المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (42)]
(صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (42)]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَبَكَيْتُ فَقَالَ مَهْلًا لِمَ تَبْكِي فَوَاللَّهِ لَئِنْ اسْتُشْهِدْتُ لَأَشْهَدَنَّ لَكَ وَلَئِنْ شُفِّعْتُ لَأَشْفَعَنَّ لَكَ وَلَئِنْ اسْتَطَعْتُ لَأَنْفَعَنَّكَ ثُمَّ قَالَ وَاللَّهِ مَا مِنْ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكُمْ فِيهِ خَيْرٌ إِلَّا حَدَّثْتُكُمُوهُ إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا وَسَوْفَ أُحَدِّثُكُمُوهُ الْيَوْمَ وَقَدْ أُحِيطَ بِنَفْسِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ
قَوْله : ( عَنْ اِبْن عَجْلَانَ عَنْ مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن حَبَّانَ عَنْ اِبْن مُحَيْرِيزٍ عَنْ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْن الصَّامِت رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : دَخَلْت عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَوْت فَبَكَيْت فَقَالَ : مَهْلًا ) أَمَّا ( اِبْن عَجْلَان ) بِفَتْحِ الْعَيْن فَهُوَ الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَجْلَان الْمَدَنِيُّ مَوْلَى فَاطِمَة بِنْت الْوَلِيد بْن عُتْبَةَ بْن رَبِيعَة كَانَ عَابِدًا فَقِيهًا وَكَانَ لَهُ حَلْقَة فِي مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُفْتِي. وَهُوَ تَابِعِيٌّ أَدْرَكَ أَنَسًا وَأَبَا الطُّفَيْل. قَالَهُ أَبُو نُعَيْم رَوَى عَنْ أَنَس وَالتَّابِعِينَ. وَمِنْ طُرَف أَخْبَاره أَنَّهُ حَمَلَتْ بِهِ أُمّه أَكْثَر مِنْ ثَلَاث سِنِينَ. وَقَدْ قَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمَد فِي كِتَاب الْكُنَى : مُحَمَّد بْن عَجْلَان يُعَدُّ فِي التَّابِعِينَ لَيْسَ هُوَ بِالْحَافِظِ عِنْده. وَوَثَّقَهُ غَيْره. وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِم هُنَا مُتَابَعَة. قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَذْكُر لَهُ فِي الْأُصُول شَيْئًا. وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا ( حَبَّانُ ) فَبِفَتْحِ الْحَاء وَبِالْمُوَحَّدَةِ. وَمُحَمَّد بْن يَحْيَى هَذَا تَابِعِيٌّ سَمِعَ أَنَس بْن مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ. وَأَمَّا ( اِبْن مُحَيْرِيزٍ ) فَهُوَ عَبْد اللَّه بْن مُحَيْرِيزٍ بْن جُنَادَةَ بْن وَهْب الْقُرَشِيُّ الْجُمَحِيُّ مِنْ أَنْفُسهمْ الْمَكِّيُّ أَبُو عَبْد اللَّه التَّابِعِيّ الْجَلِيل. سَمِعَ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة مِنْهُمْ عُبَادَةُ بْن الصَّامِت وَأَبُو مَحْذُورَة وَأَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ وَغَيْرهمْ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ. سَكَنَ بَيْت الْمَقْدِس. قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : مَنْ كَانَ مُقْتَدِيًا فَلْيَقْتَدِ بِمِثْلِ اِبْن مُحَيْرِيزٍ ; فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيُضِلّ أُمَّة فِيهَا مِثْل اِبْن مُحَيْرِيزٍ. وَقَالَ رَجَاء بْن حَيْوَةَ بَعْد مَوْت اِبْنِ مُحَيْرِيزٍ : وَاَللَّه إِنْ كُنْت لَأَعُدّ بَقَاء اِبْن مُحَيْرِيزٍ أَمَانًا لِأَهْلِ الْأَرْض. وَأَمَّا ( الصُّنَابِحِيُّ ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَة فَهُوَ أَبُو عَبْد اللَّه عَبْد الرَّحْمَن بْن عُسَيْلَة بِضَمِّ الْعَيْن وَفَتْح السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ الْمُرَادِيُّ. وَالصُّنَابِح بَطْن مِنْ مُرَاد وَهُوَ تَابِعِيّ جَلِيل رَحَلَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُبِضَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الطَّرِيق وَهُوَ بِالْجُحْفَةِ قَبْل أَنْ يَصِل بِخَمْسِ لَيَالٍ أَوْ سِتٍّ. فَسَمِعَ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق وَخَلَائِق مِنْ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. وَقَدْ يُشْتَبَه عَلَى غَيْر الْمُشْتَغِل بِالْحَدِيثِ الصُّنَابِحِيّ هَذَا بِالصُّنَابِحِ اِبْن الْأَعْسَر الصَّحَابِيِّ - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - وَاَللَّه أَعْلَم. