المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (623)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (623)]
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَالَ ح و حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ بِشْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ ابْنُ بُحَيْنَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَاثَ بِهِ النَّاسُ وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ أَرْبَعًا الصُّبْحَ أَرْبَعًا تَابَعَهُ غُنْدَرٌ وَمُعَاذٌ عَنْ شُعْبَةَ فِي مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ سَعْدٍ عَنْ حَفْصٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ وَقَالَ حَمَّادٌ أَخْبَرَنَا سَعْدٌ عَنْ حَفْصٍ عَنْ مَالِكٍ
قَوْله : ( مَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ ) لَمْ يَسُقْ الْبُخَارِيّ لَفْظَ رِوَايَة إِبْرَاهِيم بْن سَعْدٍ , بَلْ تَحَوَّلَ إِلَى رِوَايَة شُعْبَةَ فَأَوْهَمَ أَنَّهُمَا مُتَوَافِقَتَانِ , وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ سَاقَ مُسْلِمٌ رِوَايَةَ إِبْرَاهِيمَ بْن سَعْد بِالسَّنَدِ الْمَذْكُور وَلَفْظه "" مَرَّ بِرَجُلٍ يُصَلِّي وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلَاة الصُّبْح , فَكَلَّمَهُ بِشَيْءٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ , فَلَمَّا اِنْصَرَفْنَا أَحَطْنَا بِهِ نَقُول : مَاذَا قَالَ لَك رَسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ قَالَ لِي : يُوشِكُ أَحَدُكُمْ أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْح أَرْبَعًا "" فَفِي هَذَا السِّيَاق مُخَالَفَةٌ لِسِيَاقِ شُعْبَة فِي كَوْنه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّمَ الرَّجُل وَهُوَ يُصَلِّي , وَرِوَايَة شُعْبَة تَقْتَضِي أَنَّهُ كَلَّمَهُ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ , وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ كَلَّمَهُ أَوَّلًا سِرًّا فَلِهَذَا اِحْتَاجُوا أَنْ يَسْأَلُوهُ , ثُمَّ كَلَّمَهُ ثَانِيًا جَهْرًا فَسَمِعُوهُ , وَفَائِدَة التَّكْرَار تَأْكِيد الْإِنْكَار. قَوْله : ( حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَن ) هُوَ اِبْن بِشْرِ بْن الْحَكَم كَمَا جَزَمَ بِهِ اِبْن عَسَاكِرَ وَأَخْرَجَهُ الْجَوْزَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ. قَوْله : ( سَمِعْت رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ ) فِي رِوَايَة الْأَصِيلِيِّ "" مِنْ الْأَسْدِ "" بِالْمُهْمَلَةِ السَّاكِنَة بَدَلَ الزَّاي السَّاكِنَة وَهِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ. قَوْله : ( يُقَال لَهُ مَالِك بْن بُحَيْنَةَ ) هَكَذَا يَقُول شُعْبَة فِي هَذَا الصَّحَابِيّ , وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبُو عَوَانَةَ وَحَمَّاد اِبْن سَلَمَةَ , وَحَكَمَ الْحُفَّاظُ يَحْيَى بْن مُعِين وَأَحْمَد وَالْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالنَّسَائِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيّ وَابْن الشَّرَفِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو مَسْعُود وَآخَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْوَهْمِ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ بُحَيْنَةَ وَالِدَة عَبْد اللَّه لَا مَالِكٍ , وَثَانِيهمَا أَنَّ الصُّحْبَة وَالرِّوَايَة لِعَبْدِ اللَّه لَا لِمَالِكٍ , وَهُوَ عَبْد اللَّه بْن مَالِكِ بْنُ الْقِشْبِ بِكَسْرِ الْقَاف وَسُكُون الْمُعْجَمَة بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَهُوَ لَقَب وَاسْمه جُنْدُبُ بْن نَضْلَةَ بْن عَبْد اللَّه , قَالَ اِبْن سَعْد : قَدِمَ مَالِكُ بْن الْقِشْبِ مَكَّةَ يَعْنِي فِي الْجَاهِلِيَّة فَحَالَفَ بَنِي الْمُطَّلِبِ بْن عَبْد مَنَافٍ وَتَزَوَّجَ بُحَيْنَةَ بِنْتَ الْحَارِث بْنِ الْمُطَّلِب وَاسْمهَا عَبْدَةُ , وَبُحَيْنَةُ لَقَبٌ , وَأَدْرَكَتْ بُحَيْنَةُ الْإِسْلَام فَأَسْلَمَتْ وَصَحِبَتْ , وَأَسْلَمَ اِبْنهَا عَبْد اللَّه قَدِيمًا , وَلَمْ يَذْكُر أَحَدٌ مَالِكًا فِي الصَّحَابَة إِلَّا بَعْض مِمَّنْ تَلَقَّاهُ مِنْ هَذَا الْإِسْنَاد مِمَّنْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ , وَكَذَا أَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ الشَّارِح فَقَالَ : هَذَا الِاخْتِلَاف لَا يَضُرّ فَأَيّ الرَّجُلَيْنِ كَانَ فَهُوَ صَاحِبٌ , وَحَكَى اِبْن عَبْد الْبَرِّ اِخْتِلَافًا فِي بُحَيْنَةَ هَلْ هِيَ أُمُّ عَبْد اللَّه أَوْ أُمّ مَالِك ؟ وَالصَّوَاب أَنَّهَا أُمّ عَبْد اللَّه كَمَا تَقَدَّمَ , فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ اِبْن بُحَيْنَةَ بِزِيَادَةِ أَلِف وَيُعْرَب إِعْرَاب عَبْد اللَّه كَمَا فِي عَبْد اللَّه بْن أُبَيِّ بْن سَلُولٍ وَمُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحَنَفِيَّة. قَوْله : ( رَأَى رَجُلًا ) هُوَ عَبْد اللَّه الرَّاوِي كَمَا رَوَاهُ أَحْمَد مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن ثَوْبَانَ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ وَهُوَ يُصَلِّي , وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ "" خَرَجَ وَابْن الْقِشْبِ يُصَلِّي "" وَوَقَعَ لِبَعْضِ الرُّوَاة هُنَا "" اِبْن أَبِي الْقِشْبِ "" وَهُوَ خَطَأ كَمَا بَيَّنْته فِي كِتَاب الصَّحَابَة. وَوَقَعَ نَحْو هَذِهِ الْقِصَّة أَيْضًا لِابْنِ عَبَّاس قَالَ "" كُنْت أُصَلِّي وَأَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَة , فَجَذَبَنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : أَتُصَلِّي الصُّبْح أَرْبَعًا ؟ "" أَخْرَجَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ وَابْن حِبَّانَ وَالْبَزَّار وَالْحَاكِم وَغَيْرُهُمْ , فَيَحْتَمِلُ تَعَدُّدَ الْقِصَّة. قَوْله : ( لَاثَ ) بِمُثَلَّثَةٍ خَفِيفَة , أَيْ أَدَارَ وَأَحَاطَ. قَالَ اِبْن قُتَيْبَةَ : أَصْلُ اللَّوْثِ الطَّيّ , يُقَال لَاثَ عِمَامَتَهُ إِذَا أَدَارَهَا. قَوْله : ( بِهِ النَّاس ) ظَاهِره أَنَّ الضَّمِير لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَكِنَّ طَرِيق إِبْرَاهِيم بْنِ سَعْد الْمُتَقَدِّمَة تَقْتَضِي أَنَّهُ لِلرَّجُلِ. قَوْله : ( آلصُّبْحَ أَرْبَعًا ؟ ) بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَة فِي أَوَّله , وَيَجُوز قَصْرهَا , وَهُوَ اِسْتِفْهَام إِنْكَار , وَأَعَادَهُ تَأْكِيدًا لِلْإِنْكَارِ. وَالصُّبْح بِالنَّصْبِ بِإِضْمَارِ فِعْل تَقْدِيرُهُ أَتُصَلِّي الصُّبْحَ ؟ وَأَرْبَعًا مَنْصُوب عَلَى الْحَال , قَالَهُ اِبْن مَالِك. وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ عَلَى الْبَدَلِيَّة قَالَ : وَيَجُوز رَفْعُ الصُّبْح أَيْ الصُّبْح تُصَلِّي أَرْبَعًا ؟. وَاخْتُلِفَ فِي حِكْمَة هَذَا الْإِنْكَار فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره : لِئَلَّا يَتَطَاوَل الزَّمَان فَيُظَنَّ وُجُوبُهَا. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم اِبْن سَعْد "" يُوشِك أَحَدُكُمْ "" وَعَلَى هَذَا إِذَا حَصَلَ الْأَمْنُ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ , وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ بِعُمُومِ حَدِيث التَّرْجَمَة. وَقِيلَ لِئَلَّا تَلْتَبِس صَلَاة الْفَرْض بِالنَّفْلِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ : الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنْ يَتَفَرَّغَ لِلْفَرِيضَةِ مِنْ أَوَّلِهَا فَيَشْرَعَ فِيهَا عَقِبَ شُرُوع الْإِمَام , وَالْمُحَافَظَة عَلَى مُكَمِّلَات الْفَرِيضَة أَوْلَى مِنْ التَّشَاغُل بِالنَّافِلَةِ ا ه. وَهَذَا يَلِيق بِقَوْلِ مَنْ يَرَى بِقَضَاءِ النَّافِلَة وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُور , وَمِنْ ثُمَّ قَالَ مَنْ لَا يَرَى بِذَلِكَ : إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ الرَّكْعَة الْأُولَى مَعَ الْإِمَام. وَقَالَ بَعْضهمْ : إِنْ كَانَ فِي الْأَخِيرَة لَمْ يُكْرَهْ لَهُ التَّشَاغُل بِالنَّافِلَةِ , بِشَرْطِ الْأَمْن مِنْ الِالْتِبَاس كَمَا تَقَدَّمَ , وَالْأَوَّل عَنْ الْمَالِكِيَّة , وَالثَّانِي عَنْ الْحَنَفِيَّة وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ سَلَفٌ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَغَيْره , وَكَأَنَّهُمْ لَمَّا تَعَارَضَ عِنْدَهُمْ الْأَمْر بِتَحْصِيلِ النَّافِلَة وَالنَّهْي عَنْ إِيقَاعهَا فِي تِلْكَ الْحَالَة جَمَعُوا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ بِذَلِكَ , وَذَهَبَ بَعْضهمْ إِلَى أَنَّ سَبَب الْإِنْكَار عَدَم الْفَصْل بَيْنَ الْفَرْض وَالنَّفْل لِئَلَّا يَلْتَبِسَا , وَإِلَى هَذَا جَنَحَ الطَّحَاوِيُّ وَاحْتَجَّ لَهُ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَة بِالْأَمْرِ بِذَلِكَ , وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي زَاوِيَة الْمَسْجِد لَمْ يُكْرَهْ , وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ بِمَا ذُكِرَ , إِذْ لَوْ كَانَ الْمُرَاد مُجَرَّدَ الْفَصْل بَيْنَ الْفَرْض وَالنَّفْل لَمْ يَحْصُل إِنْكَارٌ أَصْلًا , لِأَنَّ اِبْن بُحَيْنَةَ سَلَّمَ مِنْ صَلَاته قَطْعًا ثُمَّ دَخَلَ فِي الْفَرْض , وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا حَدِيث قَيْسِ بْن عَمْرو الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ "" أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْر بَعْدَ الْفَرَاغ مِنْ صَلَاة الصُّبْح "" , فَلَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَأَلَهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ قَضَاءَهُمَا بَعْدَ الْفَرَاغ مِنْ صَلَاة الصُّبْح مُتَّصِلًا بِهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِنْكَار عَلَى اِبْن بُحَيْنَةَ إِنَّمَا كَانَ لِلتَّنَفُّلِ حَالَ صَلَاة الْفَرْض , وَهُوَ مُوَافِق لِعُمُومِ حَدِيث التَّرْجَمَة. وَقَدْ فَهِمَ اِبْن عُمَر اِخْتِصَاص الْمَنْع بِمَنْ يَكُون فِي الْمَسْجِد لَا خَارِجًا عَنْهُ , فَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَحْصِبُ مَنْ يَتَنَفَّل فِي الْمَسْجِد بَعْدَ الشُّرُوع فِي الْإِقَامَة , وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَصَدَ الْمَسْجِد فَسَمِعَ الْإِقَامَة فَصَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْر فِي بَيْت حَفْصَة ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِد فَصَلَّى مَعَ الْإِمَام , قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرِّ وَغَيْره : الْحُجَّةُ عِنْدَ التَّنَازُع السُّنَّةُ , فَمَنْ أَدْلَى بِهَا فَقَدْ أَفْلَحَ , وَتَرْكُ التَّنَفُّل عِنْدَ إِقَامَة الصَّلَاة وَتَدَارُكُهَا بَعْدَ قَضَاء الْفَرْض أَقْرَبُ إِلَى اِتِّبَاع السُّنَّةِ , وَيَتَأَيَّد ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِأَنَّ قَوْله فِي الْإِقَامَة "" حَيَّ عَلَى الصَّلَاة "" مَعْنَاهُ هَلُمُّوا إِلَى الصَّلَاة أَيْ الَّتِي يُقَام لَهَا , فَأَسْعَدُ النَّاس بِامْتِثَالِ هَذَا الْأَمْر مَنْ لَمْ يَتَشَاغَلْ عَنْهُ بِغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَم. وَاسْتُدِلَّ بِعُمُومِ قَوْله "" فَلَا صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة "" لِمَنْ قَالَ يَقْطَع النَّافِلَةَ إِذَا أُقِيمَتْ الْفَرِيضَة , وَبِهِ قَالَ أَبُو حَامِد وَغَيْرُهُ مِنْ الشَّافِعِيَّة , وَخَصَّ آخَرُونَ النَّهْيَ بِمَنْ يُنْشِئ النَّافِلَة عَمَلًا بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى ( وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) , وَقِيلَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَنْ يَخْشَى فَوْتَ الْفَرِيضَة فِي الْجَمَاعَة فَيَقْطَعُ وَإِلَّا فَلَا , وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ "" الَّتِي أُقِيمَتْ "" بِأَنَّ الْمَأْمُوم لَا يُصَلِّي فَرْضًا وَلَا نَفْلًا خَلْف مَنْ يُصَلِّي فَرْضًا آخَرَ , كَالظُّهْرِ مَثَلًا خَلْف مَنْ يُصَلِّي الْعَصْر , وَإِنْ جَازَتْ إِعَادَة الْفَرْض خَلْف مَنْ يُصَلِّي ذَلِكَ الْفَرْض. قَوْله : ( تَابَعَهُ غُنْدَرٌ وَمُعَاذٌ عَنْ شُعْبَة عَنْ مَالِكٍ ) أَيْ تَابَعَا بَهْزَ بْنَ أَسَدٍ فِي رِوَايَته عَنْ شُعْبَة بِهَذَا الْإِسْنَاد فَقَالَا عَنْ مَالِك بْن بُحَيْنَةَ , وَفِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَالِك أَيْ بِإِسْنَادِهِ , وَالْأَوَّل يَقْتَضِي اِخْتِصَاص الْمُتَابَعَة بِقَوْلِهِ عَنْ مَالِك بْن بُحَيْنَةَ فَقَطْ , وَالثَّانِي يَشْمَل جَمِيع الْإِسْنَاد وَالْمَتْن , وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ الْوَاقِع فِي نَفْس الْأَمْر. وَطَرِيق غُنْدَرٍ وَصَلَهَا أَحْمَد فِي مُسْنَده عَنْهُ كَذَلِكَ , وَطَرِيق مُعَاذٍ - وَهُوَ اِبْن مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ الْبَصْرِيُّ - وَصَلَهَا الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ رِوَايَة عُبَيْدِ اللَّه بْن مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ , وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ شُعْبَةَ , وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ وَحَجَّاجٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَة وَهْبِ بْن جَرِير وَالْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ رِوَايَة يَزِيد اِبْن هَارُون كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَة كَذَلِكَ. قَوْله : ( وَقَالَ اِبْن إِسْحَاقَ ) أَيْ صَاحِب الْمَغَازِي عَنْ سَعْد أَيْ اِبْن إِبْرَاهِيم , وَهَذِهِ الرِّوَايَة مُوَافِقَة لِرِوَايَةِ إِبْرَاهِيم بْن سَعْد عَنْ أَبِيهِ وَهِيَ الرَّاجِحَةُ. قَوْله : ( وَقَالَ حَمَّاد ) يَعْنِي اِبْن سَلَمَةَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمِزِّيُّ وَآخَرُونَ , وَكَذَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَابْن مَنْدَهْ مَوْصُولًا مِنْ طَرِيقه , وَوَهِمَ الْكَرْمَانِيُّ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ حَمَّاد بْن زَيْد , وَالْمُرَاد أَنَّ حَمَّادًا وَافَقَ شُعْبَة فِي قَوْله عَنْ مَالِك بْن بُحَيْنَةَ , وَقَدْ وَافَقَهُمَا أَبُو عَوَانَةَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ عَنْ جَعْفَر الْفِرْيَابِيِّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْهُ , لَكِنْ أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ فَوَقَعَ فِي رِوَايَتهمَا عَنْ اِبْن بُحَيْنَةَ مُبْهَمًا , وَكَأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْ قُتَيْبَة فِي وَقْت عَمْدًا لِيَكُونَ أَقْرَبَ إِلَى الصَّوَاب , قَالَ أَبُو مَسْعُود : أَهْل الْمَدِينَة يَقُولُونَ عَبْد اللَّه بْن بُحَيْنَةَ وَأَهْل الْعِرَاق يَقُولُونَ مَالِك بْن بُحَيْنَةَ , وَالْأَوَّل هُوَ الصَّوَاب. اِنْتَهَى. فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُون السَّهْو فِيهِ مِنْ سَعْد بْن إِبْرَاهِيم لَمَّا حَدَّثَ بِهِ بِالْعِرَاقِ. وَقَدْ رَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيم بْن سَعْد عَلَى وَجْهٍ آخَرَ مِنْ الْوَهْم قَالَ "" عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَالِكِ بْنِ بُحَيْنَةَ عَنْ أَبِيهِ "" قَالَ مُسْلِم فِي صَحِيحه : قَوْله عَنْ أَبِيهِ خَطَأ. اِنْتَهَى. وَكَأَنَّهُ لَمَّا رَأَى أَهْل الْعِرَاق يَقُولُونَ عَنْ مَالِك بْن بُحَيْنَةَ ظَنَّ أَنَّ رِوَايَة أَهْل الْمَدِينَة مُرْسَلَة فَوَهِمَ فِي ذَلِكَ , وَاللَّهُ أَعْلَم.