المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (196)]
(صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (196)]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ جَمِيعًا عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا الْعَلَاءُ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى الْحُرَقَةِ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبٍ السَّلَمِيِّ عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ و حَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ جَمِيعًا عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَخَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ يُحَدِّثُ أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ الْحَارِثِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ
فِيهِ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ اِقْتَطَعَ حَقّ اِمْرِئٍ مُسْلِم بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّه تَعَالَى لَهُ النَّار وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّة فَقَالَ لَهُ رَجُل : وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : وَإِنْ قَضِيب مِنْ أَرَاكٍ ) وَفِيهِ ( مَوْلَى الْحُرَقَةِ ) بِضَمِّ الْحَاء وَفَتْح الرَّاء وَهِيَ بَطْن مِنْ جُهَيْنَة تَقَدَّمَ بَيَانه مَرَّات. وَفِيهِ ( مَعْبَد بْن كَعْب السَّلَمِيّ ) بِفَتْحِ السِّين وَاللَّام مَنْسُوب إِلَى بَنِي سَلِمَة بِكَسْرِ اللَّام مِنْ الْأَنْصَار وَفِي النَّسَب بِفَتْحِ اللَّام عَلَى الْمَشْهُور عِنْد أَهْل الْعَرَبِيَّة وَغَيْرهمْ وَقِيلَ : يَجُوز كَسْر اللَّام فِي النَّسَب أَيْضًا. وَفِيهِ عَبْد اللَّه بْن كَعْب عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْحَارِثِيّ , وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى ( سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن كَعْب يُحَدِّث أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ الْحَارِثِيّ حَدَّثَهُ ) اِعْلَمْ أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ هَذَا لَيْسَ هُوَ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ صُدَيّ بْن عَجْلَان الْمَشْهُور بَلْ هَذَا غَيْره وَاسْم هَذَا إِيَاس بْن ثَعْلَبَة الْأَنْصَارِيّ الْحَارِثِيّ مِنْ بَنِي الْحَارِث اِبْن الْخَزْرَج. وَقِيلَ : إِنَّهُ بَلْوِيّ وَهُوَ حَلِيف بَنِي حَارِثَة وَهُوَ اِبْن أُخْت أَبِي بُرْدَة بْن نَيَّار هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي اِسْمه. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيُّ : اِسْمه عَبْد اللَّه بْن ثَعْلَبَة , وَيُقَال ثَعْلَبَة بْن عَبْد اللَّه. ثُمَّ اِعْلَمْ أَنَّ هُنَا دَقِيقَة لَا بُدّ مِنْ التَّنْبِيه عَلَيْهَا وَهِيَ أَنَّ الَّذِينَ صَنَّفُوا فِي أَسْمَاء الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ ذَكَرَ كَثِير مِنْهُمْ أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ هَذَا الْحَارِثِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ تُوُفِّيَ عِنْد اِنْصِرَاف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أُحُد , فَصَلَّى عَلَيْهِ. وَمُقْتَضَى هَذَا التَّارِيخ أَنْ يَكُون هَذَا الْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِم مُنْقَطِعًا فَإِنَّ عَبْد اللَّه بْن كَعْب تَابِعِيّ فَكَيْف يَسْمَع مَنْ تُوُفِّيَ عَام أُحُد فِي السَّنَة الثَّالِثَة مِنْ الْهِجْرَة ؟ وَلَكِنَّ هَذَا النَّقْل فِي وَفَاة أَبِي أُمَامَةَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ , فَإِنَّهُ صَحَّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَعْب أَنَّهُ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِم فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة , فَهَذَا تَصْرِيح بِسَمَاعِ عَبْد اللَّه بْن كَعْب التَّابِعِيّ مِنْهُ , فَبَطَلَ مَا قِيلَ فِي وَفَاته. وَلَوْ كَانَ مَا قِيلَ فِي وَفَاته صَحِيحًا لَمْ يُخَرِّج مُسْلِم حَدِيثه , وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْإِمَام أَبُو الْبَرَكَات الْجَزَرِيّ الْمَعْرُوف بِابْنِ الْأَثِير حَيْثُ أَنْكَرَ فِي كِتَابه مَعْرِفَة الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ هَذَا الْقَوْل فِي وَفَاته. وَاَللَّه أَعْلَم. وَفِيهِ ( وَإِنْ قَضِيب مِنْ أَرَاك ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْض الْأُصُول أَوْ أَكْثَرهَا وَفِي كَثِير مِنْهَا ( وَإِنْ قَضِيبًا ) عَلَى أَنَّهُ خَبَر كَانَ الْمَحْذُوفَة , أَوْ أَنَّهُ مَفْعُول لِفِعْلٍ مَحْذُوف تَقْدِيره وَإِنْ اِقْتَطَعَ قَضِيبًا. وَأَمَّا أَحْكَام الْبَاب فَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ اِقْتَطَعَ حَقّ اِمْرِئٍ مُسْلِم بِيَمِينِهِ إِلَى آخِره ) فِيهِ لَطِيفَة وَهِيَ أَنَّ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( حَقّ اِمْرِئٍ ) يَدْخُل فِيهِ مَنْ حَلَفَ عَلَى غَيْر مَال كَجِلْدِ الْمَيْتَة وَالسِّرْجِين وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ النَّجَاسَات الَّتِي يُنْتَفَع بِهَا , وَكَذَا سَائِر الْحُقُوق الَّتِي لَيْسَتْ بِمَالٍ كَحَدِّ الْقَذْف , وَنَصِيب الزَّوْجَة فِي الْقَسْم وَغَيْر ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّه تَعَالَى لَهُ النَّار وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّة ) فَفِيهِ الْجَوَابَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ الْمُتَكَرِّرَانِ فِي نَظَائِره أَحَدهمَا أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى الْمُسْتَحِلّ لِذَلِكَ إِذَا مَاتَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكْفُر وَيُخَلَّد فِي النَّار , وَالثَّانِي مَعْنَاهُ فَقَدْ اِسْتَحَقَّ النَّار , وَيَجُوز الْعَفْو عَنْهُ , وَقَدْ حَرُمَ عَلَيْهِ دُخُول الْجَنَّة أَوَّل وَهْلَة مَعَ الْفَائِزِينَ. وَأَمَّا تَقْيِيده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُسْلِمِ فَلَيْسَ يَدُلّ عَلَى عَدَم تَحْرِيم حَقّ الذِّمِّيّ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الْوَعِيد الشَّدِيد وَهُوَ أَنَّهُ يَلْقَى اللَّه تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان لِمَنْ اِقْتَطَعَ حَقّ الْمُسْلِم. وَأَمَّا الذِّمِّيّ فَاقْتِطَاع حَقّه حَرَام لَكِنْ لَيْسَ يَلْزَم أَنْ تَكُون فِيهِ هَذِهِ الْعُقُوبَة الْعَظِيمَة. هَذَا كُلّه عَلَى مَذْهَب مَنْ يَقُول بِالْمَفْهُومِ , وَأَمَّا مَنْ لَا يَقُول بِهِ فَلَا يَحْتَاج إِلَى تَأْوِيل. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه : تَخْصِيص الْمُسْلِم لِكَوْنِهِمْ الْمُخَاطَبِينَ وَعَامَّة الْمُتَعَامِلِينَ فِي الشَّرِيعَة , لَا أَنَّ غَيْر الْمُسْلِم بِخِلَافِهِ , بَلْ حُكْمه حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ. وَاَللَّه أَعْلَم. ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْعُقُوبَة لِمَنْ اِقْتَطَعَ حَقّ الْمُسْلِم وَمَاتَ قَبْل التَّوْبَة. أَمَّا مَنْ تَابَ فَنَدِمَ عَلَى فِعْله وَرَدَّ الْحَقّ إِلَى صَاحِبه وَتَحَلَّلَ مِنْهُ وَعَزَمَ عَلَى أَنْ لَا يَعُود فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْإِثْم وَاَللَّه أَعْلَم. وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلَالَة لِمَذْهَبِ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَالْجَمَاهِير أَنَّ حُكْم الْحَاكِم لَا يُبِيح لِلْإِنْسَانِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَة رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى. وَفِيهِ بَيَان غِلَظ تَحْرِيم حُقُوق الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ لَا فَرْق بَيْن قَلِيل الْحَقّ وَكَثِيره لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَإِنْ قَضِيب مِنْ أَرَاك ).



