المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (595)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (595)]
و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ اسْتَقَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَمَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ
( ش ) : قَوْلُهُ مَنْ اسْتَقَاءَ يُرِيدُ مَنْ اسْتَدْعَى ذَلِكَ وَغَلَبَ نَفْسَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ الَّذِي يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ هُوَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ , وَقَالَ أَبُو يَعْقُوبَ الرَّازِيُّ هُوَ عَلَى الْوُجُوبِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ أَنَّ الْمُتَعَمِّدَ لِلْقَيْءِ وَالْمُسْتَعْمِلَ لَهُ وَالْمُكْرِهَ لِنَفْسِهِ عَلَيْهِ لَا يَسْلَمُ فِي الْغَالِبِ مِنْ رُجُوعِ شَيْءٍ إِلَى حَلْقِهِ مِمَّا قَدْ صَارَ فِيهِ فَيَقَعُ بِهِ فِطْرُهُ فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْغَالِبُ مِنْ حَالِهِ حُمِلَ سَائِرُهُ عَلَى غَالِبِهِ كَالنَّوْمِ فِي الْحَدَثِ. ( فَرْعٌ ) فَإِذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مَنْ اسْتَقَاءَ عَامِدًا عَابِثًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ , وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ : مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا إِنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ , وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ لَوْ سُئِلَ عَنْهُ مَالِكٌ لَأَوْجَبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِيهِ نَظَرٌ وَيَبْطَلُ عِنْدِي مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّنَا إنَّمَا نُوجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ ; لِأَنَّنَا لَا نَتَيَقَّنُ سَلَامَةَ صَوْمِهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْقَضَاءِ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْ الصَّوْمِ الَّذِي لَزِمَهَا وَنَحْنُ لَا نَتَيَقَّنُ فَسَادَ صَوْمِهِ فَنُوجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ وَالْكَفَّارَةُ لَمْ تَثْبُتْ فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ وَاجِبٍ فَيَكُونُ عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ إِلَّا بِأَمْرٍ مُتَيَقَّنٍ وَالثَّانِي أَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ إِذَا كَانَ الْفِطْرُ نَفْسُهُ بِاخْتِيَارِ الصَّائِمِ فَأَمَّا إِذَا فَعَلَ فِعْلًا يُؤَدِّي إِلَى وُقُوعِ الْفِطْرِ مِنْهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ فَإِنَّهُ لَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَمْسَكَ الْمَاءَ فِي فَمِهِ فَغَلَبَهُ فَدَخَلَ حَلْقَهُ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ , وَكَذَلِكَ مَنْ قَطَرَ فِي أُذُنِهِ دُهْنًا أَوْ كُحْلًا فَوَصَلَ إِلَى حَلْقِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَفِطْرُ الْمُسْتَقْيِئِ إنَّمَا يَقَعُ بِالرَّاجِعِ وَهُوَ لَمْ يَتَعَمَّدْ ارْتِجَاعَهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ وَمَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مَعْنَاهُ الَّذِي يَغْلِبُهُ الْقَيْءُ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ رَجَعَ شَيْءٌ مِنْ فِيهِ إِلَى حَلْقِهِ وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِهِ هَذَا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إِلَى حَلْقِهِ شَيْءٌ ; لِأَنَّ ذَرْعَ الْقَيْءِ وَغَلَبَتَهُ لَهُ يَنْدَفِعُ وَيَخْرُجُ وَيَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِخِلَافِ الْمُعَالَجَةِ وَالْإِكْرَاهِ لِلنَّفْسِ عَلَى الْقَيْءِ ; لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ إنَّمَا هُوَ إكْرَاهٌ عَلَى إخْرَاجِ مَا لَيْسَ بِخَارِجٍ بَلْ مِنْ شَأْنِهِ الرُّجُوعُ وَلَوْ تَيَقَّنَ الَّذِي ذَرَعَهُ الْقَيْءُ رُجُوعَ شَيْءٍ إِلَى حَلْقِهِ بَعْدَ أَنْ صَارَ فِي فَمِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَمَا رَجَعَ مِنْ الْقَيْءِ إِلَى الْجَوْفِ مِنْ اللَّهَوَاتِ أَوْ الْحَلْقِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَيْقِنَ وُصُولَهُ إِلَى الْفَمِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَالْقَلْسُ بِسَبِيلِ الْقَيْءِ فِيمَا وَصَفْنَا وَفِي الْمَدَنِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ دَاوُدَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ مَنْ قَلَسَ فَوَصَلَ الْقَلْسُ إِلَى فِيهِ فَرَدَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ رَجَعَ مَالِكٌ , وَقَالَ إِنْ خَرَجَ إِلَى مَوْضِعٍ لَوْ شَاءَ طَرَحَهُ , ثُمَّ رَدَّهُ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ إِنْ ازْدَرَدَهُ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ عَلَى لِسَانِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ , وَإِنْ ازْدَرَدَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.