المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (167)]
(صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (167)]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعًا عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنْعَةٍ قَالَ حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَبَى ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي ذَخَرَ اللَّهُ لِلْأَنْصَارِ فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَمَرِضَ فَجَزِعَ فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ فَقَالَ غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ قَالَ قِيلَ لِي لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ
فِيهِ حَدِيث جَابِر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ( أَنَّ الطُّفَيْل بْن عَمْرو الدَّوْسِيّ هَاجَرَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَة وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُل مِنْ قَوْمه فَاجْتَوُوا الْمَدِينَة فَمَرِضَ فَجَزَع فَأَخَذَ مَشَاقِص فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ فَرَآهُ الطُّفَيْل فِي مَنَامه وَهَيْئَته حَسَنَة وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ : مَا صَنَعَ بِك رَبُّك ؟ فَقَالَ : غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَالِي أَرَاك مُغَطِّيًا يَدَيْك ؟ قَالَ : قِيلَ لِي : لَنْ نُصْلِح مِنْك مَا أَفْسَدْت. فَقَصَّهَا الطُّفَيْل عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ ). قَوْله : ( فَاجْتَوُوا الْمَدِينَة ) هُوَ بِضَمِّ الْوَاو الثَّانِيَة ضَمِير جَمْع وَهُوَ ضَمِير يَعُود عَلَى الطُّفَيْل وَالرَّجُل الْمَذْكُور وَمَنْ يَتَعَلَّق بِهِمَا , وَمَعْنَاهُ : كَرِهُوا الْمَقَام بِهَا لِضَجَرٍ , وَنَوْع مِنْ سَقَم. قَالَ أَبُو عُبَيْد وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرهمَا : اِجْتَوَيْت الْبَلَد إِذَا كَرِهْت الْمَقَام بِهِ , وَإِنْ كُنْت فِي نِعْمَة. قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَأَصْله مِنْ الْجَوَى وَهُوَ دَاء يُصِيب الْجَوْف. قَوْله : ( فَأَخَذَ مَشَاقِص ) هِيَ بِفَتْحِ الْمِيم وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَة وَبِالْقَافِ وَالصَّاد الْمُهْمَلَة وَهِيَ جَمْع مِشْقَص بِكَسْرِ الْمِيم وَفَتْح الْقَاف. قَالَ الْخَلِيل , وَابْن فَارِس , وَغَيْرهمَا : هُوَ سَهْم فِيهِ نَصْل عَرِيض. وَقَالَ آخَرُونَ : سَهْم طَوِيل لَيْسَ بِالْعَرِيضِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ : الْمِشْقَص مَا طَالَ وَعَرُضَ , وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر هُنَا لِقَوْلِهِ قَطَعَ بِهَا بَرَاجِمه , وَلَا يَحْصُل ذَلِكَ إِلَّا بِالْعَرِيضِ. وَأَمَّا ( الْبَرَاجِم ) بِفَتْحِ الْبَاء الْمُوَحَّدَة وَبِالْجِيمِ فَهِيَ مَفَاصِل الْأَصَابِع وَاحِدَتهَا ( بُرْجُمَة ). قَوْله : ( فَشَخَبَتْ يَدَاهُ ) هُوَ بِفَتْحِ الشِّين وَالْخَاء الْمُعْجَمَتَيْنِ أَيْ سَالَ دَمُهُمَا , وَقِيلَ : سَالَ بِقُوَّةٍ. وَقَوْله : ( هَلْ لَك فِي حِصْن حَصِين وَمَنَعَة ) هِيَ بِفَتْحِ الْمِيم وَبِفَتْحِ النُّون وَإِسْكَانهَا لُغَتَانِ ذَكَرهمَا اِبْن السِّكِّيت وَالْجَوْهَرِيُّ , وَغَيْرهمَا. الْفَتْح أَفْصَح , وَهِيَ الْعِزّ وَالِامْتِنَاع مِمَّنْ يُرِيدهُ , وَقِيلَ الْمَنَعَة جَمْع مَانِع كَظَالِمِ وَظَلَمَة أَيْ جَمَاعَة يَمْنَعُونَك مِمَّنْ يَقْصِدك بِمَكْرُوهٍ. أَمَّا أَحْكَام الْحَدِيث فَفِيهِ حُجَّة لِقَاعِدَةٍ عَظِيمَةٍ لِأَهْلِ السُّنَّة أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسه أَوْ اِرْتَكَبَ مَعْصِيَة غَيْرهَا وَمَاتَ مِنْ غَيْر تَوْبَةٍ فَلَيْسَ بِكَافِرٍ , وَلَا يُقْطَع لَهُ بِالنَّارِ , بَلْ هُوَ فِي حُكْم الْمَشِيئَة. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان الْقَاعِدَة وَتَقْرِيرهَا. وَهَذَا الْحَدِيث شَرْح لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي قَبْله الْمُوهِم ظَاهِرهَا تَخْلِيد قَاتِل النَّفْس وَغَيْره مِنْ أَصْحَاب الْكَبَائِر فِي النَّار , وَفِيهِ إِثْبَات عُقُوبَة بَعْض أَصْحَاب الْمَعَاصِي فَإِنَّ هَذَا عُوقِبَ فِي يَدَيْهِ فَفِيهِ رَدّ عَلَى الْمُرْجِئَة الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمَعَاصِي لَا تَضُرّ. وَاَللَّه أَعْلَم.



