المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (118)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (118)]
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ مُدْرِكٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ جَرِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ اسْتَنْصِتْ النَّاسَ فَقَالَ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ
قَوْله : ( حَدَّثَنَا حَجَّاج ) هُوَ اِبْن مِنْهَال. قَوْله : ( عَنْ جَرِير ) هُوَ اِبْن عَبْد اللَّه الْبَجَلِيّ , وَهُوَ جَدّ أَبِي زُرْعَة الرَّاوِي عَنْهُ هُنَا. قَوْله : ( قَالَ لَهُ فِي حَجَّة الْوَدَاع ) اِدَّعَى بَعْضهمْ أَنَّ لَفْظ "" لَهُ "" زِيَادَة ; لِأَنَّ جَرِيرًا إِنَّمَا أَسْلَمَ بَعْد حَجَّة الْوَدَاع بِنَحْوٍ مِنْ شَهْرَيْنِ , فَقَدْ جَزَمَ اِبْن عَبْد الْبَرّ بِأَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْل مَوْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا , وَمَا جَزَمَ بِهِ يُعَارِضهُ قَوْل الْبَغَوِيِّ وَابْن حِبَّان إِنَّهُ أَسْلَمَ فِي رَمَضَان سَنَة عَشْر. وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْمُصَنِّف لِهَذَا الْحَدِيث فِي بَاب حَجَّة الْوَدَاع بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِجَرِيرٍ , وَهَذَا لَا يَحْتَمِل التَّأْوِيل فَيُقَوِّي مَا قَالَ الْبَغَوِيُّ. وَاَللَّه أَعْلَم. قَوْله : ( يَضْرِب ) هُوَ بِضَمِّ الْبَاء فِي الرِّوَايَات , وَالْمَعْنَى لَا تَفْعَلُوا فِعْل الْكُفَّار فَتُشْبِهُوهُمْ فِي حَالَة قَتْل بَعْضهمْ بَعْضًا. وَسَيَأْتِي بَقِيَّة الْكَلَام عَلَيْهِ فِي كِتَاب الْفِتَن إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى. قَالَ اِبْن بَطَّال : فِيهِ أَنَّ الْإِنْصَات لِلْعُلَمَاءِ لَازِم لِلْمُتَعَلِّمِينَ ; لِأَنَّ الْعُلَمَاء وَرَثَة الْأَنْبِيَاء. كَأَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا مُنَاسَبَة التَّرْجَمَة لِلْحَدِيثِ , وَذَلِكَ أَنَّ الْخُطْبَة الْمَذْكُورَة كَانَتْ فِي حَجَّة الْوَدَاع وَالْجَمْع كَثِير جِدًّا , وَكَانَ اِجْتِمَاعهمْ لِرَمْيِ الْجِمَار وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أُمُور الْحَجّ , وَقَدْ قَالَ لَهُمْ : "" خُذُوا عَنِّي مَنَاسِككُمْ "" كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم , فَلَمَّا خَطَبَهُمْ لِيُعَلِّمهُمْ نَاسَبَ أَنْ يَأْمُرهُمْ بِالْإِنْصَاتِ. وَقَدْ وَقَعَ التَّفْرِيق بَيْن الْإِنْصَات وَالِاسْتِمَاع فِي قَوْله تَعَالَى : ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا ) وَمَعْنَاهُمَا مُخْتَلِف , فَالْإِنْصَات هُوَ السُّكُوت وَهُوَ يَحْصُل مِمَّنْ يَسْتَمِع وَمِمَّنْ لَا يَسْتَمِع كَأَنْ يَكُون مُفَكِّرًا فِي أَمْر آخَر , وَكَذَلِكَ الِاسْتِمَاع قَدْ يَكُون مَعَ السُّكُوت وَقَدْ يَكُون مَعَ النُّطْق بِكَلَامٍ آخَر لَا يَشْتَغِل النَّاطِق بِهِ عَنْ فَهْم مَا يَقُول الَّذِي يَسْتَمِع مِنْهُ , وَقَدْ قَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَغَيْره : أَوَّل الْعِلْم الِاسْتِمَاع , ثُمَّ الْإِنْصَات , ثُمَّ الْحِفْظ , ثُمَّ الْعَمَل , ثُمَّ النَّشْر. وَعَنْ الْأَصْمَعِيّ تَقْدِيم الْإِنْصَات عَلَى الِاسْتِمَاع. وَقَدْ ذَكَرَ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ عُيَيْنَةَ : أَخْبَرَنِي مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان عَنْ كَهَمْسٍ عَنْ مُطَرِّف قَالَ : الْإِنْصَات مِنْ الْعَيْنَيْنِ. فَقَالَ لَهُ اِبْن عُيَيْنَةَ : وَمَا نَدْرِي كَيْف ذَلِكَ ؟ قَالَ : إِذَا حَدَّثْت رَجُلًا فَلَمْ يَنْظُر إِلَيْك لَمْ يَكُنْ مُنْصِتًا اِنْتَهَى. وَهَذَا مَحْمُول عَلَى الْغَالِب. وَاَللَّه أَعْلَم.


