المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (158)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (158)]
حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ تَخَلَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَّا فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقْنَا الْعَصْرَ فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا
قَوْله : ( حَدَّثَنِي مُوسَى ) اِبْن إِسْمَاعِيل هُوَ التَّبُوذَكِيّ. قَوْله : ( عَنَّا فِي سَفْرَة ) زَادَ فِي رِوَايَة كَرِيمَة "" سَافَرْنَاهَا "" وَظَاهِره أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عُمَر كَانَ فِي تِلْكَ السَّفْرَة وَوَقَعَ فِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة , وَلَمْ يَقَع ذَلِكَ لِعَبْدِ اللَّه مُحَقَّقًا إِلَّا فِي حَجَّة الْوَدَاع , أَمَّا غَزْوَة الْفَتْح فَقَدْ كَانَ فِيهَا لَكِنْ مَا رَجَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا إِلَى الْمَدِينَة مِنْ مَكَّة بَلْ مِنْ الْجِعْرَانَة , وَيُحْتَمَل أَنْ تَكُون عُمْرَة الْقَضِيَّة فَإِنَّ هِجْرَة عَبْد اللَّه بْن عُمَر كَانَتْ فِي ذَلِكَ الْوَقْت أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ. قَوْله : ( أَرْهَقَنَا ) بِفَتْحِ الْهَاء وَالْقَاف وَ "" الْعَصْرُ "" مَرْفُوع بِالْفَاعِلِيَّةِ كَذَا لِأَبِي ذَرّ. وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة بِإِسْكَانِ الْقَاف وَالْعَصْر مَنْصُوب بِالْمَفْعُولِيَّةِ , وَيُقَوِّي الْأَوَّل رِوَايَة الْأَصِيلِيّ "" أَرْهَقَتْنَا "" بِفَتْحِ الْقَاف بَعْدهَا مُثَنَّاة سَاكِنَة , وَمَعْنَى الْإِرْهَاق الْإِدْرَاك وَالْغِشْيَان , قَالَ اِبْن بَطَّال : كَأَنَّ الصَّحَابَة أَخَّرُوا الصَّلَاة فِي أَوَّل الْوَقْت طَمَعًا أَنْ يَلْحَقهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُصَلُّوا مَعَهُ , فَلَمَّا ضَاقَ الْوَقْت بَادَرُوا إِلَى الْوُضُوء وَلِعَجَلَتِهِمْ لَمْ يُسْبِغُوهُ , فَأَدْرَكَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ. قُلْت : مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَأْخِيرهمْ قَالَهُ اِحْتِمَالًا , وَيَحْتَمِل أَيْضًا أَنْ يَكُونُوا أَخَّرُوا لِكَوْنِهِمْ عَلَى طُهْر أَوْ لِرَجَاءِ الْوُصُول إِلَى الْمَاء , وَيَدُلّ عَلَيْهِ رِوَايَة مُسْلِم "" حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ تَعَجَّلَ قَوْم عِنْد الْعَصْر "" أَيْ : قُرْب دُخُول وَقْتهَا فَتَوَضَّئُوا وَهُمْ عِجَال. قَوْله : ( وَنَمْسَح عَلَى أَرْجُلنَا ) اِنْتَزَعَ مِنْهُ الْبُخَارِيّ أَنَّ الْإِنْكَار عَلَيْهِمْ كَانَ بِسَبَبِ الْمَسْح لَا بِسَبَبِ الِاقْتِصَار عَلَى غَسْل بَعْض الرِّجْل , فَلِهَذَا قَالَ فِي التَّرْجَمَة وَلَا يَمْسَح عَلَى الْقَدَمَيْنِ , وَهَذَا ظَاهِر الرِّوَايَة الْمُتَّفَق عَلَيْهَا , وَفِي أَفْرَاد مُسْلِم "" فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ وَأَعْقَابهمْ بِيض تَلُوح لَمْ يَمَسّهَا الْمَاء "" فَتَمَسَّكَ بِهَذَا مَنْ يَقُول بِإِجْزَاءِ الْمَسْح , وَبِحَمْلِ الْإِنْكَار عَلَى تَرْك التَّعْمِيم ; لَكِنَّ الرِّوَايَة الْمُتَّفَق عَلَيْهَا أَرْجَح فَتُحْمَل هَذِهِ الرِّوَايَة عَلَيْهَا