المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (66)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (66)]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الْأَيَّامِ كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا
قَوْله : ( سُفْيَان ) هُوَ الثَّوْرِيّ , وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَد فِي مُسْنَده عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ , لَكِنَّ مُحَمَّد بْن يُوسُف الْفِرْيَابِيّ وَإِنْ كَانَ يَرْوِي عَنْ السُّفْيَانَيْنِ فَإِنَّهُ حِين يُطْلِق يُرِيد بِهِ الثَّوْرِيّ , كَمَا أَنَّ الْبُخَارِيّ حَيْثُ يُطْلِق مُحَمَّد بْن يُوسُف لَا يُرِيد بِهِ إِلَّا الْفِرْيَابِيّ وَإِنْ كَانَ يَرْوِي عَنْ مُحَمَّد بْن يُوسُف الْبَيْكَنْدِيّ أَيْضًا. وَقَدْ وَهَمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ هُنَا الْبَيْكَنْدِيّ. قَوْله : ( عَنْ أَبِي وَائِل ) فِي رِوَايَة أَحْمَد الْمَذْكُورَة : سَمِعْت شَقِيقًا وَهُوَ أَبُو وَائِل. وَأَفَادَ هَذَا التَّصْرِيح رَفْع مَا يُتَوَهَّم فِي رِوَايَة مُسْلِم الَّتِي أَخْرَجَهَا مِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن مُسْهِر عَنْ الْأَعْمَش عَنْ شَقِيق عَنْ عَبْد اللَّه فَذَكَرَ الْحَدِيث قَالَ عَلِيّ بْن مُسْهِر قَالَ الْأَعْمَش : وَحَدَّثَنِي عَمْرو بْن مُرَّة عَنْ شَقِيق عَنْ عَبْد اللَّه مِثْله , فَقَدْ يُوهِم هَذَا أَنَّ الْأَعْمَش دَلَّسَهُ أَوَّلًا عَنْ شَقِيق , ثُمَّ سَمَّى الْوَاسِطَة بَيْنهمَا , وَلَيْسَ كَذَلِكَ , بَلْ سَمِعَهُ مِنْ أَبِي وَائِل بِلَا وَاسِطَة وَسَمِعَهُ عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ , وَأَرَادَ بِذِكْرِ الرِّوَايَة الثَّانِيَة وَإِنْ كَانَتْ نَازِلَة تَأْكِيده , أَوْ لِيُنَبِّه عَلَى عِنَايَته بِالرِّوَايَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ سَمِعَهُ نَازِلًا فَلَمْ يَقْنَع بِذَلِكَ حَتَّى سَمِعَهُ عَالِيًا , وَكَذَا صَرَّحَ الْأَعْمَش بِالتَّحْدِيثِ عِنْد الْمُصَنِّف فِي الدَّعَوَات مِنْ رِوَايَة حَفْص بْن غِيَاث عَنْهُ قَالَ : حَدَّثَنِي شَقِيق. وَزَادَ فِي أَوَّله أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْتَظِرُونَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود لِيَخْرُج إِلَيْهِمْ فَيُذَكِّرهُمْ , وَأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ قَالَ : أَمَا إِنِّي أَخْبَر بِمَكَانِكُمْ وَلَكِنَّهُ يَمْنَعنِي مِنْ الْخُرُوج إِلَيْكُمْ.. فَذَكَرَ الْحَدِيث. قَوْله : ( كَانَ يَتَخَوَّلنَا ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَتَشْدِيد الْوَاو , قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْخَائِل بِالْمُعْجَمَةِ هُوَ الْقَائِم الْمُتَعَهِّد لِلْمَالِ , يُقَال خَالَ الْمَال يَخُولهُ تَخَوُّلًا إِذَا تَعَهَّدَهُ وَأَصْلَحَهُ. وَالْمَعْنَى كَانَ يُرَاعِي الْأَوْقَات فِي تَذْكِيرنَا , وَلَا يَفْعَل ذَلِكَ كُلّ يَوْم لِئَلَّا نَمَلّ. وَالتَّخَوُّن بِالنُّونِ أَيْضًا يُقَال تَخَوَّنَ الشَّيْء إِذَا تَعَهَّدَهُ وَحَفِظَهُ , أَيْ : اِجْتَنَبَ الْخِيَانَة فِيهِ , كَمَا قِيلَ فِي تَحَنَّثَ وَتَأَثَّمَ وَنَظَائِرهمَا. وَقَدْ قِيلَ إِنَّ أَبَا عَمْرو بْن الْعَلَاء سَمِعَ الْأَعْمَش يُحَدِّث هَذَا الْحَدِيث فَقَالَ : "" يَتَخَوَّلنَا "" بِاللَّامِ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ بِالنُّونِ فَلَمْ يَرْجِع لِأَجْلِ الرِّوَايَة , وَكِلَا اللَّفْظَيْنِ جَائِز. وَحَكَى أَبُو عُبَيْد الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ عَنْ أَبِي عَمْرو الشَّيْبَانِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : الصَّوَاب "" يَتَحَوَّلنَا "" بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة أَيْ : يَتَطَلَّب أَحْوَالنَا الَّتِي نَنْشَط فِيهَا لِلْمَوْعِظَةِ. قُلْت : وَالصَّوَاب مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَة الْأُولَى فَقَدْ رَوَاهُ مَنْصُور عَنْ أَبِي وَائِل كَرِوَايَةِ الْأَعْمَش , وَهُوَ فِي الْبَاب الْآتِي. وَإِذَا ثَبَتَتْ الرِّوَايَة وَصَحَّ الْمَعْنَى بَطَلَ الِاعْتِرَاض. قَوْله : ( عَلَيْنَا ) أَيْ : السَّآمَة الطَّارِئَة عَلَيْنَا , أَوْ ضَمَّنَ السَّآمَة مَعْنَى الْمَشَقَّة فَعَدَّاهَا بِعَلَى , وَالصِّلَة مَحْذُوفَة وَالتَّقْدِير مِنْ الْمَوْعِظَة. وَيُسْتَفَاد مِنْ الْحَدِيث اِسْتِحْبَاب تَرْك الْمُدَاوَمَة فِي الْجِدّ فِي الْعَمَل الصَّالِح خَشْيَة الْمَلَال , وَإِنْ كَانَتْ الْمُوَاظَبَة مَطْلُوبَة لَكِنَّهَا عَلَى قِسْمَيْنِ : إِمَّا كُلّ يَوْم مَعَ عَدَم التَّكَلُّف. وَإِمَّا يَوْمًا بَعْد يَوْم فَيَكُون يَوْم التَّرْك لِأَجْلِ الرَّاحَة لِيُقْبِل عَلَى الثَّانِي بِنَشَاطٍ , وَإِمَّا يَوْمًا فِي الْجُمُعَة , وَيَخْتَلِف بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَال وَالْأَشْخَاص , وَالضَّابِط الْحَاجَة مَعَ مُرَاعَاة وُجُود النَّشَاط. وَاحْتَمَلَ عَمَل اِبْن مَسْعُود مِنْ اِسْتِدْلَاله أَنْ يَكُون اِقْتَدَى بِفِعْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى فِي الْيَوْم الَّذِي عَيَّنَهُ , وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُون اِقْتَدَى بِمُجَرَّدِ التَّخَلُّل بَيْن الْعَمَل وَالتَّرْك الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِالتَّخَوُّلِ , وَالثَّانِي أَظْهَر. وَأَخَذَ بَعْض الْعُلَمَاء مِنْ حَدِيث الْبَاب كَرَاهِيَة تَشْبِيه غَيْر الرَّوَاتِب بِالرَّوَاتِبِ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا فِي وَقْت مُعَيَّن دَائِمًا , وَجَاءَ عَنْ مَالِك مَا يُشْبِه ذَلِكَ.



