المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (232)]
(صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (232)]
و حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحَدِّثُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ قَالَ فِي حَدِيثِهِ فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجُئِثْتُ مِنْهُ فَرَقًا فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَدَثَّرُونِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } وَهِيَ الْأَوْثَانُ قَالَ ثُمَّ تَتَابَعَ الْوَحْيُ و حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ثُمَّ فَتَرَ الْوَحْيُ عَنِّي فَتْرَةً فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ يُونُسَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فَجُئِثْتُ مِنْهُ فَرَقًا حَتَّى هَوَيْتُ إِلَى الْأَرْضِ قَالَ و قَالَ أَبُو سَلَمَةَ وَالرُّجْزُ الْأَوْثَانُ قَالَ ثُمَّ حَمِيَ الْوَحْيُ بَعْدُ وَتَتَابَعَ و حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَ حَدِيثِ يُونُسَ وَقَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ إِلَى قَوْلِهِ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ وَهِيَ الْأَوْثَانُ وَقَالَ فَجُئِثْتُ مِنْهُ كَمَا قَالَ عُقَيْلٌ
قَوْله : ( أَنَّ جَابِر بْن عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) هَذَا نَوْع مِمَّا يَتَكَرَّر فِي الْحَدِيث يَنْبَغِي التَّنْبِيه عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ عَنْ جَابِر : وَكَانَ مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعْلُوم أَنَّ جَابِر بْن عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا مِنْ مَشْهُورِي الصَّحَابَة أَشَدّ شُهْرَة بَلْ هُوَ أَحَد السِّتَّة الَّذِينَ هُمْ أَكْثَر الصَّحَابَة رِوَايَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَوَابه أَنَّ بَعْض الرُّوَاة خَاطَبَ بِهِ مَنْ يَتَوَهَّم أَنَّهُ يَخْفَى عَلَيْهِ كَوْنه صَحَابِيًّا فَبَيَّنَهُ إِزَالَةً لِلْوَهْمِ وَاسْتَمَرَّتْ الرِّوَايَة بِهِ. فَإِنْ قِيلَ : فَهَؤُلَاءِ الرُّوَاة فِي هَذَا الْإِسْنَاد أَئِمَّة جِلَّة فَكَيْف يُتَوَهَّم خَفَاء صُحْبَة جَابِر فِي حَقّهمْ فَالْجَوَاب أَنَّ بَيَان هَذَا لِبَعْضِهِمْ كَانَ فِي حَالَة صِغَره قَبْل تَمَكُّنه وَمَعْرِفَته , ثُمَّ رَوَاهُ عِنْد كَمَاله كَمَا سَمِعَهُ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته فِي جَابِر يَتَكَرَّر مِثْله فِي كَثِيرِينَ مِنْ الصَّحَابَة وَجَوَابه كُلّه مَا ذَكَرْته. وَاَللَّه أَعْلَم. قَوْله : ( يُحَدِّث عَنْ فَتْرَة الْوَحْي ) يَعْنِي اِحْتِبَاسه , وَعَدَم تَتَابُعه وَتَوَالِيهِ فِي النُّزُول. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَإِذَا الْمَلَك الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءَ جَالِسًا ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُول ( جَالِسًا ) مَنْصُوب عَلَى الْحَال. