المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (سنن الترمذي) - [الحديث رقم: (8)]
(سنن الترمذي) - [الحديث رقم: (8)]
 حَدَّثَنَا  سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ  حَدَّثَنَا  سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ  عَنْ  الزُّهْرِيِّ  عَنْ  عَطَاءَ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ  عَنْ  أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ  قَالَ  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  إِذَا أَتَيْتُمْ  الْغَائِطَ  فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ  بِغَائِطٍ  وَلَا بَوْلٍ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا  قَالَ  أَبُو أَيُّوبَ  فَقَدِمْنَا  الشَّامَ  فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ مُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ  قَالَ  أَبُو عِيسَى  وَفِي  الْبَاب  عَنْ  عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ  وَمَعْقِلِ بْنِ أَبِي الْهَيْثَمِ  وَيُقَالُ  مَعْقِلُ بْنُ أَبِي مَعْقِلٍ  وَأَبِي أُمَامَةَ  وَأَبِي هُرَيْرَةَ  وَسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ  قَالَ  أَبُو عِيسَى  حَدِيثُ  أَبِي أَيُّوبَ  أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّ  وَأَبُو أَيُّوبَ  اسْمُهُ  خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ  وَالزُّهْرِيُّ  اسْمُهُ  مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ  وَكُنْيَتُهُ  أَبُو بَكْرٍ  قَالَ  أَبُو الْوَلِيدِ الْمَكِّيُّ  قَالَ  أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ  إِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ  بِغَائِطٍ  وَلَا بِبَوْلٍ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا إِنَّمَا هَذَا فِي  الْفَيَافِي  وَأَمَّا فِي  الْكُنُفِ  الْمَبْنِيَّةِ لَهُ رُخْصَةٌ فِي أَنْ يَسْتَقْبِلَهَا  وَهَكَذَا  قَالَ  إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ  و قَالَ  أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ  رَحِمَهُ اللَّهُ  إِنَّمَا الرُّخْصَةُ مِنْ النَّبِيِّ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فِي  اسْتِدْبَارِ  الْقِبْلَةِ  بِغَائِطٍ  أَوْ بَوْلٍ وَأَمَّا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فَلَا يَسْتَقْبِلُهَا كَأَنَّهُ لَمْ يَرَ فِي الصَّحْرَاءِ وَلَا فِي  الْكُنُفِ  أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ 
 قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ )  اِبْنُ حَسَّانٍ الْمَكِّيُّ الْقُرَشِيُّ رَوَى عَنْ اِبْنِ عُيَيْنَةَ وَالْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ الْعَلَوِيِّ , وَعَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَوَثَّقَهُ , مَاتَ سَنَةَ 249 تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ.  قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ )  بْنُ أَبِي عِمْرَانَ مَيْمُونٌ الْهِلَالِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ ثُمَّ الْمَكِّيُّ , ثِقَةٌ حَافِظٌ فَقِيهٌ إِمَامٌ حُجَّةٌ إِلَّا أَنَّهُ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ بِآخَرَ , وَكَانَ رُبَّمَا دَلَّسَ لَكِنْ عَنْ الثِّقَاتِ مِنْ رُءُوسِ الطَّبَقَةِ الثَّامِنَةِ , وَكَانَ أَثْبَتَ النَّاسِ فِي عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ  ( عَنْ الزُّهْرِيِّ )  يَأْتِي اِسْمُهُ وَتَرْجَمَتُهُ فِي هَذَا الْبَابِ  ( عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ )  الْمَدَنِيِّ نَزِيلِ الشَّامِ , ثِقَةٌ مِنْ الثَّالِثَةِ  ( عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ )  يَأْتِي اِسْمُهُ وَتَرْجَمَتُهُ.  