المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (609)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (609)]
حَدَّثَنِي زِيَاد عَنْ مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلَمَّا انْصَرَفَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ وَجَدَ أَخْبِيَةً خِبَاءَ عَائِشَةَ وَخِبَاءَ حَفْصَةَ وَخِبَاءَ زَيْنَبَ فَلَمَّا رَآهَا سَأَلَ عَنْهَا فَقِيلَ لَهُ هَذَا خِبَاءُ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلْبِرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمْ يَعْتَكِفْ حَتَّى اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ
( ش ) : قَوْلُهُ : ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ فِيهِ يُرِيدُ أَنَّهُ انْصَرَفَ إِلَيْهِ مِنْ مَوْضِعِ إقَامَتِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ لِلْمُعْتَكِفِ مَوْضِعًا يَلْزَمُهُ فِي مُدَّةِ اعْتِكَافِهِ مِنْ مَسْجِدِهِ وَلَيْسَ لُزُومُهُ لَهُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ اعْتِكَافِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ الْإِمَامَةِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ فِي مُدَّةِ اعْتِكَافِهِ فَمَشْيُهُ إِلَى مَوْضِعِ إمَامَتِهِ مَشْيٌ لِأَدَاءِ فَرِيضَتِهِ فِي مَسْجِدِهِ فَلَمْ يُدْخِلْ نَقَصَا فِي اعْتِكَافِهِ وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْأَذَانِ فَكَرِهَهُ مَرَّةً وَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا ثَانِيَةً فَإِذَا كَانَ مُطْلَقًا عِنْدَهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ , وَإِذَا كَانَ مَكْرُوهًا فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِمَامَةَ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِنْ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَا اعْتَكَفَ عَلَيْهِ وَالْتَزَمَ الْإِتْيَانَ بِهِ مَعَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ وَأَمَّا الْأَذَانُ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهَا عِبَادَةٌ غَيْرُ الْعِبَادَةِ الَّتِي الْتَزَمَهَا الْمُعْتَكِفُ فَكَرِهَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا كَرِهَ لَهُ سَائِرَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ حُضُورِ الْجَنَائِزِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ وَجَدَ أَخْبِيَةً خِبَاءَ عَائِشَةَ وَخِبَاءَ حَفْصَةَ وَخِبَاءَ زَيْنَبَ يُرِيدُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِ الْمَذْكُورَاتِ ضَرَبَتْ لِنَفْسِهَا خِبَاءً تَعْتَكِفُ فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلْبِرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَذَّرَهُنَّ وَخَافَ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَكُونَ مِنْهُنَّ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى ذَلِكَ الْحِرْصُ عَلَى الْقُرْبِ مِنْهُ وَالْغَيْرَةُ عَلَى سَائِرِ أَزْوَاجِهِ أَنْ يَفْعَلْنَ مِثْلَ فِعْلِهِ فَلَا تَسْلَمُ نِيَّتُهَا لِلِاعْتِكَافِ فَكَرِهَ اعْتِكَافَهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَمَنَعَ جَمِيعَهُنَّ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ مِنْهُنَّ مَنْ قَصَدَ هَذَا الْقَصْدَ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ : ثُمَّ انْصَرَفَ يُرِيدُ أَنَّ انْصِرَافَهُ كَانَ قَبْلَ الْتِزَامِهِ الِاعْتِكَافَ وَالدُّخُولَ فِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ انْصَرَفَ لِمَانِعِ عَزْلِهِنَّ أَوْ لِقُرْبَةٍ أُخْرَى رَآهَا أَوْلَى مِنْ الِاعْتِكَافِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ انْصَرَفَ عَنْ ذَلِكَ لِمَا أَرَادَ مِنْ صَرْفِ جَمِيعِهِنَّ فَرَأَى انْصِرَافَهُ أَقْرَبَ لاستصلاحهن تَطْيِيبَ أَنْفُسِهِنَّ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَلَمْ يَعْتَكِفْ حَتَّى اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ يَقْتَضِي أَنَّ الِاعْتِكَافَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ مُطْلَقٌ إِذَا كَانَ فِي زَمَنٍ يَصِحُّ صَوْمُهُ.