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَجُئِثْتُ مِنْهُ ) رَوَاهُ مُسْلِم مِنْ رِوَايَة يُونُس وَعُقَيْل وَمَعْمَر ثُمَّ كُلّهمْ عَنْ اِبْن شِهَاب وَقَالَ فِي رِوَايَة يُونُس ( فَجُئِثْت ) بِجِيمٍ مَضْمُومَة , ثُمَّ هَمْزَة مَكْسُورَة , ثُمَّ ثَاء مُثَلَّثَة سَاكِنَة , ثُمَّ تَاء الضَّمِير. وَقَالَ فِي رِوَايَة عُقَيْل وَمَعْمَر : ( فَجُثِثْت ) بَعْد الْجِيم ثَاءَانِ مُثَلَّثَتَانِ هَكَذَا هُوَ الصَّوَاب فِي ضَبْط رِوَايَة الثَّلَاثَة. وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ ضُبِطَ عَلَى ثَلَاثَة أَوْجُه : مِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَ بِالْهَمْزَةِ فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة , وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِالثَّاءِ فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة. قَالَ الْقَاضِي : وَأَكْثَر الرُّوَاة لِلْكِتَابِ عَلَى أَنَّهُ بِالْهَمْزِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَهُمَا رِوَايَة يُونُس وَعُقَيْل وَبِالثَّاءِ فِي الْمَوْضِع الثَّالِث وَهِيَ رِوَايَة مَعْمَر. وَهَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي نَقَلَهَا الْقَاضِي كُلّهَا خَطَأ ظَاهِر فَإِنَّ مُسْلِمًا رَحِمَهُ اللَّه قَالَ فِي رِوَايَة عُقَيْل : ( ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيث يُونُس غَيْر أَنَّهُ قَالَ فَجُثِثْت مِنْهُ فَرَقًا ) ثُمَّ قَالَ مُسْلِم فِي رِوَايَة مَعْمَر أَنَّهَا نَحْو حَدِيث يُونُس إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : ( فَجُثِثْت مِنْهُ ). كَمَا قَالَ عُقَيْل. فَهَذَا تَصْرِيح مِنْ مُسْلِم بِأَنَّ رِوَايَة مَعْمَر وَعُقَيْل مُتَّفِقَتَانِ فِي هَذِهِ اللَّفْظَة , وَأَنَّهُمَا مُخَالِفَتَانِ لِرِوَايَةِ يُونُس فِيهَا. فَبَطَلَ بِذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : الثَّلَاثَة بِالثَّاءِ أَوْ بِالْهَمْزَةِ , وَبَطَلَ أَيْضًا قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ رِوَايَة يُونُس وَعُقَيْل مُتَّفِقَة , وَرِوَايَة مَعْمَر مُخَالِفَة لِرِوَايَةِ عُقَيْل وَهَذَا ظَاهِر لَا خَفَاء بِهِ وَلَا شَكّ فِيهِ وَاَللَّه أَعْلَم. وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِب الْمَطَالِع أَيْضًا رِوَايَات أُخَر بَاطِلَة مُصَحَّفَة تَرَكْت حِكَايَتهَا لِظُهُورِ بُطْلَانهَا. وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا مَعْنَى هَذِهِ اللَّفْظَة فَالرِّوَايَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد أَعْنِي رِوَايَة الْهَمْز وَرِوَايَة الثَّاء وَمَعْنَاهَا : فَزِعْت وَرُعِبْت. وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ : ( فَرُعِبْت ). قَالَ أَهْل اللُّغَة : جُئِثَ الرَّجُل إِذَا فَزِعَ فَهُوَ مَجْئُوث قَالَ الْخَلِيل وَالْكِسَائِيّ : جُئِثَ وَجُثَّ فَهُوَ مَجْؤُوث وَمَجْثُوث أَيْ مَذْعُور فَزِع وَاَللَّه أَعْلَم. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَوَيْت إِلَى الْأَرْض ) هَكَذَا فِي الرِّوَايَة ( هَوَيْت ) وَهُوَ صَحِيح يُقَال هَوَى إِلَى الْأَرْض , وَأَهْوَى إِلَيْهَا لُغَتَانِ أَيْ سَقَطَ. وَقَدْ غَلِطَ وَجَهِلَ مَنْ أَنْكَرَ ( هَوَى ) وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يُقَال إِلَّا أَهْوَى. وَاَللَّه أَعْلَم. قَوْله : ( ثُمَّ حَمِيَ الْوَحْي وَتَتَابَعَ ) هُمَا بِمَعْنًى. فَأُكِّدَ أَحَدهمَا بِالْآخَرِ. وَمَعْنَى ( حَمِيَ ) كَثُرَ نُزُوله وَازْدَادَ مِنْ قَوْلهمْ حَمِيَتْ النَّار وَالشَّمْس أَيْ قَوِيَتْ حَرَارَتهَا.



