. وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ "" لَقُطِعَ هَذَا "" يَعْنِي رَأْسه. وَحَمَلَ الْعُلَمَاء الْوِعَاء الَّذِي لَمْ يَبُثّهُ عَلَى الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا تَبْيِين أَسَامِي أُمَرَاء السُّوء وَأَحْوَالهمْ وَزَمَنهمْ , وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَكُنِّي عَنْ بَعْضه وَلَا يُصَرِّح بِهِ خَوْفًا عَلَى نَفْسه مِنْهُمْ , كَقَوْلِهِ : أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ رَأْس السِّتِّينَ وَإِمَارَة الصِّبْيَان يُشِير إِلَى خِلَافَة يَزِيد بْن مُعَاوِيَة لِأَنَّهَا كَانَتْ سَنَة سِتِّينَ مِنْ الْهِجْرَة. وَاسْتَجَابَ اللَّه دُعَاء أَبِي هُرَيْرَة فَمَاتَ قَبْلهَا بِسَنَةٍ , وَسَتَأْتِي الْإِشَارَة إِلَى شَيْء مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا فِي كِتَاب الْفِتَن إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى. قَالَ اِبْن الْمُنِير : جَعَلَ الْبَاطِنِيَّة هَذَا الْحَدِيث ذَرِيعَة إِلَى تَصْحِيح بَاطِلهمْ حَيْثُ اِعْتَقَدُوا أَنَّ لِلشَّرِيعَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا , وَذَلِكَ الْبَاطِن إِنَّمَا حَاصِله الِانْحِلَال مِنْ الدِّين. قَالَ : وَإِنَّمَا أَرَادَ أَبُو هُرَيْرَة بِقَوْلِهِ : "" قُطِعَ "" أَيْ : قَطَعَ أَهْل الْجَوْر رَأْسه إِذَا سَمِعُوا عَيْبه لِفِعْلِهِمْ وَتَضْلِيله لِسَعْيِهِمْ , وَيُؤَيِّد ذَلِكَ أَنَّ الْأَحَادِيث الْمَكْتُوبَة لَوْ كَانَتْ مِنْ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة مَا وَسِعَهُ كِتْمَانهَا لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَدِيث الْأَوَّل مِنْ الْآيَة الدَّالَّة عَلَى ذَمّ مَنْ كَتَمَ الْعِلْم. وَقَالَ غَيْره : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَرَادَ مَعَ الصِّنْف الْمَذْكُور مَا يَتَعَلَّق بِأَشْرَاطِ السَّاعَة وَتَغَيُّر الْأَحْوَال وَالْمَلَاحِم فِي آخِر الزَّمَان , فَيُنْكِر ذَلِكَ مَنْ لَمْ يَأْلَفهُ , وَيَعْتَرِض عَلَيْهِ مَنْ لَا شُعُور لَهُ بِهِ.