قَوْلُهُ : ( إِذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ )  أَيْ فِي مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ , وَالْغَائِطُ فِي الْأَصْلِ الْمُطْمَئِنُّ مِنْ الْأَرْضِ , ثُمَّ صَارَ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَكَانٍ أُعِدَّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ , وَعَلَى النَّجْوِ نَفْسِهِ , أَيْ الْخَارِجِ مِنْ الدُّبُرِ , قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَصْلُهُ الْمُطْمَئِنُّ مِنْ الْأَرْضِ كَانُوا يَأْتُونَهُ لِلْحَاجَةِ فَكَنَّوْا بِهِ عَنْ نَفْسِ الْحَدَثِ كَرَاهَةً لِذِكْرِهِ بِخَاصِّ اِسْمِهِ , وَمِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ التَّعَفُّفُ فِي أَلْفَاظِهَا وَاسْتِعْمَالُ الْكِنَايَةِ فِي كَلَامِهَا وَصَوْنُ الْأَلْسِنَةِ عَمَّا تُصَانُ الْأَبْصَارُ وَالْأَسْمَاعُ عَنْهُ  ( فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ )  أَيْ جِهَةَ الْكَعْبَةِ  ( بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ )  الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ وَهُوَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ لَا تَسْتَقْبِلُوا أَيْ لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ حَالَ كَوْنِكُمْ مُقْتَرِنِينَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ , قَالَ السُّيُوطِيُّ : قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَصْلُ الْغَائِطِ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ كَانُوا يَأْتُونَهُ لِلْحَاجَةِ فَكَنَّوْا بِهِ عَنْ نَفْسِ الْحَدَثِ كَرَاهَةً لِاسْمِهِ , قَالَ. وَقَدْ اِجْتَمَعَ الْأَمْرَانِ فِي الْحَدِيثِ , فَالْمُرَادُ بِالْغَائِطِ فِي أَوَّلِهِ الْمَكَانُ وَفِي آخِرِهِ الْخَارِجُ , قَالَ اِبْنُ الْعَرَبِيِّ : غَلَبَ هَذَا الِاسْمُ عَلَى الْحَاجَةِ حَتَّى صَارَ فِيهَا أَعْرَفَ مِنْهُ فِي مَكَانِهَا , وَهُوَ أَحَدُ قِسْمَيْ الْمَجَازِ اِنْتَهَى كَلَامُ السُّيُوطِيِّ.  ( لَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا )  أَيْ تَوَجَّهُوا إِلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ , هَذَا خِطَابٌ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ قِبْلَتُهُ عَلَى ذَلِكَ السَّمْتِ مِمَّنْ هُوَ فِي جِهَةِ الشِّمَالِ وَالْجَنُوبِ ; فَأَمَّا مَنْ قِبْلَتُهُ الْغَرْبُ أَوْ الشَّرْقُ فَإِنَّهُ يَنْحَرِفُ إِلَى الْجَنُوبِ أَوْ الشِّمَالِ , كَذَا فِي الْمَجْمَعِ وَشَرْحِ السُّنَّةِ  ( فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ )  بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ مِرْحَاضٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ , وَهُوَ الْبَيْتُ الْمُتَّخَذُ لِقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ , أَيْ التَّغَوُّطِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ , وَقَالَ اِبْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَرَاحِيضُ وَاحِدُهَا مِرْحَاضٌ مِفْعَالٌ مِنْ رَحَضَ إِذَا غَسَلَ يُقَالُ ثَوْبٌ رَحِيضٌ أَيْ غَسِيلٌ , وَالرُّحَضَاءُ عَرَقُ الْحُمَّى وَالرَّحْضَةُ إِنَاءٌ يُتَوَضَّأُ بِهِ اِنْتَهَى.  ( فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا )  أَيْ عَنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ  ( وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ )  قَالَ اِبْنُ الْعَرَبِيِّ يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ وُجُوهٍ : الْأَوَّلَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ مِنْ الِاسْتِقْبَالِ الثَّانِيَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ مِنْ ذُنُوبِهِ , فَالذَّنْبُ يُذْكَرُ بِالذَّنْبِ , الثَّالِثَ أَنْ نَسْتَغْفِرَ اللَّهَ لِمَنْ بَنَاهَا فَإِنَّ الِاسْتِغْفَارَ لِلْمُذْنِبِينَ سُنَّةٌ , وَقَالَ اِبْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : قَوْلُهُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ قِيلَ يُرَادُ بِهِ لِبَانِي الْكَنِيفِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ الْمَمْنُوعَةِ عِنْدَهُ , وَإِنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ إِذَا اِنْحَرَفَ عَنْهَا لَمْ يَفْعَلْ مَمْنُوعًا فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ اِسْتِغْفَارٌ لِنَفْسِهِ , وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اِسْتَقْبَلَ وَاسْتَدْبَرَ بِسَبَبِ مُوَافَقَتِهِ لِمُقْتَضَى النَّهْيِ غَلَطًا أَوْ سَهْوًا فَيَتَذَكَّرُ فَيَنْحَرِفُ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ , فَإِنْ قُلْت فَالْغَالِطُ وَالسَّاهِي لَمْ يَفْعَلَا إِثْمًا فَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ , قُلْت أَهْلُ الْوَرَعِ وَالْمَنَاصِبِ الْعَلِيَّةِ فِي التَّقْوَى قَدْ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذَا بِنَاءً عَلَى نِسْبَتِهِمْ التَّقْصِيرَ إِلَى أَنْفُسِهِمْ فِي عَدَمِ التَّحَفُّظِ اِبْتِدَاءً. اِنْتَهَى كَلَامُ اِبْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ.  