المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (206)]
(صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (206)]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ ح و حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ قَدْ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الْآخَرَ حَدَّثَنَا أَنَّ الْأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ فَعَلِمُوا مِنْ الْقُرْآنِ وَعَلِمُوا مِنْ السُّنَّةِ ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِ الْأَمَانَةِ قَالَ يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْوَكْتِ ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ أَخَذَ حَصًى فَدَحْرَجَهُ عَلَى رِجْلِهِ فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ لَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ حَتَّى يُقَالَ إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا حَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ مَا أَجْلَدَهُ مَا أَظْرَفَهُ مَا أَعْقَلَهُ وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيَّكُمْ بَايَعْتُ لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ دِينُهُ وَلَئِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ وَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ لِأُبَايِعَ مِنْكُمْ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا و حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي وَوَكِيعٌ ح و حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ جَمِيعًا عَنْ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ
فِيهِ قَوْل حُذَيْفَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : ( حَدَّثَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ قَدْ رَأَيْت أَحَدهمَا وَأَنَا أَنْتَظِر الْآخَر إِلَى آخِره ) وَفِيهِ حَدِيث حُذَيْفَة الْآخَر فِي عَرْض الْفِتَن وَأَنَا أَذْكُر شَرْح لَفْظهمَا وَمَعْنَاهُمَا عَلَى تَرْتِيبهمَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى. فَأَمَّا الْحَدِيث الْأَوَّل فَقَالَ مُسْلِم : ( حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة وَوَكِيع قَالَ : وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَش عَنْ زَيْد بْن وَهْب عَنْ حُذَيْفَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ) هَذَا الْإِسْنَاد كُلّه كُوفِيُّونَ. وَحُذَيْفَة مَدَنِيّ كُوفِيّ وَقَوْله : عَنْ الْأَعْمَش عَنْ زَيْد , وَالْأَعْمَش مُدَلِّس وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُدَلِّس لَا يُحْتَجّ بِرِوَايَتِهِ إِذَا قَالَ : ( عَنْ ). وَجَوَابه مَا قَدَّمْنَاهُ مَرَّات فِي الْفُصُول وَغَيْرهَا أَنَّهُ ثَبَتَ سَمَاع الْأَعْمَش هَذَا الْحَدِيث مِنْ زَيْد مِنْ جِهَة أُخْرَى فَلَمْ يَضُرّهُ بَعْد هَذَا قَوْله فِيهِ ( عَنْ ) وَأَمَّا قَوْل حُذَيْفَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : حَدَّثَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ فَمَعْنَاهُ : حَدَّثَنَا حَدِيثَيْنِ فِي الْأَمَانَة , وَإِلَّا فَرِوَايَات حُذَيْفَة كَثِيرَة فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرهمَا. قَالَ صَاحِب التَّحْرِير : وَعَنَى بِأَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ : قَوْله : حَدَّثَنَا أَنَّ الْأَمَانَة نَزَلَتْ فِي جَذْر قُلُوب الرِّجَال , وَبِالثَّانِي قَوْله : ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِ الْأَمَانَة إِلَى آخِره. قَوْله : ( أَنَّ الْأَمَانَة نَزَلَتْ فِي جَذْر قُلُوب الرِّجَال ) أَمَّا ( الْجَذْر ) فَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيم وَكَسْرهَا لُغَتَانِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَة فِيهِمَا وَهُوَ الْأَصْل قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه : مَذْهَب الْأَصْمَعِيّ فِي هَذَا الْحَدِيث فَتْح الْجِيم وَأَبُو عَمْرو يَكْسِرهَا. وَأَمَّا الْأَمَانَة فَالظَّاهِر أَنَّ الْمُرَاد بِهَا التَّكْلِيف الَّذِي كَلَّفَ اللَّه تَعَالَى بِهِ عِبَاده وَالْعَهْد الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ. قَالَ الْإِمَام أَبُو الْحَسَن الْوَاحِدِيّ رَحِمَهُ اللَّه فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَة عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال } قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : هِيَ الْفَرَائِض الَّتِي اِفْتَرَضَهَا اللَّه تَعَالَى عَلَى الْعِبَاد. وَقَالَ الْحَسَن : هُوَ الدِّين , وَالدِّين كُلّه أَمَانَة. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة : الْأَمَانَة مَا أُمِرُوا بِهِ وَمَا نُهُوا عَنْهُ. وَقَالَ مُقَاتِل : الْأَمَانَة الطَّاعَة. قَالَ الْوَاحِدِيّ : وَهَذَا قَوْل أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ. قَالَ : فَالْأَمَانَة فِي قَوْل جَمِيعهمْ الطَّاعَة وَالْفَرَائِض الَّتِي يَتَعَلَّق بِأَدَائِهَا الثَّوَاب وَبِتَضْيِيعِهَا الْعِقَاب. وَاَللَّه أَعْلَم. وَقَالَ صَاحِب التَّحْرِير : الْأَمَانَة فِي الْحَدِيث هِيَ الْأَمَانَة الْمَذْكُورَة فِي قَوْله تَعَالَى : { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَة } وَهِيَ عَيْن الْإِيمَان فَإِذَا اِسْتَمْكَنَتْ الْأَمَانَة مِنْ قَلْب الْعَبْد قَامَ حِينَئِذٍ بِأَدَاءِ التَّكَالِيف , وَاغْتَنَمَ مَا يَرِد عَلَيْهِ مِنْهَا وَجَدَّ فِي إِقَامَتهَا وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَيَظَلّ أَثَرهَا مِثْل الْوَكْت ) فَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاو وَإِسْكَان الْكَاف وَبِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة مِنْ فَوْق وَهُوَ الْأَثَر الْيَسِير كَذَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ , وَقَالَ غَيْره : هُوَ سَوَاد يَسِير , وَقِيلَ : هُوَ لَوْن يَحْدُث مُخَالِفٌ لِلَّوْنِ الَّذِي كَانَ قَبْله. وَأَمَّا ( الْمَجْل ) فَبِفَتْحِ الْمِيم وَإِسْكَان الْجِيم وَفَتْحهَا لُغَتَانِ حَكَاهُمَا صَاحِب التَّحْرِير وَالْمَشْهُور الْإِسْكَان يُقَال مِنْهُ : ( مَجِلَتْ يَده بِكَسْرِ الْجِيم تَمْجَل بِفَتْحِهَا مَجَلًا بِفَتْحِهَا أَيْضًا وَمَجَلَتْ بِفَتْحِ الْجِيم تَمْجُل بِضَمِّهَا مَجْلًا بِإِسْكَانِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَأَمْجَلَهَا غَيْرهَا قَالَ أَهْل اللُّغَة وَالْغَرِيب : الْمَجْل هُوَ التَّنَفُّط الَّذِي يَصِير فِي الْيَد مِنْ الْعَمَل بِفَأْسٍ أَوْ نَحْوهَا وَيَصِير كَالْقُبَّةِ فِيهِ مَاء قَلِيل. وَأَمَّا قَوْله : ( كَجَمْرٍ دَحْرَجْته عَلَى رِجْلك فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْء ) فَالْجَمْر وَالدَّحْرَجَة مَعْرُوفَانِ وَنَفِطَ بِفَتْحِ النُّون وَكَسْر الْفَاء وَيُقَال تَنَفَّطَ بِمَعْنَاهُ وَمُنْتَبِرًا مُرْتَفِعًا. وَأَصْل هَذِهِ اللَّفْظَة الِارْتِفَاع , وَمِنْهُ الْمِنْبَر لِارْتِفَاعِهِ , وَارْتِفَاع الْخَطِيب عَلَيْهِ. وَقَوْله : نَفِطَ وَلَمْ يَقُلْ نَفِطَتْ مَعَ أَنَّ الرِّجْل مُؤَنَّثَة إِمَّا أَنْ يَكُون ذَكَّرَ نَفِطَ اِتِّبَاعًا لِلَّفْظِ الرِّجْل , وَإِمَّا أَنْ يَكُون إِتْبَاعًا لِمَعْنَى الرِّجْل وَهُوَ الْعُضْو. وَأَمَّا قَوْله : ( ثُمَّ أَخَذَ حَصًى فَدَحْرَجَهُ ) فَهَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَهُوَ ظَاهِر وَوَقَعَ فِي أَكْثَر الْأُصُول ( ثُمَّ أَخَذَ حَصَاة فَدَحْرَجَهُ ) بِإِفْرَادِ لَفْظ الْحَصَاة وَهُوَ صَحِيح أَيْضًا وَيَكُون مَعْنَاهُ دَحْرَجَ ذَلِكَ الْمَأْخُوذ أَوْ الشَّيْء وَهُوَ الْحَصَاة وَاَللَّه أَعْلَم. قَالَ صَاحِب التَّحْرِير : مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الْأَمَانَة تَزُول عَنْ الْقُلُوب شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِذَا زَالَ أَوَّل جُزْء مِنْهَا زَالَ نُورهَا وَخَلَفَتْهُ ظُلْمَة كَالْوَكْتِ وَهُوَ اِعْتِرَاض لَوْن مُخَالِف لِلَّوْنِ الَّذِي قَبْلَهُ فَإِذَا زَالَ شَيْء آخَر صَارَ كَالْمَجْلِ وَهُوَ أَثَر مُحْكَم لَا يَكَاد يَزُول إِلَّا بَعْدَ مُدَّة وَهَذِهِ الظُّلْمَة فَوْقَ الَّتِي قَبْلَهَا , ثُمَّ شَبَّهَ زَوَال ذَلِكَ النُّور بَعْدَ وُقُوعه فِي الْقَلْب وَخُرُوجه بَعْدَ اِسْتِقْرَاره فِيهِ وَاعْتِقَاب الظُّلْمَة إِيَّاهُ بِجَمْرٍ يُدَحْرِجهُ عَلَى رِجْله حَتَّى يُؤَثِّر فِيهَا ثُمَّ يَزُول الْجَمْر وَيَبْقَى التَّنَفُّط وَأَخْذه الْحَصَاة وَدَحْرَجَتِهِ إِيَّاهَا أَرَادَ بِهَا زِيَادَة الْبَيَان وَإِيضَاح الْمَذْكُور. وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا قَوْل حُذَيْفَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ( وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَان وَمَا أُبَالِي أَيّكُمْ بَايَعْت لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ دِينه , وَلَئِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيه , وَأَمَّا الْيَوْم فَمَا كُنْت لِأُبَايِعَ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا ) فَمَعْنَى الْمُبَايَعَة هُنَا الْبَيْع وَالشِّرَاء الْمَعْرُوفَانِ. وَمُرَاده أَنِّي كُنْت أَعْلَم أَنَّ الْأَمَانَة لَمْ تَرْتَفِع , وَأَنَّ فِي النَّاس وَفَاء بِالْعُهُودِ , فَكُنْت أُقْدِمُ عَلَى مُبَايَعَة مَنْ اِتَّفَقَ غَيْر بَاحِث عَنْ حَاله وُثُوقًا بِالنَّاسِ وَأَمَانَتهمْ ; فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَدِينه وَأَمَانَته تَمْنَعهُ مِنْ الْخِيَانَة وَتَحْمِلهُ عَلَى أَدَاء الْأَمَانَة , وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَسَاعِيه وَهُوَ الْوَالِي عَلَيْهِ كَانَ أَيْضًا يَقُوم بِالْأَمَانَةِ فِي وِلَايَته فَيَسْتَخْرِج حَقِّي مِنْهُ , وَأَمَّا الْيَوْم فَقَدْ ذَهَبَتْ الْأَمَانَة فَمَا بَقِيَ لِي وُثُوق بِمَنْ أُبَايِعهُ , وَلَا بِالسَّاعِي فِي أَدَائِهِمَا الْأَمَانَة , ( فَمَا أُبَايِع إِلَّا فُلَانًا ) وَفُلَانًا يَعْنِي أَفْرَادًا مِنْ النَّاس أَعْرِفهُمْ وَأَثِق بِهِمْ. قَالَ صَاحِب التَّحْرِير , وَالْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُمَا اللَّه : وَحَمَلَ بَعْض الْعُلَمَاء الْمُبَايَعَة هُنَا عَلَى بَيْعَة الْخِلَافَة وَغَيْرهَا مِنْ الْمُعَاقَدَة وَالتَّحَالُف فِي أُمُور الدِّين. قَالَا : وَهَذَا خَطَأ مِنْ قَائِله وَفِي هَذَا الْحَدِيث مَوَاضِع تُبْطِل قَوْله. مِنْهَا قَوْله : ( وَلَئِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا ) وَمَعْلُوم أَنَّ النَّصْرَانِيّ وَالْيَهُودِيّ لَا يُعَاقَد عَلَى شَيْء مِنْ أُمُور الدِّين. وَاَللَّه أَعْلَم.