بِالتَّأْوِيلِ , فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَى قَوْله "" لَمْ يَمَسّهَا الْمَاء "" أَيْ : مَاء الْغُسْل جَمْعًا بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ. وَأَصْرَح مِنْ ذَلِكَ رِوَايَة مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا لَمْ يَغْسِل عَقِبه فَقَالَ ذَلِكَ : وَأَيْضًا فَمَنْ قَالَ بِالْمَسْحِ لَمْ يُوجِب مَسْح الْعَقِب , وَالْحَدِيث حُجَّة عَلَيْهِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ : لَمَّا أَمَرَهُمْ بِتَعْمِيمِ غَسْل الرِّجْلَيْنِ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمَا لُمْعَة دَلَّ عَلَى أَنَّ فَرْضهَا الْغَسْل. وَتَعَقَّبَهُ اِبْن الْمُنِير بِأَنَّ التَّعْمِيم لَا يَسْتَلْزِم الْغَسْل , فَالرَّأْس تُعَمّ بِالْمَسْحِ وَلَيْسَ فَرْضهَا الْغَسْل. قَوْله : ( أَرْجُلنَا ) قَابَلَ الْجَمْع بِالْجَمْعِ فَالْأَرْجُل مُوَزَّعَة عَلَى الرِّجَال فَلَا يَلْزَم أَنْ يَكُون لِكُلِّ رَجُل أَرْجُل. قَوْله : ( وَيْل ) جَازَ الِابْتِدَاء بِالنَّكِرَةِ لِأَنَّهُ دُعَاء وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَقْوَال : أَظْهَرهَا مَا رَوَاهُ اِبْن حِبَّان فِي صَحِيحه مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد مَرْفُوعًا "" وَيْل وَادٍ فِي جَهَنَّم "" قَالَ اِبْن خُزَيْمَةَ : لَوْ كَانَ الْمَاسِح مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ لَمَا تُوُعِّدَ بِالنَّارِ , وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا فِي كُتُب الْخِلَاف عَنْ الشِّيعَة أَنَّ الْوَاجِب الْمَسْح أَخْذًا بِظَاهِرِ قِرَاءَة ( وَأَرْجُلِكُمْ ) بِالْخَفْضِ , وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَة وُضُوئِهِ أَنَّهُ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَهُوَ الْمُبَيِّن لِأَمْرِ اللَّه , وَقَدْ قَالَ فِي حَدِيث عَمْرو بْن عَبَسَة الَّذِي رَوَاهُ اِبْن خُزَيْمَةَ وَغَيْره مُطَوَّلًا فِي فَضْل الْوُضُوء "" ثُمَّ يَغْسِل قَدَمَيْهِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّه "" وَلَمْ يَثْبُت عَنْ أَحَد مِنْ الصَّحَابَة خِلَاف ذَلِكَ إِلَّا عَنْ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَأَنَس , وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُمْ الرُّجُوع عَنْ ذَلِكَ , قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى : أَجْمَعَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَسْل الْقَدَمَيْنِ , رَوَاهُ سَعِيد بْن مَنْصُور. وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ وَابْن حَزْم أَنَّ الْمَسْح مَنْسُوخ. وَاَللَّه أَعْلَم. قَوْله : ( لِلْأَعْقَابِ ) أَيْ : الْمَرْئِيَّة إِذْ ذَاكَ فَاللَّام لِلْعَهْدِ وَيَلْتَحِق بِهَا مَا يُشَارِكهَا فِي ذَلِكَ ; وَالْعَقِب مُؤَخَّر الْقَدَم , قَالَ الْبَغَوِيُّ : مَعْنَاهُ وَيْل لِأَصْحَابِ الْأَعْقَاب الْمُقَصِّرِينَ فِي غَسْلهَا. وَقِيلَ أَرَادَ أَنَّ الْعَقِب مُخْتَصّ بِالْعِقَابِ إِذَا قُصِّرَ فِي غَسْله. وَفِي الْحَدِيث تَعْلِيم الْجَاهِل وَرَفْع الصَّوْت بِالْإِنْكَارِ وَتَكْرَار الْمَسْأَلَة لِتُفْهَم كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَاب الْعِلْم



