المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (583)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (583)]
و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْرِبُ نَحْرَهُ وَيَنْتِفُ شَعْرَهُ وَيَقُولُ هَلَكَ الْأَبْعَدُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ذَاكَ فَقَالَ أَصَبْتُ أَهْلِي وَأَنَا صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً فَقَالَ لَا فَقَالَ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُهْدِيَ بَدَنَةً قَالَ لَا قَالَ فَاجْلِسْ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقِ تَمْرٍ فَقَالَ خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ مَا أَحَدٌ أَحْوَجَ مِنِّي فَقَالَ كُلْهُ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَ مَا أَصَبْتَ قَالَ مَالِك قَالَ عَطَاءٌ فَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَمْ فِي ذَلِكَ الْعَرَقِ مِنْ التَّمْرِ فَقَالَ مَا بَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا إِلَى عِشْرِينَ
( ش ) : قَوْلُهُ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْرِبُ نَحْرَهُ وَيَنْتِفُ شَعْرَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ نَدَمًا عَلَى خَطِيئَتِهِ وَإِشْفَاقًا مِمَّا أَتَى مِنْهَا وَحُزْنًا عَلَى عَظِيمِ جُرْمِهِ مِنْهَا وَقَوْلُهُ هَلَكَ الْأَبْعَدُ يُرِيدُ أَنَّهُ هَلَكَ بِمُوَاقَعَتِهِ الْخَطِيئَةَ وَكَنَّى الْمُحَدِّثُ عَنْهُ بِلَفْظِ الْأَبْعَدِ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ إِذَا حَكَتْ عَمَّنْ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا لَا يَجْمُلُ أَوْ خَاطَبَتْ بِهِ غَيْرَهُ فَلَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ذَاكَ قَالَ أَصَبْت أَهْلِيَ وَأَنَا صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ يُرِيدُ الْجِمَاعَ وَهَذَا اللَّفْظُ يُكَنَّى بِهِ عَنْ الْجِمَاعِ وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْهُ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ إِذَا قُرِنَ بِمَحِلِّ الْجِمَاعِ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً قَدْ تَقَدَّمَ تَأْوِيلُ الْفُقَهَاءِ وَاخْتِلَافُهُمْ فِي تَرْتِيبِ ذَلِكَ أَوْ حَمْلِهِ عَلَى التَّخْيِيرِ وَقَوْلُهُ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُهْدِيَ بَدَنَةً انْفَرَدَ عَطَاءٌ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ عَنْ سَعِيدٍ , وَقَدْ أَنْكَرَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ , وَقَالَ كَذَبَ الْخُرَاسَانِيُّ , وَقَالَ إنَّمَا قُلْت لَهُ فَقَالَ تَصَدَّقْ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْلِسْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ شَيْئًا يَأْتِيه قَدْ عَرَفَ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَجَا لَهُ فَضْلَ اللَّهِ وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ كُلْهُ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَ مَا أَصَبْت عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْسِيرِ وَأَمْرُهُ لَهُ بِقَضَاءِ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ إِلَّا مَا يُحْكَى عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَمَا رَوَاهُ الإسفراييني عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ دُونَ الْقَضَاءُ , وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِهَذَا السَّائِلِ كُلْهُ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِك وَصُمْ يَوْمًا وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا أَفْسَدَ صَوْمَهُ فِي رَمَضَانَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ. ( فَصْلٌ ) وَأَمَّا قَوْلُ سَعِيدٍ فِي الْعَرَقِ مِنْ التَّمْرِ مَا بَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا إِلَى عِشْرِينَ صَاعًا فَقَدْ رَوَى أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِخَمْسَةِ عَشَرَ صَاعًا وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فَأَتَى بِعَرَقٍ فِيهِ عِشْرُونَ صَاعًا وَهَذَا , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى الْحَزْرِ وَالتَّقْدِيرِ وَاخْتِلَافِهِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا ; لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الْمَسَاكِينِ سِتُّونَ مِسْكِينًا وَالْكَفَّارَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مُدٍّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ أَوْ مُدَّيْنِ وَلَيْسَ فِيهَا مُدٌّ وَثُلُثٌ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى صِحَّةِ الْمُدِّ اعْتِبَارًا لِسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ أَوْلَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَدْرَ الْعَرَقِ إِلَّا أَنَّ الَّذِي كَانَ فِيهِ مِنْ التَّمْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ , وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ : قَالَ مَالِكٌ الْمِكْتَلُ يَسْعَ مَا بَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا إِلَى الْعِشْرِينَ.