المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (233)]
(صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (233)]
و حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُولُ سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ قَبْلُ قَالَ { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ } فَقُلْتُ أَوْ اقْرَأْ فَقَالَ سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ قَبْلُ قَالَ { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ } فَقُلْتُ أَوْ اقْرَأْ قَالَ جَابِرٌ أُحَدِّثُكُمْ مَا حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ شَهْرًا فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ الْوَادِي فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا ثُمَّ نُودِيتُ فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا ثُمَّ نُودِيتُ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ فِي الْهَوَاءِ يَعْنِي جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام فَأَخَذَتْنِي رَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ دَثِّرُونِي فَدَثَّرُونِي فَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى عَرْشٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ
قَوْله : إِنَّ أَوَّل مَا أُنْزِلَ قَوْله تَعَالَى { يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر } ضَعِيف بَلْ بَاطِل وَالصَّوَاب أَنَّ أَوَّل مَا أَنْزَلَ عَلَى الْإِطْلَاق { اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبّك } كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا. وَأَمَّا { يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر } فَكَانَ نُزُولهَا بَعْد فَتْرَة الْوَحْي كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ جَابِر. وَالدَّلَالَة صَرِيحَة فِيهِ فِي مَوَاضِع مِنْهَا قَوْله : ( وَهُوَ يُحَدِّث عَنْ فَتْرَة الْوَحْي إِلَى أَنْ قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر } وَمِنْهَا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "" فَإِذَا الْمَلَك الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءَ "". ثُمَّ قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى { يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر } وَمِنْهَا قَوْله : "" ثُمَّ تَتَابَعَ الْوَحْي "" يَعْنِي بَعْد فَتْرَته. فَالصَّوَاب أَنَّ أَوَّل مَا نَزَلَ { اِقْرَأْ } وَأَنَّ أَوَّل مَا نَزَلَ بَعْد فَتْرَة الْوَحْي { يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر } وَأَمَّا قَوْل مَنْ قَالَ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ : أَوَّل مَا نَزَلَ الْفَاتِحَة فَبُطْلَانه أَظْهَر مِنْ أَنْ يُذْكَر وَاَللَّه أَعْلَم. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَاسْتَبْطَنْت الْوَادِي ) أَيْ صِرْت فِي بَاطِنه. وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام : ( فَإِذَا هُوَ عَلَى الْعَرْش فِي الْهَوَاء ) الْمُرَاد بِالْعَرْشِ الْكُرْسِيّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَلَى كُرْسِيّ بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض. قَالَ أَهْل اللُّغَة : الْعَرْش هُوَ السَّرِير , وَقِيلَ : سَرِير الْمَلِك. قَالَ اللَّه تَعَالَى : { وَلَهَا عَرْش عَظِيم } وَالْهَوَاء هُنَا مَمْدُود يُكْتَب بِالْأَلِفِ وَهُوَ الْجَوُّ بَيْنَ السَّمَاء وَالْأَرْض كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَالْهَوَاء الْخَالِي قَالَ اللَّه تَعَالَى { وَأَفْئِدَتهمْ هَوَاء }. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَأَخَذَتْنِي رَجْفَة شَدِيدَة ) هَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَات الْمَشْهُورَة ( رَجْفَة ) بِالرَّاءِ : قَالَ الْقَاضِي : وَرَوَاهُ السَّمَرْقَنْدِيّ ( وَجْفَة ) بِالْوَاوِ وَهُمَا صَحِيحَانِ مُتَقَارِبَانِ وَمَعْنَاهُمَا الِاضْطِرَاب. قَالَ اللَّه تَعَالَى : { قُلُوب يَوْمَئِذٍ وَاجِفَة } وَقَالَ تَعَالَى { يَوْمَ تَرْجُف الرَّاجِفَة } { وَيَوْم تَرْجُف الْأَرْض وَالْجِبَال }. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَصَبُّوا عَلَيَّ مَاء ) فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَبّ عَلَى الْفَزِع الْمَاء لِيَسْكُنَ فَزَعه وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا تَفْسِير قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر } فَقَالَ الْعُلَمَاء الْمُدَّثِّر وَالْمُزَّمِّل وَالْمُتَلَفِّف وَالْمُشْتَمِل بِمَعْنًى وَاحِد. ثُمَّ الْجُمْهُور عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ الْمُدَّثِّر بِثِيَابِهِ. وَحَكَى الْمَاوَرْدِيّ قَوْلًا عَنْ عِكْرِمَة أَنَّ مَعْنَاهُ الْمُدَّثِّر بِالنُّبُوَّةِ وَأَعْبَائِهَا وَقَوْله تَعَالَى { قُمْ فَأَنْذِرْ } مَعْنَاهُ حَذِّرْ الْعَذَاب مَنْ لَمْ يُؤْمِن { وَرَبّك فَكَبِّرْ } أَيْ عَظِّمْهُ وَنَزِّهْهُ عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ { وَثِيَابك فَطَهِّرْ } قِيلَ : مَعْنَاهُ طَهِّرْهَا مِنْ النَّجَاسَة , وَقِيلَ : قَصِّرْهَا. وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالثِّيَابِ النَّفْس أَيْ طَهِّرْهَا مِنْ الذَّنْب وَسَائِر النَّقَائِص { وَالرِّجْز } بِكَسْرِ الرَّاء فِي قِرَاءَة الْأَكْثَرِينَ , وَقَرَأَ حَفْص بِضَمِّهَا وَفَسَّرَهُ فِي الْكِتَاب بِالْأَوْثَانِ ( رِجْزًا ) لِأَنَّهُ سَبَب الْعَذَاب. وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالرِّجْزِ فِي الْآيَة الشِّرْك. وَقِيلَ : الذَّنْب , وَقِيلَ : الظُّلْم. وَاَللَّه أَعْلَم.



