المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (554)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (554)]
و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ الْعَامِرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ وَذَلِكَ بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
( ش ) : قَوْلُهُ كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ يَلْحَقُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمُسْنَدِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ ; لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ إِذَا أَخْبَرَ بِفِعْلٍ مِنْ الشَّرْعِ وَأَضَافَ ذَلِكَ إِلَى زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ كُنَّا نُخْرِجُ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم زَكَاةَ الْفِطْرِ فَذَكَرَهُ فَصَرَّحَ بِرَفْعِهِ فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ الْمُضَافُ مِمَّا يَظْهَرُ وَيَتَبَيَّنُ وَلَا يَخْفَى مِثْلُهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَلَمْ يُنْكِرْهُ وَأَقَرَّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ حُجَّةٌ ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لَا يُقِرُّ عَلَى الْمُنْكَرِ , وَإِخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ يَكْثُرُ الْمُخْرِجُونَ لَهَا وَالْآخِذُونَ وَيَتَكَرَّرُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يُمْكِنَ أَنْ يَخْفَى أَمْرُهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَهُوَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَثَبَتَ أَنَّ الْخَبَرَ حُجَّةٌ وَأَنَّهُ مُسْنَدٌ ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَالطَّعَامُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ مَا يُتَطَعَّمُ , وَلَكِنَّهُ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ وَاقِعٌ عَلَى قُوتِ النَّاسِ مِنْ الْبُرِّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إخْرَاجَ الْبُرِّ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ جَائِزٌ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ بَعْضُ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْبُرِّ فِي الزَّكَاةِ وَهَذَا خِلَافٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ ; لِأَنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هَكَذَا كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ وَالطَّعَامُ إِذَا أُطْلِقَ تَوَجَّهَ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ إِلَى الْبُرِّ , يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْقَائِلَ اذْهَبْ بِنَا إِلَى سُوقِ الطَّعَامِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ سُوقُ الْجَزَّارِينَ وَلَا سُوقُ الزَّيْتِ وَلَا سُوقُ شَيْءٍ مِنْ الْأَطْعِمَةِ إِلَّا الْبُرَّ فَإِنْ قِيلَ : هَذَا اللَّفْظُ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّعِيرِ عَلَى حَسْبِ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْبُرِّ فَالْجَوَابُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَنْطَلِقُ عَلَى سُوقِ الشَّعِيرِ إِذَا انْفَرَدَ وَإِنَّمَا يَنْطَلِقُ عَلَى سُوقِ الْقَمْحِ , وَالشَّعِيرُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ لِلْقَمْحِ , وَأَمَّا سُوقُ الشَّعِيرِ إِذَا انْفَرَدَ فَإِنَّ هَذَا الِاسْمَ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ وَوَجْهٌ ثَانٍ أَنَّهُ قَالَ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ فَصَرَّحَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّعَامِ غَيْرُ الشَّعِيرِ كَمَا بَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّعِيرِ غَيْرُ مَا بَعْدَهُ لَمَّا أَوْرَدَ بَيْنَهُمَا لَفْظَ التَّقْسِيمِ أَوْ التَّخْيِيرِ وَلَا يُقْسَمُ الشَّيْءُ فِي نَفْسِهِ كَمَا لَا يُخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ رَوَى حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فَقَالَ كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَكَانَ طَعَامُنَا الشَّعِيرَ وَالزَّبِيبَ وَالْأَقِطَ وَالتَّمْرَ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ قُوتَهُمْ الْغَالِبَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْمَ الطَّعَامِ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ. ( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ تُخْرَجُ مِنْ الْقُوتِ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فِيمَا يُجْزِئُ إخْرَاجُهَا عَنْهُ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ يُؤَدِّيهَا مِنْ كُلِّ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ قُوتِهِ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ تُؤَدَّى مِنْ تِسْعَةِ أَشْيَاءَ : الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ وَالْأُرْزِ وَالدُّخْنِ وَالذُّرَةِ وَالزَّبِيبِ وَالْأَقِطِ وَالتَّمْرِ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ الْعَلَسَ فَجَعَلَهَا عَشْرَةً وَقَالَ : إِنْ أَخْرَجَ الدَّقِيقَ بِرِيعِهِ أَجْزَأَهُ , وَكَذَالِكَ الْخُبْزُ وَقَالَ أَشْهَبُ : لَا تُجْزِئُ إِلَّا الْأَرْبَعَةُ الَّتِي فِي الْحَدِيثِ الشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْأَقِطُ إِلَّا أَنَّ الشَّعِيرَ يَدْخُلُ مَعَهُ الْقَمْحُ وَالسُّلْتُ ; لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَهَذِهِ مَعَانٍ تُبَيِّنَ الْقَوْلُ فِي جَوَازِ إخْرَاجِهَا ثُمَّ تُبَيِّنَ بَعْدَ ذَلِكَ صِفَةَ إخْرَاجِهَا فَأَمَّا الْقَمْحُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ وَالشَّعِيرُ ثَابِتٌ ذِكْرُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَقَدْ انْفَرَدَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِقَوْلِهِ كَانَ النَّاسُ يُخْرِجُونَ عَنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ سُلْتٍ أَوْ زَبِيبٍ وَلَيْسَ السُّلْتُ بِمَحْفُوظٍ فِي حَدِيثِ نَافِعٍ وَاَلَّذِي يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي جَوَازِ إخْرَاجِهِ أَنَّهُ حَبٌّ مِنْ جِنْسِ الْقَمْحِ تُجْزِئُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالشَّعِيرِ , وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقَمْحَ وَالسُّلْتَ وَالشَّعِيرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ أَفْضَلُهُ الْقَمْحُ وَأَوْسَطُهُ السُّلْتُ وَأَدْوَنُهُ الشَّعِيرُ فَإِذَا كَانَ يُجْزِئُ إخْرَاجُ الشَّعِيرِ وَهُوَ الْأَدْوَنُ فَبِأَنْ يُجْزِئَ إخْرَاجُ الْقَمْحِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ وَالسُّلْتِ وَهُوَ الْأَوْسَطُ أَوْلَى وَأَحْرَى. ( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْعَلَسُ فَقَدْ قَدَّمْنَا اخْتِلَافَ أَصْحَابِنَا فِي إِلْحَاقِهِ بِالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ , وَالْكَلَامُ فِي إخْرَاجِهِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ أُلْحِقَ بِهِ عَلَى مَعْنَى الْجِنْسِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ أُلْحِقَ بِهِ بِالْقِيَاسِ. ( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا التَّمْرُ فَلَا خِلَافَ فِي كَوْنِهِ مُجْزِئًا وَهُوَ ثَابِتٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَمَّا الزَّبِيبُ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ إخْرَاجِهِ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ خَبَرُ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمُ وَفِيهِ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ ثَمَرَةٌ تُجْزِئُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهَا وَعِنْدَ كَمَالِ نَمَائِهَا تُقْتَاتُ غَالِبًا فَجَازَ إخْرَاجُهَا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ. ( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْأَقِطُ فَإِنَّ إخْرَاجَهُ جَائِزٌ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا مِثْلُ قَوْلِنَا وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمُ وَفِيهِ أَوْ صَاعٌ مِنْ أَقِطٍ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ مَعْنَى يُجْزِئُ فِيهِ الصَّاعُ يُقْتَاتُ غَالِبًا يُسْتَفَادُ مِنْ أَصْلٍ تَجِبُ فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةُ فَجَازَ إخْرَاجُهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ كَالْحُبُوبِ. ( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْأُرْزُ وَالذُّرَةُ وَالدُّخْنُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا عِنْدَ أَشْهَبَ وَيُجْزِئُ عِنْدَ مَالِكٍ , وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ حَبٌّ يُقْتَاتُ غَالِبًا تُجْزِئُ فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةُ يَوْمَ تَمَامِهِ فَجَازَ إخْرَاجُهُ فِي الزَّكَاةِ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ , وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ إخْرَاجُهَا كَاللَّحْمِ. ( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْقَطَانِيُّ الْحِمَّصُ وَالْعَدَسُ وَالْجُلْبَانُ فَهَلْ يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْفِطْرَةِ مِنْهَا أَمْ لَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ يُخْرِجُ مِنْ كُلِّ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ قُوتَهُ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُخْرِجُ مِنْ الْقَطَانِيِّ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِنْ كَانَ قُوتَهُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا حَبٌّ يُقْتَاتُ غَالِبًا تُجْزِئُ فِي عَيْنِهِ الزَّكَاةُ فَجَازَ إخْرَاجُهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذِهِ حُبُوبٌ تُسْتَعْمَلُ غَالِبًا بِمَعْنَى التَّأَدُّمِ وَإِصْلَاحِ الْأَقْوَاتِ فَلَمْ يَجُزْ إخْرَاجُهَا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ كَالْأَبْزَارِ. ( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الدَّقِيقُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُهُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّمَا ذَلِكَ لِلرِّيعِ فَإِذَا أَخْرَجَ بِمِقْدَارِ مَا يُرِيعُ الْقَمْحُ أَجْزَأَ وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ مُقَدَّرَةٌ وَمِقْدَارُ الرِّيعِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَلَوْ جَوَّزْنَا إخْرَاجَ الدَّقِيقِ بِالرِّيعِ لَأَخْرَجْنَاهَا عَنْ التَّقْدِيرِ الَّذِي فَرَضَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَأَوْجَبَهُ إِلَى الْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ الَّذِي يُنَافِي الزَّكَاةَ وَلَكَانَ لَا يُطْلَقُ عَلَى مَا يُخْرِجُ اسْمَ صَاعٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَدْ عَلَّقَ حُكْمَهَا بِهَذَا الِاسْمِ , وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنْ يَكُونَ الصَّاعُ قَدْ جَرَى فِي الْحِنْطَةِ , ثُمَّ يُطْحَنُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ التَّقْدِيرِ إِلَى الْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ. ( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا التِّينُ فَقَالَ مَالِكٌ لَا يُخْرَجُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَقَدْ تَرَجَّحَ فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِ : إِنَّ الزَّكَاةَ لَا تُجْزِئُ فِيهِ وَإِنَّ الرِّبَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ مِنْ الْأَقْوَاتِ لِمَا لَمْ يَكُنْ بَلَدٌ يُقْتَاتُ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُ مِنْ الْأَقْوَاتِ وَأَنْ تُجْزِئَ فِيهِ الزَّكَاةُ وَالرِّبَا وَيُخْرِجُهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ مَنْ يتقوته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ. ( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَذِهِ الْأَقْوَاتُ بَعْضُهَا أَرْفَعُ مِنْ بَعْضٍ فَعَلَى أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ أَنْ يُخْرِجُوا مِنْ غَالِبِ قُوتِهِمْ وَأَكْثَرِ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي جِهَتِهِمْ , فَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يَقْتَاتُ بِغَيْرِ مَا يَقْتَاتُ بِهِ أَهْلُ بَلَدِهِ فَيُنْظَرُ فَإِنْ اقْتَاتَ أَفْضَلَ مِنْ قُوتِهِمْ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ قُوتِهِ فَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ قُوتِ بَلَدِهِ أَجْزَأَهُ ; لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَلْزَمُهُ وَمَا زَادَ عَلَى قُوتِ النَّاسِ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى التَّرَفُّهِ وَالتَّفَكُّهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إخْرَاجُهُ وَإِنْ كَانَ يَقْتَاتُ دُونَ قُوتِ النَّاسِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ عُسْرٍ أَوْ بُخْلٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ عُسْرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُ قُوتِهِ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِدٍ لِأَكْثَرَ مِنْهُ وَإِخْرَاجُ الزَّكَاةِ يَتَعَلَّقُ بِالْوُجُودِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا , فَإِنْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِبُخْلٍ لَزِمَهُ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ قُوتِ النَّاسِ ; لِأَنَّ حَقَّ الزَّكَاةِ يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فَتَقْصِيرُهُ هُوَ فِي نَفْسِهِ لَا يُسْقِطُ عَنْهُ الزَّكَاةَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَمَنْ أَكَلَ الْحِنْطَةَ وَأَخْرَجَ الشَّعِيرَ أَوْ السُّلْتَ أَجْزَأَهُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ هَذِهِ زَكَاةٌ فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِنَوْعٍ لَمْ يَجُزْ أَدْوَنُ مِنْهُ , أَصْلُ ذَلِكَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ حِنْطَةٍ لَا يُجْزِيهِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهَا حِنْطَةً رَدِيئَةً وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَقْتَضِي التَّخْيِيرَ وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ لَا يُجِيزُ التَّخْيِيرَ مِنْ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثَيْنِ وَإِنَّمَا يُجِيزُ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْحَدِيثِ وَبَيْنَ الْقَمْحِ وَالسُّلْتِ وَلَيْسَ بِمَذْكُورٍ فِي الْحَدِيثِ وَأَمَّا التَّمْرُ وَالْأَقِطُ وَالزَّبِيبُ الْمَذْكُورُ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ مَعَ الشَّعِيرِ فَلَا نَرَى فِيهَا التَّخْيِيرَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَمَّا السِّتَّةُ الْأَصْنَافِ الْبَاقِيَةِ فَلْيُخْرِجْ مِنْ بَدَلِهِ فَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ عَيْنِهِ لَمْ يُجْزِهِ.