قَالَ صَاحِبُ بَذْلِ الْمَجْهُودِ : يَعْنِي كُنَّا نَجْلِسُ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ نِسْيَانًا عَلَى وَفْقِ بِنَاءِ الْمَرَاحِيضِ , ثُمَّ نَنْتَبِهُ عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ الْمَكْرُوهَةِ فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى عَنْهَا وَتَأْوِيلُ الِاسْتِغْفَارِ لِبَانِي الْكُنُفِ بَعِيدٌ غَايَةَ الْبُعْدِ , قَالَ : وَكَانَ بِنَاؤُهَا مِنْ الْكُفَّارِ وَبَعِيدٌ غَايَةَ الْبُعْدِ أَنْ يَكُونَ بِنَاؤُهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ اِنْتَهَى  قُلْت : يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِنَاؤُهَا مِنْ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانَ مَذْهَبُهُمْ جَوَازَ اِسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارَهَا فِي الْكُنُفِ وَالْمَرَاحِيضِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ , فَلَيْسَ فِيهِ بُعْدٌ غَايَةَ الْبُعْدِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ , ثُمَّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ كُنَّا نَجْلِسُ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ نِسْيَانًا إِلَخْ فِيهِ أَنَّ النِّسْيَانَ يَكُونُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ , وَلَفْظُ كُنَّا نَنْحَرِفُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ وَالتَّكْرَارِ فَتَفَكَّرْ.  قَوْلُهُ : ( وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جُزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ )  , صَحَابِيٌّ شَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ وَاخْتَطَبَهَا دَارًا مَاتَ سَنَةَ 86 سِتٍّ وَثَمَانِينَ بِمِصْرَ , وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِهَا مِنْ الصَّحَابَةِ  ( وَمَعْقِلِ بْنِ أَبِي الْهَيْثَمِ وَيُقَالُ مَعْقِلُ بْنُ أَبِي مَعْقِلٍ )  وَيُقَالُ أَيْضًا مَعْقِلُ بْنُ أُمِّ مَعْقِلٍ وَكُلُّهُ وَاحِدٌ , يُعَدُّ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ , رَوَى عَنْهُ أَبُو سَلَمَةَ وَأَبُو زَيْدٍ مَوْلَاهُ وَأُمُّ مَعْقِلٍ تُوُفِّيَ فِي أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَهُ اِبْنُ الْأَثِيرِ , وَقَالَ الْحَافِظُ : لَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ  ( وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ )  أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ فَأَخْرَجَهُ اِبْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ قَالَهُ الْحَافِظُ , وَأَمَّا حَدِيثُ مَعْقِلٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ : إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَةٍ فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا : وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا اِبْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ , وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ فَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ.  قَوْلُهُ : ( حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّ )  وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ.  قَوْلُهُ : ( أَبُو أَيُّوبَ اِسْمُهُ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ )  قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ : خَالِدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبٍ الْأَنْصَارِيُّ أَبُو أَيُّوبَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ , شَهِدَ بَدْرًا وَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَيْهِ , مَاتَ غَازِيًا بِالرُّومِ سَنَةَ 50 خَمْسِينَ وَقِيلَ بَعْدَهَا اِنْتَهَى.  ( وَالزُّهْرِيُّ اِسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ وَكُنْيَتُهُ أَبُو بَكْرٍ )  هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ الْقُرَشِيُّ الزُّهْرِيُّ , مُتَّفَقٌ عَلَى جَلَالَتِهِ وَإِتْقَانِهِ وَهُوَ مِنْ رُءُوسِ الطَّبَقَةِ الرَّابِعَةِ , كَذَا فِي التَّقْرِيبِ , وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ هُوَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ وَعَالِمُ الْحِجَازِ وَالشَّامِ , قَالَ اللَّيْثُ : مَا رَأَيْت عَالِمًا قَطُّ أَجْمَعَ مِنْ اِبْنِ شِهَابٍ , وَقَالَ مَالِكٌ كَانَ اِبْنُ شِهَابٍ مِنْ أَسْخَى النَّاسِ وَتَقِيًّا , مَا لَهُ فِي النَّاسِ نَظِيرٌ , مَاتَ سَنَةَ 124 أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ اِنْتَهَى.  