المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (124)]
(صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (124)]
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ وَقَالَ عُثْمَانُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قَالَ قُلْتُ لَهُ إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ
فِيهِ ( عُثْمَان بْن أَبِي شَيْبَة عَنْ جَرِير عَنْ مَنْصُور عَنْ أَبِي وَائِل عَنْ عَمْرو بْن شُرَحْبِيل عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْب أَعْظَم عِنْد اللَّه تَعَالَى ؟ قَالَ : أَنْ تَجْعَل لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك قَالَ : قُلْت : إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيم. قَالَ : قُلْت : ثُمَّ أَيّ ؟ قَالَ : قَالَ ثُمَّ أَنْ تَقْتُل وَلَدك مَخَافَة أَنْ يَطْعَم مَعَك. قَالَ : قُلْت : ثُمَّ أَيّ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَنْ تُزَانِي حَلِيلَة جَارك "" وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عُثْمَان بْن أَبِي شَيْبَة أَيْضًا عَنْ جَرِير عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي وَائِل عَنْ عَمْرو بْن شُرَحْبِيل عَنْ عَبْد اللَّه فَذَكَرَهُ وَزَادَ : فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى تَصْدِيقهَا ( وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ) أَمَّا الْإِسْنَادَانِ فَفِيهِمَا لَطِيفَة عَجِيبَةٌ غَرِيبَةٌ وَهِيَ أَنَّهُمَا إِسْنَادَانِ مُتَلَاصِقَانِ رُوَاتهمَا جَمِيعهمْ كُوفِيُّونَ. وَجَرِير هُوَ اِبْن عَبْد الْحَمِيد. وَمَنْصُور هُوَ اِبْن الْمُعْتَمِر. وَأَبُو وَائِل هُوَ شَقِيق بْن سَلَمَة. وَشُرَحْبِيل غَيْر مُنْصَرِف لِكَوْنِهِ اِسْمًا عَجَمِيًّا عَلَمًا. وَالنِّدّ الْمِثْل رَوَى شَمِر عَنْ الْأَخْفَش قَالَ : النِّدّ الضِّدّ وَالشَّبَه , وَفُلَان نِدّ فُلَان وَنَدِيده وَنَدِيدَتُهُ أَيْ مِثْله. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَخَافَة أَنْ يَطْعَم مَعَك ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاء أَيْ يَأْكُل وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى : ( وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُمْ خَشْيَة إِمْلَاق ) أَيْ فَقْر. وَقَوْله تَعَالَى : ( يَلْقَ أَثَامًا ) قِيلَ : مَعْنَاهُ جَزَاء إِثْمه , وَهُوَ قَوْل الْخَلِيل , وَسِيبَوَيْهِ , وَأَبِي عَمْرو الشَّيْبَانِيِّ , وَالْفَرَّاءِ وَالزَّجَّاجِ , وَأَبِي عَلِيّ الْفَارِسِيِّ. وَقِيلَ : مَعْنَاهُ عُقُوبَة. قَالَهُ يُونُس , وَأَبُو عُبَيْدَة. وَقِيلَ : مَعْنَاهُ جَزَاءً قَالَهُ اِبْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ. وَقَالَ أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ أَوْ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ : هُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّم عَافَانَا اللَّه الْكَرِيم وَأَحْبَابنَا مِنْهَا. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَنْ تُزَانِي حَلِيلَة جَارك ) هِيَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة وَهِيَ زَوْجَته ; سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا تَحِلّ لَهُ , وَقِيلَ : لِكَوْنِهَا تَحِلُّ مَعَهُ. وَمَعْنَى تُزَانِي أَيْ تَزْنِي بِهَا بِرِضَاهَا , وَذَلِكَ يَتَضَمَّن الزِّنَا وَإِفْسَادهَا عَلَى زَوْجهَا وَاسْتِمَالَة قَلْبهَا إِلَى الزَّانِي , وَذَلِكَ أَفْحَشُ وَهُوَ مَعَ اِمْرَأَة الْجَار أَشَدُّ قُبْحًا , وَأَعْظَمُ جُرْمًا لِأَنَّ الْجَار يَتَوَقَّع مِنْ جَاره الذَّبّ عَنْهُ , وَعَنْ حَرِيمه , وَيَأْمَن بَوَائِقه , وَيَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ , وَقَدْ أُمِرَ بِإِكْرَامِهِ وَالْإِحْسَان إِلَيْهِ فَإِذَا قَابَلَ هَذَا كُلّه بِالزِّنَا بِامْرَأَتِهِ وَإِفْسَادهَا عَلَيْهِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَكَّن غَيْره مِنْهُ كَانَ فِي غَايَةٍ مِنْ الْقُبْح. وَقَوْله - سُبْحَانه وَتَعَالَى - : { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ } مَعْنَاهُ أَيْ لَا تَقْتُلُوا النَّفْس الَّتِي هِيَ مَعْصُومَة فِي الْأَصْل إِلَّا مُحِقِّينَ فِي قَتْلهَا. أَمَّا أَحْكَام هَذَا الْحَدِيث فَفِيهِ أَنَّ أَكْبَر الْمَعَاصِي الشِّرْك وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا خَفَاء فِيهِ. وَأَنَّ الْقَتْل بِغَيْرِ حَقّ يَلِيه , وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابنَا : أَكْبَر الْكَبَائِر بَعْد الشِّرْك الْقَتْل. وَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي كِتَاب الشَّهَادَات مِنْ ( مُخْتَصَر الْمُزَنِيِّ ) , وَأَمَّا مَا سِوَاهُمَا مِنْ الزِّنَا وَاللِّوَاط وَعُقُوق الْوَالِدَيْنِ وَالسِّحْر وَقَذْف الْمُحْصَنَات وَالْفِرَار يَوْم الزَّحْف وَأَكْل الرِّبَا وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِر فَلَهَا تَفَاصِيلُ وَأَحْكَامٌ تُعْرَف بِهَا مَرَاتِبهَا , وَيَخْتَلِف أَمْرهَا بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَال وَالْمَفَاسِد الْمُرَتَّبَة عَلَيْهِ. وَعَلَى هَذَا يُقَال فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا هِيَ مِنْ أَكْبَر الْكَبَائِر وَإِنْ جَاءَ فِي مَوْضِعٍ أَنَّهَا أَكْبَرُ الْكَبَائِر كَانَ الْمُرَاد مِنْ أَكْبَر الْكَبَائِر كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَفْضَل الْأَعْمَال. وَاَللَّه أَعْلَم.



