المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (241)]
(صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (241)]
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَسُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ قَالَا حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِوَادِي الْأَزْرَقِ فَقَالَ أَيُّ وَادٍ هَذَا فَقَالُوا هَذَا وَادِي الْأَزْرَقِ قَالَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام هَابِطًا مِنْ الثَّنِيَّةِ وَلَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللَّهِ بِالتَّلْبِيَةِ ثُمَّ أَتَى عَلَى ثَنِيَّةِ هَرْشَى فَقَالَ أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ قَالُوا ثَنِيَّةُ هَرْشَى قَالَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى عَلَيْهِ السَّلَام عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ جَعْدَةٍ عَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ خِطَامُ نَاقَتِهِ خُلْبَةٌ وَهُوَ يُلَبِّي قَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ فِي حَدِيثِهِ قَالَ هُشَيْمٌ يَعْنِي لِيفًا
قَوْله : ( حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَنْبَل وَسُرَيْج بْن يُونُس ) هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَة وَالْجِيم. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَأَنِّي أَنْظُر إِلَى مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَابِطًا مِنْ الثَّنِيَّة وَلَهُ جُؤَار إِلَى اللَّه تَعَالَى بِالتَّلْبِيَةِ ) ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يُونُس بْن مَتَّى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( رَأَيْته وَهُوَ يُلَبِّي ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه : أَكْثَر الرِّوَايَات فِي وَصْفهمْ تَدُلّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى ذَلِكَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَة أَبِي الْعَالِيَة عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَفِي رِوَايَة اِبْن الْمُسَيَّب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْر التَّلْبِيَة. قَالَ : فَإِنْ قِيلَ كَيْف يَحُجُّونَ وَيُلَبُّونَ وَهُمْ أَمْوَات وَهُمْ فِي الدَّار الْآخِرَة وَلَيْسَتْ دَار عَمَل فَاعْلَمْ أَنَّ لِلْمَشَايِخِ وَفِيمَا ظَهَرَ لَنَا عَنْ هَذَا أَجْوِبَة : أَحَدهَا أَنَّهُمْ كَالشُّهَدَاءِ بَلْ هُمْ أَفْضَل مِنْهُمْ وَالشُّهَدَاء أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ فَلَا يَبْعُد أَنْ يَحُجُّوا وَيُصَلُّوا كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيث الْآخَر وَأَنْ يَتَقَرَّبُوا إِلَى اللَّه تَعَالَى بِمَا اِسْتَطَاعُوا لِأَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا قَدْ تُوُفُّوا فَهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي هِيَ دَار الْعَمَل حَتَّى إِذَا فَنِيَتْ مُدَّتهَا وَتَعَقَّبَتْهَا الْآخِرَة الَّتِي هِيَ دَار الْجَزَاء اِنْقَطَعَ الْعَمَل. الْوَجْه الثَّانِي أَنَّ عَمَل الْآخِرَة ذِكْر وَدُعَاء قَالَ اللَّه تَعَالَى { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانك اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَام }. الْوَجْه الثَّالِث أَنْ تَكُون هَذِهِ رُؤْيَة مَنَام فِي غَيْر لَيْلَة الْإِسْرَاء أَوْ فِي بَعْض لَيْلَة الْإِسْرَاء كَمَا قَالَ فِي رِوَايَة اِبْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا "" بَيْنَا أَنَا نَائِم رَأَيْتنِي أَطُوف الْكَعْبَة "" وَذَكَرَ الْحَدِيث فِي قِصَّة عِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الْوَجْه الرَّابِع أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ أَحْوَالهمْ الَّتِي كَانَتْ فِي حَيَاتهمْ وَمَثَلُوا لَهُ فِي حَال حَيَاتهمْ كَيْف كَانُوا وَكَيْف حَجّهمْ وَتَلْبِيَتهمْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَأَنِّي أَنْظُر إِلَى مُوسَى , وَكَأَنِّي أَنْظُر إِلَى عِيسَى , وَكَأَنِّي أَنْظُر إِلَى يُونُس عَلَيْهِمْ السَّلَام. الْوَجْه الْخَامِس أَنْ يَكُون أَخْبَرَ عَمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْرهمْ وَمَا كَانَ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَرَهُمْ رُؤْيَة عَيْن. هَذَا آخِر كَلَام الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه. وَاَللَّه أَعْلَم. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَهُ جُؤَار ) بِضَمِّ الْجِيم وَبِالْهَمْزِ وَهُوَ رَفْع الصَّوْت. قَوْله : ( ثَنِيَّة هَرْشَى ) هِيَ بِفَتْحِ الْهَاء وَإِسْكَان الرَّاء وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَة مَقْصُورَة الْأَلِف وَهُوَ جَبَل عَلَى طَرِيق الشَّام وَالْمَدِينَة قَرِيب مِنْ الْجُحْفَة. قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَلَى نَاقَة حَمْرَاء جَعْدَة عَلَيْهِ جُبَّة مِنْ صُوف خِطَام نَاقَته خُلْبَة قَالَ هُشَيْمٌ : يَعْنِي لِيفًا ) أَمَّا ( الْجَعْدَة ) فَهِيَ مُكْتَنِزَة اللَّحْم كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَأَمَّا ( الْخِطَام ) بِكَسْرِ الْخَاء فَهُوَ الْحَبْل الَّذِي يُقَاد بِهِ الْبَعِير يُجْعَل عَلَى خَطْمه وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه وَاضِحًا فِي أَوَّل كِتَاب الْإِيمَان. وَأَمَّا ( الْخُلْبَة ) فَبِضَمِّ الْخَاء الْمُعْجَمَة وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة بَيْنَهُمَا لَام فِيهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الضَّمّ وَالْإِسْكَان حَكَاهُمَا اِبْن السِّكِّيت وَالْجَوْهَرِيّ وَآخَرُونَ. وَكَذَلِكَ الْخُلْب وَالْخِلْب وَهُوَ اللِّيف كَمَا فَسَّرَهُ هُشَيْمٌ وَاَللَّه أَعْلَم.