قَوْلُهُ : ( قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْمَكِّيُّ )  هُوَ مُوسَى بْنُ أَبِي الْجَارُودِ الْمَكِّيُّ أَبُو الْوَلِيدِ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ , عَنْ اِبْنِ عُيَيْنَةَ وَالْبُوَيْطِيِّ وَجَمَاعَةٍ , وَعَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَثَّقَهُ اِبْنُ حِبَّانَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ  ( قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ )  هُوَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ اِسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ وَتَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ  ( إِنَّمَا هَذَا فِي الْفَيَافِيِ )  عَلَى وَزْنِ الصَّحَارِيِ وَمَعْنَاهُ , وَاحِدُهَا الْفَيْفَاءُ بِمَعْنَى الصَّحْرَاءِ  ( فَأَمَّا فِي الْكُنُفِ الْمَبْنِيَّةِ )  جَمْعُ كَنِيفٍ أَيْ الْبُيُوتِ الْمُتَّخَذَةِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ  ( لَهُ رُخْصَةٌ فِي أَنْ يَسْتَقْبِلَهَا )  أَيْ فَجَائِزٌ لَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فِيهَا  ( وَهَكَذَا قَالَ إِسْحَاقُ )  هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ , ثِقَةٌ حَافِظٌ مُجْتَهِدٌ قَرِينُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ ; فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ أَنَّ اِسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارَهَا بِالْغَائِطِ وَالْبَوْلِ حَرَامٌ فِي الصَّحْرَاءِ وَجَائِزٌ فِي الْبُنْيَانِ ; فَفَرَّقَا بَيْنَ الصَّحْرَاءِ وَالْبُنْيَانِ ; قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : وَبِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْبُنْيَانِ وَالصَّحْرَاءِ مُطْلَقًا , قَالَ الْجُمْهُورُ : وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ لِإِعْمَالِهِ جَمِيعَ الْأَدِلَّةِ اِنْتَهَى.  ( وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ )  هُوَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ حَنْبَلٍ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ الْمَشْهُورِينَ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ  ( إِنَّمَا الرُّخْصَةُ إِلَخْ )  حَاصِلُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِقْبَالُ فِي الصَّحْرَاءِ وَلَا فِي الْبُنْيَانِ وَيَجُوزُ الِاسْتِدْبَارُ فِيهِمَا , وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي هَذَا رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا هَذِهِ الَّتِي ذَكَرَهَا التِّرْمِذِيُّ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْهُ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ الْمَذْكُورِ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ كَمَا سَتَعْرِفُ. اِعْلَمْ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلَيْنِ , قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَهَاهُنَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ ; فَلَنَا أَنْ نَذْكُرَهَا مَعَ بَيَانِ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا : قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : قَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي النَّهْيِ عَنْ اِسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ عَلَى مَذَاهِبَ :  الْأَوَّلُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ : أَنَّهُ يَحْرُمُ اِسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي الصَّحْرَاءِ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ بِالْبُنْيَانِ , وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالشَّعْبِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.  وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لَا فِي الصَّحْرَاءِ وَلَا فِي الْبُنْيَانِ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ الصَّحَابِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ.  وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ : جَوَازُ ذَلِكَ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبُنْيَانِ جَمِيعًا ; وَهُوَ مَذْهَبُ عُرْوَةِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَرَبِيعَةَ شَيْخِ مَالِكٍ وَدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ.  وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ : لَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِقْبَالُ فِي الصَّحْرَاءِ وَلَا فِي الْبُنْيَانِ ; وَيَجُوزُ الِاسْتِدْبَارُ فِيهِمَا وَهِيَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ. وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ مُطْلَقًا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ مُطْلَقًا ; كَحَدِيثِ سَلْمَانَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ. وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ مُطْلَقًا بِحَدِيثِ اِبْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ : يَعْنِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ : أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْقُدْسِ مُسْتَدْبِرًا الْقِبْلَةَ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ اِسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِفُرُوجِهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَ قَدْ فَعَلُوهَا ; حَوِّلُوا مَقْعَدِي إِلَى الْقِبْلَةِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ الِاسْتِدْبَارَ دُونَ الِاسْتِقْبَالِ بِحَدِيثِ سَلْمَانَ يَعْنِي الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ : لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ. الْحَدِيثَ. وَاحْتَجَّ مَنْ حَرَّمَ الِاسْتِقْبَالَ وَالِاسْتِدْبَارَ فِي الصَّحْرَاءِ وَأَبَاحَهُمَا فِي الْبُنْيَانِ بِحَدِيثِ اِبْنِ عُمَرَ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورَيْنِ وَبِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ فَرَأَيْته قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا , رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا , وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ , وَبِحَدِيثِ مَرْوَانَ الْأَصْغَرِ قَالَ رَأَيْت اِبْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إِلَيْهَا , فَقُلْت يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ ; فَقَالَ بَلَى إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ , فَإِذَا كَانَ بَيْنَك وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُك فَلَا بَأْسَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ. فَهَذِهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ بِالْجَوَازِ بَيْنَ الْبُنْيَانِ , وَحَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ وَسَلْمَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ وَرَدَتْ بِالنَّهْيِ , فَتُحْمَلُ عَلَى الصَّحْرَاءِ لِيُجْمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ لَا يُصَارُ إِلَى تَرْكِ بَعْضِهَا , بَلْ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَالْعَمَلُ بِجَمِيعِهَا وَقَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ , فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ. اِنْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ بِتَلْخِيصٍ. قُلْت : رَجَّحَ النَّوَوِيُّ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا , وَرَجَّحَهُ أَيْضًا الْحَافِظُ اِبْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ : هُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ لِإِعْمَالِهِ جَمِيعَ الْأَدِلَّةِ. وَعِنْدِي : أَوْلَى الْأَقْوَالِ وَأَقْوَاهَا دَلِيلًا هُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ مُطْلَقًا لَا فِي الْبُنْيَانِ وَلَا فِي الصَّحْرَاءِ فَإِنَّ الْقَانُونَ الَّذِي وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ لِأُمَّتِهِ هُوَ قَوْلُهُ لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا , وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ شَامِلٌ لِلْبُنْيَانِ وَالصَّحْرَاءِ , وَلَمْ يُغَيِّرْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَقِّ أُمَّتِهِ لَا مُطْلَقًا وَلَا مِنْ وَجْهٍ.  فَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ اِسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِفُرُوجِهِمْ إِلَخْ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ. فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ مُنْكَرٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ , قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ : خَالِدُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَائِشَةَ حَوِّلُوا مَقْعَدَتِي نَحْوَ الْقِبْلَةِ أَوَ قَدْ فَعَلُوهَا لَا يَكَادُ يُعْرَفُ , تَفَرَّدَ عَنْهُ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ , وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ , فَتَارَةً رَوَاهُ الْحَذَّاءُ عَنْ عِرَاكٍ , وَتَارَةً يَقُولُ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عِرَاكٍ , وَقَدْ رَوَى عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ سُفْيَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَمُبَارَكُ بْنُ فُضَالَةَ وَغَيْرُهُمَا , وَذَكَرَهُ اِبْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ , وَمَا عَلِمْت أَحَدًا يَعْرِضُ إِلَى لِينِهِ , لَكِنَّ الْخَبَرَ مُنْكَرٌ اِنْتَهَى. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : خَالِدُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ عَنْ عِرَاكٍ مُرْسَلٌ , كَذَا فِي التَّهْذِيبِ , وَقَالَ اِبْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى إِنَّهُ سَاقِطٌ لِأَنَّ رَاوِيَةَ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ وَهُوَ ثِقَةٌ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا نَدْرِي مَنْ هُوَ , وَأَخْطَأَ فِيهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فَرَوَاهُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ وَهَذَا أَبْطَلُ وَأَبْطَلُ ; لِأَنَّ خَالِدًا الْحَذَّاءَ لَمْ يُدْرِكْ كَثِيرَ بْنَ الصَّلْتِ اِنْتَهَى. وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى تَغْيِيرِ ذَلِكَ الْقَانُونِ وَنَسْخِهِ ; لِأَنَّ نَصَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَيِّنُ أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ ; لِأَنَّ مِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَاهُمْ عَنْ اِسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ ثُمَّ يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ طَاعَتَهُ , فِي ذَلِكَ وَهَذَا مَا لَا يَظُنُّهُ مُسْلِمٌ , وَلَا ذُو عَقْلٍ , وَفِي هَذَا الْخَبَرِ إِنْكَارُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ , فَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَنْسُوخًا بِلَا شَكٍّ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ فَرَأَيْته قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا. فَهُوَ أَيْضًا لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى نَسْخِ ذَلِكَ الْقَانُونِ , قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ : فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهَا حِكَايَةُ فِعْلٍ لَا عُمُومَ لَهَا , فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِعُذْرٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي بُنْيَانٍ وَنَحْوِهِ اِنْتَهَى. , وَقَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ : إِنَّ فِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُعَارِضُ الْقَوْلَ الْخَاصَّ بِنَا , كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ اِنْتَهَى. وَأَمَّا حَدِيثُ اِبْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ مُسْتَدْبِرًا الْقِبْلَةَ. فَهُوَ أَيْضًا لَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ ذَلِكَ الْقَانُونِ لِمَا مَرَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ آنِفًا. وَأَمَّا حَدِيثُ مَرْوَانَ الْأَصْغَرِ فَهُوَ أَيْضًا لَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ ذَلِكَ الْقَانُونِ ; لِأَنَّ قَوْلَ اِبْنِ عُمَرَ فِيهِ إِنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ , يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ اِسْتِنَادًا إِلَى الْفِعْلِ الَّذِي شَاهَدَهُ وَرَوَاهُ , فَكَأَنَّهُ لَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ مُسْتَدْبِرًا الْقِبْلَةَ فَهِمَ اِخْتِصَاصَ النَّهْيِ بِالْبُنْيَانِ , فَلَا يَكُونُ هَذَا الْفَهْمُ حُجَّةً , فَإِذَا جَاءَ الِاحْتِمَالُ بَطَلَ الِاسْتِدْلَالُ. فَالْحَاصِلُ : أَنَّ أَوْلَى الْأَقْوَالِ وَأَقْوَاهَا عِنْدِي - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - هُوَ قَوْلُ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ مُطْلَقًا , قَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ : الْإِنْصَافُ الْحُكْمُ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا , وَالْجَزْمُ بِالتَّحْرِيمِ , حَتَّى يَنْتَهِضَ دَلِيلٌ يَصْلُحُ لِلنَّسْخِ أَوْ التَّخْصِيصِ أَوْ الْمُعَارَضَةِ وَلَمْ نَقِفْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اِنْتَهَى. وَقَالَ اِبْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ : وَالْمُخْتَارُ - وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِقْبَالُ وَلَا الِاسْتِدْبَارُ فِي الصَّحْرَاءِ وَلَا فِي الْبُنْيَانِ ; لِأَنَّا إِنْ نَظَرْنَا إِلَى الْمَعَانِي فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْحُرْمَةَ لِلْقِبْلَةِ , وَلَا يَخْتَلِفُ فِي الْبَادِيَةِ وَلَا فِي الصَّحْرَاءِ , وَإِنْ نَظَرْنَا إِلَى الْآثَارِ فَإِنَّ حَدِيثَ أَبِي أَيُّوبَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مُعَلَّلٌ بِحُرْمَةِ الْقِبْلَةِ , وَحَدِيثَ اِبْنِ عُمَرَ لَا يُعَارِضُهُ وَلَا حَدِيثَ جَابِرٍ لِأَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ :  أَحَدُهَا : أَنَّهُ قَوْلٌ وَهَذَانِ فِعْلَانِ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ.  الثَّانِي : أَنَّ الْفِعْلَ لَا صِيغَةَ لَهُ , وَإِنَّمَا هُوَ حِكَايَةُ حَالٍ , وَحِكَايَاتُ الْأَحْوَالِ مُعَرَّضَةٌ لِلْأَعْذَارِ وَالْأَسْبَابِ , وَالْأَقْوَالُ لَا مُحْتَمَلَ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ.  الثَّالِثُ : أَنَّ الْقَوْلَ شَرْعٌ مُبْتَدَأٌ وَفِعْلُهُ عَادَةٌ , وَالشَّرْعُ مُقَدَّمٌ , عَلَى الْعَادَةِ.  الرَّابِعُ : أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَوْ كَانَ شَرْعًا لَمَا تَسَتَّرَ بِهِ اِنْتَهَى.. وَقَدْ قَالَ اِبْنُ الْعَرَبِيِّ قَبْلَ هَذَا : اُخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِ الْمَنْعِ فِي الصَّحْرَاءِ , فَقِيلَ ذَلِكَ لِحُرْمَةِ الْمُصَلِّينَ , وَقِيلَ ذَلِكَ لِحُرْمَةِ الْقِبْلَةِ , وَلَكِنْ جَازَ فِي الْحَوَاضِرِ لِلضَّرُورَةِ , وَالتَّعْلِيلُ بِحُرْمَةِ الْقِبْلَةِ أَوْلَى لِخَمْسَةِ أَوْجُهٍ.  أَحَدُهَا : أَنَّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ قَالَهُ الشَّعْبِيُّ , فَلَا يَلْزَمُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ.  الثَّانِي : أَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ مَغِيبٍ , فَلَا يَثْبُتُ إِلَّا عَنْ الشَّارِعِ.  الثَّالِثُ : أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِحُرْمَةِ الْمُصَلِّينَ لَمَا جَازَ التَّغْرِيبُ وَالتَّشْرِيقُ أَيْضًا ; لِأَنَّ الْعَوْرَةَ لَا تَخْفَى مَعَهُ أَيْضًا عَنْ الْمُصَلِّينَ , وَهَذَا يُعْرَفُ بِاخْتِبَارِ الْمُعَايَنَةِ.  الرَّابِعُ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا عَلَّلَ بِحُرْمَةِ الْقِبْلَةِ , فَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ : مَنْ جَلَسَ لِبَوْلٍ قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ , فَذَكَرَ فَانْحَرَفَ عَنْهَا إِجْلَالًا لَهَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ , أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ.  الْخَامِسُ : أَنَّ ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ الْحُرْمَةَ إِنَّمَا هِيَ لِلْقِبْلَةِ , لِقَوْلِهِ. لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ , فَذَكَرَهَا بِلَفْظِهَا فَأَضَافَ الِاحْتِرَامَ لَهَا اِنْتَهَى.  قُلْت : الظَّاهِرُ أَنَّ الْحُرْمَةَ إِنَّمَا هِيَ لِلْقِبْلَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ , وَلَوْ صَحَّ حَدِيثُ الْبَزَّارِ الَّذِي ذَكَرَهُ اِبْنُ الْعَرَبِيِّ لَكَانَ قَاطِعًا فِي ذَلِكَ ; لَكِنْ لَمْ نَقِفْ عَلَى سَنَدِهِ , فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِ إِسْنَادِهِ. 




 
  
  
  
 