المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (492)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (492)]
و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ يَقُولُ كُنَّا نَشْهَدُ الْجَنَائِزَ فَمَا يَجْلِسُ آخِرُ النَّاسِ حَتَّى يُؤْذَنُوا
( ش ) : قَوْلُهُ فَمَا يَجْلِسُ آخَرُ النَّاسِ حَتَّى يُؤْذَنُوا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِسْرَاعَ بِالْجِنَازَةِ مَشْرُوعٌ , وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ حَتَّى يُؤْذَنُوا يُرِيدُ يُؤْذَنُوا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا , وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ مَعْنَاهُ حَتَّى يُؤْذَنَ لَهُمْ بِالِانْصِرَافِ بَعْدَ الصَّلَاةِ , وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَبْنُونَ الْقُبُورَ , وَإِنَّمَا كَانَ إدْلَاؤُهُ وَرَدُّ التُّرَابِ , وَهَذَا لَا يَلْبَثُ النَّاسُ فِيهِ وَمَا ذَكَرَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ ; لِأَنَّهُ قَالَ فَلَا يَجْلِسُ آخِرُ النَّاسِ حَتَّى يُؤْذَنُوا وَلَا يُقَالُ آخِرُ النَّاسِ فِيمَنْ صَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ وَانْتَظَرَ أَنْ يُؤْذَنَ ; لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ , وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ فِيمَنْ يَأْتِي بَيْنَ يَدَيْ الْجِنَازَةِ فَيَصِلُ أَوَّلُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ آخِرُهُمْ فَرُبَّمَا لَمْ يَجْلِسْ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يُدْرِكَ آخِرُهُمْ فَتُوضَعَ الْجِنَازَةُ وَيُؤْذَنُوا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا , وَأَمَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّرَبُّصِ حَتَّى يُدَلَّى فِي الْقَبْرِ وَيُرَدَّ التُّرَابُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي مُدَّةٍ يَجْلِسُ فِيهَا أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمْ إِنْ صَحَّ أَنْ يُوصَفُوا بِأَوَّلٍ وَآخِرٍ , وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ فِيهَا جَمِيعُ النَّاسِ إِلَّا مَنْ يَتَنَاوَلُ دَفْنَهُ أَوْ يَتَكَلَّفُ الْقِيَامَ مُدَّةً طَوِيلَةً إِلَى أَنْ يَتِمَّ أَمْرُهُ , وَأَمَّا الِانْقِلَابُ عَنْهَا فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى إذْنٍ عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ , وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ لَا يَنْصَرِفُ عَنْهَا إِلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ أَهْلَ الْجِنَازَةِ لَوْ شَاءُوا أَنْ يُمْسِكُوا النَّاسَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ فَلَمْ يُعْتَبَرْ بِإِذْنِهِمْ فِي انْصِرَافِ النَّاسِ ; لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ الْإِمْسَاكُ فَإِنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِإِذْنِهِ كَسَائِرِ النَّاسِ. ( مَسْأَلَةٌ ) وَلَا بَأْسَ بِالِانْصِرَافِ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ يَكْمُلَ دَفْنُهَا إِذَا بَقِيَ مَعَهَا مَنْ يَلِي ذَلِكَ مِنْهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيَنْصَرِفُ لِعِلَّةٍ وَلِغَيْرِ عِلَّةٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَذَلِكَ إِذَا قَامَ بِهَا غَيْرُهُ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْفَرْضَ إنَّمَا هُوَ فِي الصَّلَاةِ , وَأَمَّا الْبَقَاءُ حَتَّى تُدْفَنَ فَإِنَّمَا هُوَ فَضِيلَةٌ فَمَنْ أَقَامَ لَهَا فَحَسَنٌ وَيَنْصَرِفُ إِنْ شَاءَ بَعْدَ كَمَالِ الدَّفْنِ دُونَ إذْنٍ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حُكْمِ أَحَدٍ فَيُؤْذَنَ لَهُ , وَقَدْ رَوَى ابْنُ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مَنْ شَهِدَ الْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ فَلَهُ قِيرَاطٌ وَمَنْ شَهِدَ حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ , قِيلَ وَمَا الْقِيرَاطُ ؟ قَالَ مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ فَجَعَلَ لِشَاهِدِ فَرْضِ الْجِنَازَةِ قِيرَاطًا وَلِمُشَاهَدَةِ فَضْلِ الْمُوَارَاةِ قِيرَاطًا وَلَعَلَّهُمَا إنَّمَا تَسَاوَيَا فِي الِاسْمِ دُونَ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.