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْإِسْنَاد فِيهِ لَطِيفَة مُسْتَطْرَفَة مِنْ لَطَائِف الْإِسْنَاد وَهِيَ أَنَّهُ اِجْتَمَعَ فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ يَرْوِي بَعْضهمْ عَنْ بَعْض : اِبْن عَجْلَان , وَابْن حَبَّانَ , وَابْن مُحَيْرِيزٍ , وَالصُّنَابِحِيُّ. وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا قَوْله : ( عَنْ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ عُبَادَةَ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْت عَلَيْهِ ) فَهَذَا كَثِير يَقَع مِثْله وَفِيهِ صَنْعَة حَسَنَة وَتَقْدِيره عَنْ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ عُبَادَةَ بِحَدِيثٍ قَالَ فِيهِ : دَخَلْت عَلَيْهِ وَمِثْله مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كِتَاب الْإِيمَان فِي حَدِيث "" ثَلَاث يُؤْتَوْنَ أَجْرهمْ مَرَّتَيْنِ "" قَالَ مُسْلِم رَحِمَهُ اللَّه : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن يَحْيَى قَالَ : أَنَا هُشَيْم عَنْ صَالِح بْن صَالِح عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ : رَأَيْت رَجُلًا سَأَلَ الشَّعْبِيَّ فَقَالَ يَا أَبَا عَمْرو إِنَّ مِنْ قِبَلِنَا مِنْ أَهْل خُرَاسَان نَاسٌ يَقُولُونَ كَذَا , فَقَالَ الشَّعْبِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَة عَنْ أَبِيهِ. فَهَذَا الْحَدِيث مِنْ النَّوْع الَّذِي نَحْنُ فِيهِ فَتَقْدِيره قَالَ هُشَيْم حَدَّثَنِي صَالِح عَنْ الشَّعْبِيِّ بِحَدِيثٍ قَالَ فِيهِ صَالِح : رَأَيْت رَجُلًا سَأَلَ الشَّعْبِيَّ. وَنَظَائِر هَذَا كَثِيرَة سَنُنَبِّهُ عَلَى كَثِير مِنْهَا فِي مَوَاضِعهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى. وَاَللَّه أَعْلَم. وَقَوْله : ( مَهْلًا ) هُوَ بِإِسْكَانِ الْهَاء وَمَعْنَاهُ أَنْظِرْنِي. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : يُقَال مَهْلًا يَا رَجُل بِالسُّكُونِ وَكَذَلِكَ لِلِاثْنَيْنِ وَالْجَمْع وَالْمُؤَنَّث وَهِيَ مُوَحَّدَة بِمَعْنَى أَمْهِلْ. فَإِذَا قِيلَ لَك مَهْلًا قُلْت : لَا مَهْلَ وَاَللَّه. وَلَا تَقُلْ : لَا مَهْلًا. وَتَقُول : مَا مَهْل وَاَللَّه بِمُغْنِيَةٍ عَنْك شَيْئًا. وَاَللَّه أَعْلَم. قَوْله : ( مَا مِنْ حَدِيث لَكُمْ فِيهِ خَيْر إِلَّا وَقَدْ حَدَّثْتُكُمُوهُ ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ اللَّه : فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ كَتَمَ مَا خَشِيَ الضَّرَر فِيهِ وَالْفِتْنَة مِمَّا لَا يَحْتَمِلهُ عَقْل كُلّ وَاحِد , وَذَلِكَ فِيمَا لَيْسَ تَحْته عَمَل , وَلَا فِيهِ حَدٌّ مِنْ حُدُود الشَّرِيعَة. قَالَ : وَمِثْل هَذَا عَنْ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ كَثِير فِي تَرْكِ الْحَدِيث بِمَا لَيْسَ تَحْته عَمَل , وَلَا تَدْعُو إِلَيْهِ ضَرُورَة , أَوْ لَا تَحْمِلهُ عُقُول الْعَامَّة , أَوْ خُشِيَتْ مَضَرَّتُهُ عَلَى قَائِله أَوْ سَامِعه لَا سِيَّمَا مَا يَتَعَلَّق بِأَخْبَارِ الْمُنَافِقِينَ وَالْإِمَارَة وَتَعْيِين قَوْم وُصِفُوا بِأَوْصَافٍ غَيْر مُسْتَحْسَنَة وَذَمّ آخَرِينَ وَلَعْنِهِمْ. وَاَللَّه أَعْلَم. قَوْله : ( وَقَدْ أُحِيط بِنَفْسِي ) مَعْنَاهُ قَرُبْت مِنْ الْمَوْت وَأَيِسْت مِنْ النَّجَاة وَالْحَيَاة. قَالَ صَاحِب ( التَّحْرِير ) أَصْل الْكَلِمَة فِي الرَّجُل يَجْتَمِع عَلَيْهِ أَعْدَاؤُهُ فَيَقْصِدُونَهُ فَيَأْخُذُونَ عَلَيْهِ جَمِيع الْجَوَانِب بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لَهُ فِي الْخَلَاص مَطْمَع فَيُقَال أَحَاطُوا بِهِ أَيْ أَطَافُوا بِهِ مِنْ جَوَانِبه وَمَقْصُوده قَرُبَ مَوْتِي وَاَللَّه أَعْلَم.



