المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (183)]
(صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (183)]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَاللَّفْظُ لِأَبِي بَكْرٍ قَالَ إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ وَقَالَ الْآخَرَانِ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِسَيِّئَةٍ فَلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا سَيِّئَةً وَإِذَا هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا عَشْرًا
فِيهِ ( أَبُو الزِّنَاد عَنْ الْأَعْرَج ) أَمَّا ( أَبُو الزِّنَاد ) فَاسْمه عَبْد اللَّه بْن ذَكْوَانَ كُنْيَته أَبُو عَبْد الرَّحْمَن. وَأَمَّا أَبُو الزِّنَاد. فَلَقَب غَلَبَ عَلَيْهِ وَكَانَ يَغْضَب مِنْهُ. وَأَمَّا ( الْأَعْرَج ) عَبْد الرَّحْمَن بْن هُرْمُزَ وَهَذَانِ وَإِنْ كَانَا مَشْهُورَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانهمَا إِلَّا أَنَّهُ قَدْ تَخْفَى أَسْمَاؤُهُمَا عَلَى بَعْض النَّاظِرِينَ فِي الْكِتَاب. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِسَيِّئَةٍ فَلَا تَكْتُبُوا عَلَيْهِ فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا سَيِّئَة , وَإِذَا هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا حَسَنَة فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا عَشْرًا ) وَفِي الْحَدِيث الْآخَر : ( فِي الْحَسَنَة إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْف ) وَفِي الْآخَر : ( فِي السَّيِّئَة إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ ) فَقَالَ الْإِمَام الْمَازِرِيُّ رَحِمَهُ اللَّه : مَذْهَب الْقَاضِي أَبِي بَكْر بْن الطَّيِّب أَنَّ مَنْ عَزَمَ عَلَى الْمَعْصِيَة بِقَلْبِهِ , وَوَطَّنَ نَفْسه عَلَيْهَا , أَثِمَ فِي اِعْتِقَاده وَعَزْمه. وَيُحْمَل مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث وَأَمْثَالهَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ لَمْ يُوَطِّن نَفْسه عَلَى الْمَعْصِيَة , وَإِنَّمَا مَرَّ ذَلِكَ بِفِكْرِهِ مِنْ غَيْر اِسْتِقْرَار , وَيُسَمَّى هَذَا هَمًّا وَيُفَرَّق بَيْنَ الْهَمّ وَالْعَزْم. هَذَا مَذْهَب الْقَاضِي أَبِي بَكْر , وَخَالَفَهُ كَثِير مِنْ الْفُقَهَاء وَالْمُحَدِّثِينَ وَأَخَذُوا بِظَاهِرِ الْحَدِيث. قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه : عَامَّة السَّلَف وَأَهْل الْعِلْم مِنْ الْفُقَهَاء وَالْمُحَدِّثِينَ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْر لِلْأَحَادِيثِ الدَّالَّة عَلَى الْمُؤَاخَذَة بِأَعْمَالِ الْقُلُوب , لَكِنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّ هَذَا الْعَزْم يُكْتَب سَيِّئَة وَلَيْسَتْ السَّيِّئَة الَّتِي هَمَّ بِهَا لِكَوْنِهِ لَمْ يَعْمَلهَا وَقَطَعَهُ عَنْهَا قَاطِع غَيْر خَوْف اللَّه تَعَالَى وَالْإِنَابَة. لَكِنَّ نَفْس الْإِصْرَار وَالْعَزْم مَعْصِيَة فَتُكْتَب مَعْصِيَة فَإِذَا عَمِلَهَا كُتِبَتْ مَعْصِيَة ثَانِيَة , فَإِنْ تَرَكَهَا خَشْيَة لِلَّهِ تَعَالَى كُتِبَتْ حَسَنَة كَمَا فِي الْحَدِيث : "" إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ "" فَصَارَ تَرْكه لَهَا لِخَوْفِ اللَّه تَعَالَى وَمُجَاهَدَته نَفْسه وَمُجَاهَدَته نَفْسه الْأَمَّارَة بِالسُّوءِ فِي ذَلِكَ وَعِصْيَانه هَوَاهُ حَسَنَة. فَأَمَّا الْهَمّ الَّذِي لَا يُكْتَب فَهِيَ الْخَوَاطِر الَّتِي لَا تُوَطَّن النَّفْس عَلَيْهَا , وَلَا يَصْحَبهَا عَقْد وَلَا نِيَّة وَعَزْم. وَذَكَرَ بَعْض الْمُتَكَلِّمِينَ خِلَافًا فِيمَا إِذَا تَرَكَهَا لِغَيْرِ خَوْف اللَّه تَعَالَى , بَلْ لِخَوْفِ النَّاس. هَلْ تُكْتَب حَسَنَة ؟ قَالَ : لَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى تَرْكهَا الْحَيَاء. وَهَذَا ضَعِيف لَا وَجْه لَهُ. هَذَا آخِر كَلَام الْقَاضِي وَهُوَ ظَاهِر حَسَن لَا مَزِيد عَلَيْهِ , وَقَدْ تَظَاهَرَتْ نُصُوص الشَّرْع بِالْمُؤَاخَذَةِ بِعَزْمِ الْقَلْب الْمُسْتَقِرّ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيع الْفَاحِشَة فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَاب أَلِيم ) الْآيَة وَقَوْله تَعَالَى : ( اِجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنّ إِنَّ بَعْض الظَّنّ إِثْم ) وَالْآيَات فِي هَذَا كَثِيرَة. وَقَدْ تَظَاهَرَتْ نُصُوص الشَّرْع وَإِجْمَاع الْعُلَمَاء عَلَى تَحْرِيم الْحَسَد وَاحْتِقَار الْمُسْلِمِينَ وَإِرَادَة الْمَكْرُوه بِهِمْ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَعْمَال الْقُلُوب وَعَزْمهَا وَاَللَّه أَعْلَم.



