المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (131)]
(صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (131)]
و حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ فُضَيْلٍ الْفُقَيْمِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ
فِيهِ ( أَبَانُ بْن تَغْلِبَ عَنْ فُضَيْلٍ الْفُقَيْمِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا يَدْخُل الْجَنَّة مَنْ كَانَ فِي قَلْبه مِثْقَال ذَرَّة مِنْ كِبْر قَالَ رَجُل : إِنَّ الرَّجُل يُحِبُّ أَنْ يَكُون ثَوْبه حَسَنًا وَنَعْله حَسَنَة قَالَ : إِنَّ اللَّه جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَال الْكِبْر بَطْرُ الْحَقِّ وَغَمْط النَّاس ) , قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ( أَبَانًا ) يَجُوز صَرْفُهُ , وَتَرْك صَرْفه وَأَنَّ الصَّرْف أَفْصَح. وَ ( تَغْلِب ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَة وَكَسْر اللَّام. وَأَمَّا الْفُقَيْمِيُّ فَبِضَمِّ الْفَاء وَفَتْح الْقَاف. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَدْخُل الْجَنَّة مَنْ فِي قَلْبه مِثْقَال ذَرَّة مِنْ كِبْر ) فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيله. فَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ أَحَدهمَا : أَنَّ الْمُرَاد التَّكَبُّر عَنْ الْإِيمَان فَصَاحِبه لَا يَدْخُل الْجَنَّة أَصْلًا إِذَا مَاتَ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَكُون فِي قَلْبه كِبْر حَال دُخُوله الْجَنَّة , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ } وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ فِيهِمَا بُعْد فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيث وَرَدَ فِي سِيَاق النَّهْيِ عَنْ الْكِبْرِ الْمَعْرُوف وَهُوَ الِارْتِفَاع عَلَى النَّاس , وَاحْتِقَارهمْ , وَدَفْع الْحَقِّ , فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَل عَلَى هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ الْمُخْرِجَيْنِ لَهُ عَنْ الْمَطْلُوب. بَلْ الظَّاهِر مَا اِخْتَارَهُ الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ لَا يَدْخُل الْجَنَّة دُون مُجَازَاةٍ إِنْ جَازَاهُ. وَقِيلَ : هَذَا جَزَاؤُهُ لَوْ جَازَاهُ , وَقَدْ يَتَكَرَّم بِأَنَّهُ لَا يُجَازِيه , بَلْ لَا بُدّ أَنْ يَدْخُل كُلّ الْمُوَحِّدِينَ الْجَنَّة إِمَّا أَوَّلًا , وَإِمَّا ثَانِيًا بَعْد تَعْذِيب بَعْض أَصْحَاب الْكَبَائِر الَّذِينَ مَاتُوا مُصِرِّينَ عَلَيْهَا. وَقِيلَ : لَا يَدْخُل مَعَ الْمُتَّقِينَ أَوَّل وَهْلَة. وَأَمَّا قَوْله : ( قَالَ رَجُل إِنَّ الرَّجُل يُحِبّ أَنْ يَكُون ثَوْبه حَسَنًا ) فَهَذَا الرَّجُل هُوَ مَالِكُ بْن مُرَارَة الرَّهَاوِيّ , قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاض , وَأَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ , رَحِمَهُمَا اللَّه. وَقَدْ جَمَعَ أَبُو الْقَاسِم خَلَفَ بْن عَبْد الْمَلِك بْن بَشْكُوَال الْحَافِظ فِي اِسْمه أَقْوَالًا مِنْ جِهَاتٍ , فَقَالَ : هُوَ أَبُو رَيْحَانَة , وَاسْمه شَمْعُون , ذَكَره اِبْن الْأَعْرَابِيِّ. وَقَالَ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيِّ فِي الطَّبَقَات : اِسْمه رَبِيعَة بْن عَامِر , وَقِيلَ سَوَاد بِالتَّخْفِيفِ اِبْن عُمَر وَذَكَره اِبْن السَّكَن. وَقِيلَ : مُعَاذ بْن جَبَل. ذَكَره اِبْن أَبِي الدُّنْيَا فِي ( كِتَاب الْخُمُول وَالتَّوَاضُع ) , وَقِيلَ : مَالِك بْن مُرَارَة الرَّهَاوِيّ ذَكَره أَبُو عُبَيْد فِي ( غَرِيب الْحَدِيث ) , وَقِيلَ : عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِي ذَكَره مَعْمَر فِي ( جَامِعه ) , وَقِيلَ : خُرَيْم بْن فَاتِك. هَذَا مَا ذَكَره اِبْن بَشْكُوَال. وَقَوْلهمْ : اِبْن مُرَارَة الرَّهَاوِيّ : هُوَ ( مُرَارَة ) بِضَمِّ الْمِيم وَبِرَاءٍ مُكَرَّرَة وَآخِرهَا هَاء , ( وَالرَّهَاوِيُّ ) هُنَا نِسْبَة إِلَى قَبِيلَةٍ : ذَكَره الْحَافِظ عَبْد الْغَنِيِّ بْن سَعِيد الْمِصْرِيُّ بِفَتْحِ الرَّاء وَلَمْ يَذْكُرْهُ اِبْن مَاكُولَا. وَذَكَر الْجَوْهَرِيُّ فِي ( صِحَاحه ) أَنَّ الرَّهَاوِيّ نِسْبَة إِلَى ( رُهَا ) بِضَمِّ الرَّاء حَيٌّ مِنْ مُذْحِج. وَأَمَّا ( شَمْعُون ) فَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة وَبِالْمُعْجَمَةِ وَالشِّين مُعْجَمَة فِيهِمَا. وَاَللَّه أَعْلَم. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه جَمِيل يُحِبّ الْجَمَال ) اِخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ , فَقِيلَ : إِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلّ أَمْره سُبْحَانه وَتَعَالَى حَسَنٌ جَمِيلٌ , وَلَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى , وَصِفَات الْجَمَال وَالْكَمَال. وَقِيلَ : جَمِيلٌ بِمَعْنَى مُجَمِّل كَكَرِيمِ وَسَمِيع بِمَعْنَى مُكَرِّم وَمُسَمِّع. وَقَالَ الْإِمَام أَبُو الْقَاسِم الْقُشَيْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّه : مَعْنَاهُ جَلِيل. وَحَكَى الْإِمَام أَبُو سُلَيْمَان الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ بِمَعْنَى ذِي النُّور وَالْبَهْجَة أَيْ مَالِكهمَا. جَمِيل الْأَفْعَال بِكُمْ , بِاللُّطْفِ وَالنَّظَر إِلَيْكُمْ , يُكَلِّفكُمْ الْيَسِير مِنْ الْعَمَل , وَيُعِين عَلَيْهِ , وَيُثِيب عَلَيْهِ الْجَزِيل , وَيَشْكُر عَلَيْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاسْم وَرَدَ فِي هَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح وَلَكِنَّهُ مِنْ أَخْبَار الْآحَاد. وَوَرَدَ أَيْضًا فِي حَدِيث الْأَسْمَاء الْحُسْنَى وَفِي إِسْنَاده مَقَالٌ. وَالْمُخْتَار جَوَازُ إِطْلَاقِهِ عَلَى اللَّه تَعَالَى : وَمِنْ الْعُلَمَاء مَنْ مَنَعَهُ. قَالَ الْإِمَام أَبُو الْمَعَالِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى : مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِطْلَاقِهِ فِي أَسْمَاء اللَّه تَعَالَى وَصِفَاته أَطْلَقْنَاهُ , وَمَا مَنَعَ الشَّرْع مِنْ إِطْلَاقه مَنَعْنَاهُ , وَمَا لَمْ يَرِد فِيهِ إِذْن وَلَا مَنْع لَمْ نَقْضِ فِيهِ بِتَحْلِيلٍ وَلَا تَحْرِيمٍ ; فَإِنَّ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّةَ تُتَلَقَّى مِنْ مَوَارِد الشَّرْع , وَلَوْ قَضَيْنَا بِتَحْلِيلٍ أَوْ تَحْرِيمٍ لَكُنَّا مُثْبِتِينَ حُكْمًا بِغَيْرِ الشَّرْع. قَالَ : ثُمَّ لَا يُشْتَرَط فِي جَوَاز الْإِطْلَاق وُرُود مَا يُقْطَع بِهِ فِي الشَّرْع , وَلَكِنْ مَا يَقْتَضِي الْعَمَل وَإِنْ لَمْ يُوجِب الْعِلْم فَإِنَّهُ كَافٍ , إِلَّا أَنَّ الْأَقْيِسَةَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْ مُقْتَضَيَات الْعَمَل , وَلَا يَجُوز التَّمَسُّك بِهِنَّ فِي تَسْمِيَة اللَّه تَعَالَى , وَوَصْفه. هَذَا كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَمَحَلّه مِنْ الْإِتْقَان وَالتَّحْقِيق بِالْعِلْمِ مُطْلَقًا وَبِهَذَا الْفَنّ خُصُوصًا مَعْرُوفٌ بِالْغَايَةِ الْعُلْيَا. وَأَمَّا قَوْله : لَمْ نَقْضِ فِيهِ بِتَحْلِيلٍ وَلَا تَحْرِيمٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُون إِلَّا بِالشَّرْعِ : فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَب الْمُخْتَار فِي حُكْم الْأَشْيَاء قَبْل وُرُود الشَّرْع فَإِنَّ الْمَذْهَب الصَّحِيح عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابنَا أَنَّهُ لَا حُكْم فِيهَا لَا بِتَحْلِيلٍ , وَلَا تَحْرِيمٍ , وَلَا إِبَاحَةٍ , وَلَا غَيْر ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْحُكْم عِنْد أَهْل السُّنَّة لَا يَكُون إِلَّا بِالشَّرْعِ. وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا : إِنَّهَا عَلَى الْإِبَاحَة وَقَالَ بَعْضهمْ : عَلَى التَّحْرِيم , وَقَالَ بَعْضهمْ : عَلَى الْوَقْف. لَا يُعْلَم مَا يُقَال فِيهَا. وَالْمُخْتَار الْأَوَّل. وَاَللَّه أَعْلَم. وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْلُ السُّنَّة فِي تَسْمِيَة اللَّه وَتَعَالَى وَوَصْفه مِنْ أَوْصَاف الْكَمَال وَالْجَلَال وَالْمَدْح بِمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْع وَلَا مَنَعَهُ فَأَجَازَهُ طَائِفَة , وَمَنَعَهُ آخَرُونَ إِلَّا أَنْ يَرِد بِهِ شَرْعٌ مَقْطُوعٌ بِهِ مِنْ نَصِّ كِتَاب اللَّه , أَوْ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ , أَوْ إِجْمَاعٍ عَلَى إِطْلَاقه. فَإِنْ وَرَدَ خَبَرٌ وَاحِدٌ فَقَدْ اِخْتَلَفُوا فِيهِ فَأَجَازَهُ طَائِفَة , وَقَالُوا : الدُّعَاء بِهِ وَالثَّنَاء مِنْ بَاب الْعَمَل , وَذَلِكَ جَائِز بِخَبَرِ الْوَاحِد. وَمَنَعَهُ آخَرُونَ لِكَوْنِهِ رَاجِعًا إِلَى اِعْتِقَاد مَا يَجُوز أَوْ يَسْتَحِيل عَلَى اللَّه تَعَالَى. وَطَرِيق هَذَا الْقَطْع. قَالَ الْقَاضِي : وَالصَّوَاب جَوَازُهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْعَمَل , وَلِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا ( بَطْر الْحَقِّ ) فَهُوَ دَفْعه وَإِنْكَاره تَرَفُّعًا وَتَجَبُّرًا. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَغَمْط النَّاسِ ) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الْمِيم وَبِالطَّاءِ الْمُهْمَلَة. هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّه. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه : لَمْ نَرْوِ هَذَا الْحَدِيث عَنْ جَمِيع شُيُوخِنَا هُنَا , وَفِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا بِالطَّاءِ. قَالَ : وَبِالطَّاءِ أَبُو دَاوُدَ فِي مُصَنَّفه , وَذَكَره أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ , وَغَيْرُهُ ( غَمْض ) بِالصَّادِ وَهُمَا بِمَعْنَى وَاحِد. وَمَعْنَاهُ اِحْتِقَارهمْ. يُقَال فِي الْفِعْل مِنْهُ ( غَمَطَهُ ) بِفَتْحِ الْمِيم ( يَغْمِطهُ ) بِكَسْرِهَا وَ ( غَمِطَهُ ) بِكَسْرِ الْمِيم ( يَغْمَطهُ ) بِفَتْحِهَا.


