المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (139)]
(صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (139)]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ ح و حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ وَاللَّفْظُ مُتَقَارِبٌ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنْ الْكُفَّارِ فَقَاتَلَنِي فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ أَسْلَمْتُ لِلَّهِ أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقْتُلْهُ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ قَدْ قَطَعَ يَدِي ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَطَعَهَا أَفَأَقْتُلُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ح و حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ ح و حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ جَمِيعًا عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَمَّا الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ فَفِي حَدِيثِهِمَا قَالَ أَسْلَمْتُ لِلَّهِ كَمَا قَالَ اللَّيْثُ فِي حَدِيثِهِ وَأَمَّا مَعْمَرٌ فَفِي حَدِيثِهِ فَلَمَّا أَهْوَيْتُ لِأَقْتُلَهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ و حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ ثُمَّ الْجُنْدَعِيُّ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيَّ وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنْ الْكُفَّارِ ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيْثِ
فِيهِ حَدِيث الْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَد رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : ( يَا رَسُول اللَّه أَرَأَيْت إِنْ لَقِيت رَجُلًا مِنْ الْكُفَّار فَقَاتَلَنِي فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ : أَسْلَمْت لِلَّهِ. أَفَأَقْتُلهُ يَا رَسُول اللَّه بَعْد أَنْ قَالَهَا ؟ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَقْتُلْهُ إِلَى أَنْ قَالَ : فَإِنْ قَتَلْته فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِك قَبْل أَنْ تَقْتُلهُ وَإِنَّك بِمَنْزِلَتِهِ قَبْل أَنْ يَقُول كَلِمَته الَّتِي قَالَ ) أَمَّا أَلْفَاظ أَسْمَاء الْبَاب فَفِيهِ الْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَد , وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى ( حَدَّثَنِي عَطَاء أَنَّ عُبَيْد اللَّه بْن عَدِيّ بْن الْخِيَار أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِقْدَاد بْن عَمْرو بْن الْأَسْوَد الْكِنْدِيَّ وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَة وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُول اللَّه ) , فَالْمِقْدَاد هَذَا هُوَ اِبْن عَمْرو بْن ثَعْلَبَة بْن مَالِك بْن رَبِيعَة هَذَا نَسَبه الْحَقِيقِيُّ. وَكَانَ الْأَسْوَد بْن عَبْد يَغُوث بْن وَهْب بْن عَبْد مَنَاف بْن زُهْرَة قَدْ تَبَنَّاهُ فِي الْجَاهِلِيَّة فَنُسِبَ إِلَيْهِ وَصَارَ بِهِ أَشْهَر وَأَعْرَف. فَقَوْله ثَانِيًا : إِنَّ الْمِقْدَاد بْن عَمْروٍ اِبْنَ الْأَسْوَد قَدْ يُغْلَط فِي ضَبْطه وَقِرَاءَته وَالصَّوَاب فِيهِ أَنْ يُقْرَأ ( عَمْرو ) مَجْرُورًا مُنَوَّنًا ( وَابْن الْأَسْوَد ) بِنَصْبِ النُّون وَيُكْتَب بِالْأَلْفِ لِأَنَّهُ صِفَة لِلْمِقْدَادِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ فَيُنْصَب , وَلَيْسَ ( اِبْن ) هَاهُنَا وَاقِعًا بَيْن عَلَمَيْنِ مُتَنَاسِلَيْنِ ; فَلِهَذَا قُلْنَا تَتَعَيَّن كِتَابَته بِالْأَلِفِ. وَلَوْ قُرِئَ اِبْنِ الْأَسْوَد بِجَرِّ ( اِبْن ) لَفَسَدَ الْمَعْنَى وَصَارَ عَمْرو اِبْن الْأَسْوَد. وَذَلِكَ غَلَطٌ صَرِيحٌ. وَلِهَذَا الِاسْم نَظَائِر مِنْهَا عَبْد اللَّه بْن عَمْرو اِبْن أُمّ مَكْتُوم. كَذَا رَوَاهُ مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه آخِر الْكِتَاب فِي حَدِيث الْجَسَّاسَة وَعَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُولَ , وَعَبْد اللَّه بْن مَالِك اِبْن بُحَيْنَة وَمُحَمَّد بْن عَلِيّ اِبْن الْحَنَفِيَّة , وَإِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم اِبْن عُلَيَّة , وَإِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم اِبْن رَاهْوَيْهِ , وَمُحَمَّد بْن يَزِيد اِبْن مَاجَهْ ; فَكُلُّ هَؤُلَاءِ لَيْسَ فِيهِمْ الْأَب اِبْنًا لِمَنْ بَعْده فَيَتَعَيَّن أَنْ يُكْتَب ( اِبْن ) بِالْأَلِفِ وَأَنْ يُعْرَب بِإِعْرَابِ الِابْن الْمَذْكُور أَوَّلًا فَأُمّ مَكْتُوم زَوْجَة عَمْرو , وَسَلُول زَوْجَة أُبَيّ , وَقِيلَ : غَيْر ذَلِكَ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى , وَبُحَيْنَة زَوْجَة مَالِك وَأُمّ عَبْد اللَّه , وَكَذَلِكَ الْحَنَفِيَّة زَوْجَة عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , وَعُلَيَّة زَوْجَة إِبْرَاهِيم , وَرَاهْوَيْهِ هُوَ إِبْرَاهِيم وَالِد إِسْحَاق , وَكَذَلِكَ مَاجَهْ هُوَ يَزِيدُ فَهُمَا لَقَبَانِ. وَاَللَّه أَعْلَم. وَمُرَادُهُمْ فِي هَذَا كُلُّهُ تَعْرِيفُ الشَّخْصِ بِوَصْفَيْهِ لِيَكْمُل تَعْرِيفُهُ ; فَقَدْ يَكُون الْإِنْسَان عَارِفًا بِأَحَدِ وَصْفَيْهِ دُون الْآخَر فَيَجْمَعُونَ بَيْنهمَا لِيَتِمَّ التَّعْرِيفُ لِكُلِّ أَحَد. وَقَدَّمَ هُنَا نِسْبَته إِلَى عَمْرو عَلَى نِسْبَته إِلَى الْأَسْوَد لِكَوْنِ عَمْرٍو هُوَ الْأَصْل , وَهَذَا مِنْ الْمُسْتَحْسَنَات النَّفِيسَة. وَاَللَّه أَعْلَم. وَكَانَ الْمِقْدَاد رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِنْ أَوَّل مَنْ أَسْلَمَ. قَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : أَوَّلُ مَنْ أَظْهَر الْإِسْلَام بِمَكَّة سَبْعَة مِنْهُمْ الْمِقْدَاد. وَهَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَة يُكْنَى أَبَا الْأَسْوَد. وَقِيلَ : أَبَا عَمْرو , وَقِيلَ : أَبَا مَعْبَد. وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا قَوْله ( وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَة ) فَذَلِكَ لِمُحَالَفَتِهِ الْأَسْوَد بْن عَبْد يَغُوث الزُّهْرِيِّ ; فَقَدْ ذَكَر اِبْن عَبْد الْبَرّ وَغَيْره أَنَّ الْأَسْوَد حَالَفَهُ أَيْضًا مَعَ تَبَنِّيه إِيَّاهُ. وَأَمَّا قَوْلهمْ فِي نَسَبه : الْكِنْدِيّ فَفِيهِ إِشْكَال مِنْ حَيْثُ إِنَّ أَهْل النَّسَب قَالُوا : إِنَّهُ بَهْرَانِيٌّ صُلْبِيَّة مِنْ بَهْرَاء بْن الْحَافّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة وَبِالْفَاءِ اِبْن قُضَاعَة لَا خِلَاف بَيْنهمْ فِي هَذَا. وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاع عَلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره رَحِمَهُمْ اللَّه. وَجَوَابه أَنَّ أَحْمَد بْن صَالِح الْإِمَام الْحَافِظ الْمِصْرِيَّ كَاتِبَ اللَّيْثِ بْنِ سَعْد رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى قَالَ : إِنَّ وَالِد الْمِقْدَاد حَالَفَ كِنْدَة فَنُسِبَ إِلَيْهَا. وَرَوَيْنَا عَنْ اِبْن شَمَاسَة عَنْ سُفْيَان عَنْ صُهَابَة بِضَمِّ الصَّاد الْمُهْمَلَة وَتَخْفِيف الْهَاء وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة الْمَهْرِيّ قَالَ : كُنْت صَاحِب الْمِقْدَاد اِبْن الْأَسْوَد فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ رَجُلًا مِنْ بَهْرَاء فَأَصَابَ فِيهِمْ دَمًا , فَهَرَبَ إِلَى كِنْدَة فَحَالَفَهُمْ , ثُمَّ أَصَابَ فِيهِمْ دَمًا فَهَرَبَ إِلَى مَكَّة فَحَالَفَ الْأَسْوَد بْن عَبْد يَغُوث. فَعَلَى هَذَا تَصِحُّ نِسْبَته إِلَى بَهْرَاء لِكَوْنِهِ الْأَصْل , وَكَذَلِكَ إِلَى قُضَاعَة , وَتَصِحّ نِسْبَته إِلَى كِنْدَة لِحِلْفِهِ أَوْ لِحِلْفِ أَبِيهِ , وَتَصِحُّ إِلَى زُهْرَة لِحِلْفِهِ مَعَ الْأَسْوَد. وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا قَوْلهمْ : إِنَّ الْمِقْدَاد بْن عَمْرو اِبْن الْأَسْوَد إِلَى قَوْله : أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُول فَأَعَادَ ( أَنَّهُ ) لِطُولِ الْكَلَام , وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْهَا لَكَانَ صَحِيحًا بَلْ هُوَ الْأَصْل , وَلَكِنْ لَمَّا طَالَ الْكَلَام جَازَ أَوْ حَسُنَ ذِكْرهَا. وَنَظِيرُهُ فِي كَلَام الْعَرَب كَثِير وَقَدْ جَاءَ مِثْله فِي الْقُرْآن الْعَزِيز , وَالْأَحَادِيث الشَّرِيفَة. وَمِمَّا جَاءَ فِي الْقُرْآن قَوْله عَزَّ وَجَلَّ حِكَايَة عَنْ الْكُفَّار : { أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ } فَأَعَادَ ( أَنَّكُمْ ) لِلطُّولِ وَمِثْله قَوْله تَعَالَى : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } فَأَعَادَ ( لَمَّا جَاءَهُمْ ) وَقَدْ قَدَّمْنَا نَظِير هَذِهِ الْمَسْأَلَة. وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا ( عَدِيُّ بْن الْخِيَار ) فَبِكَسْرِ الْخَاء الْمُعْجَمَة. وَأَمَّا ( عَطَاء بْن يَزِيد اللَّيْثِيّ ثُمَّ الْجُنْدَعِيّ ) فَبِضَمِّ الْجِيم وَإِسْكَان النُّون وَبَعْدهَا دَال ثُمَّ عَيْن مُهْمَلَتَانِ , وَتُفْتَح الدَّال وَتُضَمّ لُغَتَانِ. وَجُنْدَع بَطْن مِنْ لَيْث فَلِهَذَا قَالَ : اللَّيْثِيّ ثُمَّ الْجُنْدَعِيّ , فَبَدَأَ بِالْعَامِّ وَهُوَ لَيْث ثُمَّ الْخَاصّ وَهُوَ جُنْدَع. وَلَوْ عَكَسَ هَذَا فَقِيلَ : الْجُنْدَعِيّ اللَّيْثِيّ لَكَانَ خَطَأ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا فَائِدَة فِي قَوْله اللَّيْثِيّ بَعْد الْجُنْدَعِيّ , وَلِأَنَّهُ أَيْضًا يَقْتَضِي أَنَّ لَيْثًا بَطْنٌ مِنْ جُنْدَع , وَهُوَ خَطَأٌ. وَاَللَّه أَعْلَم. وَفِي هَذَا الْإِسْنَاد لَطِيفَة تَقَدَّمَ نَظَائِرهَا وَهُوَ أَنَّ فِيهِ ثَلَاثَة تَابِعِيِّينَ يَرْوِي بَعْضهمْ عَنْ بَعْض اِبْن شِهَاب وَعَطَاء وَعُبَيْد اللَّه بْن عَدِيّ بْن الْخِيَار. وَأَمَّا لُغَات الْحَدِيث وَمَا يُشْبِههَا فَقَوْله فِي أَوَّل الْبَاب : ( يَا رَسُول اللَّه أَرَأَيْت إِنْ لَقِيت رَجُلًا مِنْ الْكُفَّار ؟ ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَر الْأُصُول الْمُعْتَبَرَة. وَفِي بَعْضهَا أَرَأَيْت لَقِيت بِحَذْفِ ( إِنْ ) وَالْأَوَّل هُوَ الصَّوَاب. وَقَوْله : ( لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ ) أَيْ اِعْتَصَمَ مِنِّي وَهُوَ مَعْنَى قَوْله : قَالَهَا مُتَعَوِّذًا أَيْ مُعْتَصِمًا وَهُوَ بِكَسْرِ الْوَاو. قَوْله : ( أَمَّا الْأَوْزَاعِيّ وَابْن جُرَيْج فِي حَدِيثهمَا ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَر الْأُصُول فِي حَدِيثهمَا بِفَاءِ وَاحِدَةٍ وَفِي كَثِير مِنْ الْأُصُول : ( فَفِي ) حَدِيثهمَا بِفَاءَيْنِ. وَهَذَا هُوَ الْأَصْل وَالْجَيِّد. وَالْأَوَّل أَيْضًا جَائِزٌ فَإِنَّ الْفَاء فِي جَوَاب ( أَمَّا ) يَلْزَم إِثْبَاتهَا إِلَّا إِذَا كَانَ الْجَوَاب بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَجُوز حَذْفهَا إِذَا حُذِفَ الْقَوْل , وَهَذَا مِنْ ذَاكَ فَتَقْدِير الْكَلَام أَمَّا الْأَوْزَاعِيّ وَابْن جُرَيْج فَقَالَا فِي حَدِيثهمَا كَذَا. وَمِثْل هَذَا فِي الْقُرْآن الْعَزِيز وَكَلَام الْعَرَب كَثِير. فَمِنْهُ فِي الْقُرْآن قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : { فَأَمَّا الَّذِينَ اِسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ } أَيْ فَيُقَال لَهُمْ أَكَفَرْتُمْ ؟ وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ } وَاَللَّه أَعْلَم. وَقَوْله : ( فَلَمَّا أَهْوَيْت لِأَقْتُلهُ ) أَيْ مِلْت. يُقَال : هَوَيْت وَأَهْوَيْت. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي إِسْنَاد بَعْض رِوَايَات هَذَا الْحَدِيث مَا أَنْكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْره وَهُوَ قَوْل مُسْلِم حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم , وَعَبْد بْن حُمَيْد قَالَا : أَنْبَأَ عَبْد الرَّزَّاق أَنْبَأَ مَعْمَر ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاق اِبْن مُوسَى حَدَّثَنَا الْوَلِيد بْن مُسْلِم عَنْ الْأَوْزَاعِيّ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن رَافِع حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج جَمِيعًا عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَاد فَهَكَذَا وَقَعَ هَذَا الْإِسْنَاد فِي رِوَايَة الْجُلُودِيّ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : وَلَمْ يَقَع هَذَا الْإِسْنَاد عِنْد اِبْن مَاهَان يَعْنِي رَفِيق الْجُلُودِيّ. قَالَ الْقَاضِي : قَالَ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِيُّ : هَذَا لَيْسَ بِمَعْرُوفِ عَنْ الْوَلِيد لِهَذَا الْإِسْنَاد عَنْ عَطَاء بْن يَزِيد عَنْ عُبَيْد اللَّه. قَالَ : وَفِيهِ خِلَاف عَلَى الْوَلِيد وَعَلَى الْأَوْزَاعِيّ. وَقَدْ بَيَّنَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَاب ( الْعِلَل ) الْخِلَاف فِيهِ وَذَكَر أَنَّ الْأَوْزَاعِيّ يَرْوِيه عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مُرَّة. وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فَرَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق الْفَزَارِيّ , وَمُحَمَّد بْن شُعَيْب , وَمُحَمَّد بْن حُمَيْد وَالْوَلِيد بْن مَزِيد عَنْ الْأَوْزَاعِيّ عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مُرَّة عَنْ الزُّهْرِيِّ , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن الْخِيَار , عَنْ الْمِقْدَاد , لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَطَاء بْن يَزِيد. وَاخْتُلِفَ عَنْ الْوَلِيد بْن مُسْلِم فَرَوَاهُ الْوَلِيد الْقُرَشِيُّ عَنْ الْوَلِيد عَنْ الْأَوْزَاعِيّ , وَاللَّيْث بْن سَعْد عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن الْخِيَار عَنْ الْمِقْدَاد , لَمْ يَذْكُر فِيهِ عَطَاء وَأَسْقَطَ إِبْرَاهِيم بْن مُرَّة وَخَالَفَهُ عِيسَى بْن مُسَاوِر فَرَوَاهُ عَنْ الْوَلِيد عَنْ الْأَوْزَاعِيّ عَنْ حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن الْخِيَار عَنْ الْمِقْدَاد لَمْ يَذْكُر فِيهِ إِبْرَاهِيم بْن مُرَّة , وَجَعَلَ مَكَان عَطَاء بْن يَزِيد حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن. وَرَوَاهُ الْفِرْيَابِيّ عَنْ الْأَوْزَاعِيّ عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مُرَّة عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا عَنْ الْمِقْدَاد قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيّ : الصَّحِيحُ فِي إِسْنَاد هَذَا الْحَدِيث مَا ذَكَره مُسْلِم أَوَّلًا مِنْ رِوَايَة اللَّيْث وَمَعْمَر وَيُونُس وَابْن جُرَيْج , وَتَابَعَهُمْ صَالِح اِبْن كَيْسَانَ. هَذَا آخِر كَلَام الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه. قُلْت : وَحَاصِل هَذَا الْخِلَاف وَالِاضْطِرَاب إِنَّمَا هُوَ فِي رِوَايَة الْوَلِيد بْن مُسْلِم عَنْ الْأَوْزَاعِيّ , وَأَمَّا رِوَايَة اللَّيْث وَمَعْمَر وَيُونُس وَابْن جُرَيْج فَلَا شَكَّ فِي صِحَّتهَا. وَهَذِهِ الرِّوَايَات هِيَ الْمُسْتَقِلَّة بِالْعَمَلِ وَعَلَيْهَا الِاعْتِمَاد. وَأَمَّا رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ فَذَكَرَهَا مُتَابَعَة , وَقَدْ تَقَرَّرَ عِنْدهمْ أَنَّ الْمُتَابَعَات يُحْتَمَل فِيهَا مَا فِيهِ نَوْع ضَعْف لِكَوْنِهَا لَا اِعْتِمَاد عَلَيْهَا إِنَّمَا هِيَ لِمُجَرَّدِ الِاسْتِئْنَاس ; فَالْحَاصِل أَنَّ هَذَا الِاضْطِرَاب الَّذِي فِي رِوَايَة الْوَلِيد عَنْ الْأَوْزَاعِيّ لَا يَقْدَح فِي صِحَّة أَصْل هَذَا الْحَدِيث , فَلَا خِلَاف فِي صِحَّتِهِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ أَكْثَر اِسْتِدْرَاكَاتِ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ هَذَا النَّحْو. لَا يُؤَثِّر ذَلِكَ فِي صِحَّة الْمُتُون. وَقَدَّمْنَا أَيْضًا فِي الْفُصُول اِعْتِذَار مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه عَنْ نَحْو هَذَا بِأَنَّهُ لَيْسَ الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ. وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا مَعَانِي الْأَحَادِيث وَفِقْههَا فَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي قَالَ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ( لَا تَقْتُلهُ فَإِنْ قَتَلْته فَإِنَّهُ فِي مَنْزِلَتك قَبْل أَنْ تَقْتُلهُ وَإِنَّك بِمَنْزِلَتِهِ قَبْل أَنْ يَقُول كَلِمَته الَّتِي قَالَ ) , اِخْتَلَفَ فِي مَعْنَاهُ ; فَأَحْسَن مَا قِيلَ فِيهِ وَأَظْهَرهُ مَا قَالَهُ الْإِمَام الشَّافِعِيُّ , وَابْنُ الْقَصَّار الْمَالِكِيُّ , وَغَيْرهمَا أَنَّ مَعْنَاهُ فَإِنَّهُ مَعْصُوم الدَّم , مُحَرَّم قَتْلُهُ بَعْد قَوْله : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه كَمَا كُنْت أَنْتَ قَبْل أَنْ تَقْتُلَهُ. وَإِنَّك بَعْد قَتْله غَيْر مَعْصُوم الدَّم , وَلَا مُحَرَّم الْقَتْل كَمَا كَانَ هُوَ قَبْل قَوْله : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه. قَالَ اِبْن الْقَصَّار : يَعْنِي لَوْلَا عُذْرك بِالتَّأْوِيلِ الْمُسْقِط لِلْقِصَاصِ عَنْك. قَالَ الْقَاضِي : وَقِيلَ : مَعْنَاهُ إِنَّك مِثْله فِي مُخَالَفَة الْحَقّ وَارْتِكَاب الْإِثْم وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ أَنْوَاع الْمُخَالَفَة وَالْإِثْم فَيُسَمَّى إِثْمه كُفْرًا وَإِثْمك مَعْصِيَة وَفِسْقًا. وَأَمَّا كَوْنه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوجِب عَلَى أُسَامَة قِصَاصًا وَلَا دِيَة وَلَا كَفَّارَة فَقَدْ يُسْتَدَلّ بِهِ لِإِسْقَاطِ الْجَمِيع , وَلَكِنَّ الْكَفَّارَة وَاجِبَةٌ , وَالْقِصَاص سَاقِطٌ لِلشُّبْهَةِ ; فَإِنَّهُ ظَنَّهُ كَافِرًا وَظَنَّ أَنَّ إِظْهَارَهُ كَلِمَة التَّوْحِيد فِي هَذَا الْحَال لَا يَجْعَلهُ مُسْلِمًا. وَفِي وُجُوب الدِّيَة قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ , وَقَالَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْضٌ مِنْ الْعُلَمَاء. وَيُجَاب عَنْ عَدَم ذِكْر الْكَفَّارَة بِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى الْفَوْر بَلْ هِيَ عَلَى التَّرَاخِي وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ. وَأَمَّا الدِّيَة عَلَى قَوْل مَنْ أَوْجَبَهَا فَيُحْتَمَل أَنَّ أُسَامَة كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْت مُعْسِرًا بِهَا فَأُخِّرَتْ إِلَى يَسَارِهِ.



