المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (620)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (620)]
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالْأَبْوَاءِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ وَقَالَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ لَا يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ قَالَ فَأَرْسَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ وَهُوَ يُسْتَرُ بِثَوْبٍ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقُلْتُ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَسْأَلُكَ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَالَ فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ اصْبُبْ فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ
( ش ) : اخْتِلَافُهُمَا بِالْأَبْوَاءِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمُذَاكَرَةِ بِالْعِلْمِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا أَنْكَرَهُ الْآخَرُ , وَالظَّاهِرُ مِنْ إرْسَالِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ يَسْأَلُهُ عَنْ صِفَةِ غُسْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَلِمَ عِنْدَ أَبِي أَيُّوبَ مِنْ ذَلِكَ عِلْمًا وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ لَمَا أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ هَلْ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ عِلْمٌ فَوَجَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ أَبَا أَيُّوبَ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ وَهُمَا الْخَشَبَتَانِ يُرْكَزَانِ أَوْ الرِّجْلَانِ يُبْنَيَانِ عَلَى الْبِئْرِ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِمَا وَأَبُو أَيُّوبَ يَسْتَتِرُ بِثَوْبٍ ; لِأَنَّ الْغُسْلَ يَحْتَاجُ مِنْ كَشْفِ عَوْرَتِهِ إِلَى مَا لَا بُدَّ لَهُ مَعَهُ مِنْ السِّتْرِ لَا سِيَّمَا حَيْثُ لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يُطَّلَعَ عَلَيْهِ وَيُنْظَرَ إِلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَالِ ; لِأَنَّهُ احْتَاجَ إِلَى مُخَاطَبَتِهِ فِيهَا ; لِأَنَّهَا الْحَالُ الَّتِي أُرْسِلَ إِلَى سُؤَالِهِ عَنْهَا فَاسْتَفْتَحَ لِكَلَامِهِ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ مَنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْحَالِ تُجْتَنَبُ مُكَالَمَتُهُ وَيَغُضُّ الْبَصَرَ عَنْهُ وَيُنْصَرَفُ عَنْ جِهَتِهِ لِمَا هُوَ عَلَيْهِ وَلِمَا يَجِبُ إفْرَادُهُ بِهِ مِنْ الْعَمَلِ وَلَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِهِ لِسُرْعَةِ تَمَامِهِ , وَلِئَلَّا يَدْخُلَ عَلَيْهِ سَهْوٌ فِي عَمَلِهِ فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ أَنَّهُ أُرْسِلَ يَسْأَلُهُ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَهَذَا خِلَافٌ لِظَاهِرِ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمِسْوَرُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ; لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا هَلْ يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ أَوْ لَا يَغْسِلُهُ وَلَمْ يَخْتَلِفَا فِي صِفَةِ غُسْلِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْغُسْلِ وَلَا يُمْكِنُ الْمِسْوَرَ أَنْ يَقُولَ إِنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ لَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ خِلَافُهُمَا فِيمَا زَادَ عَلَى الْفَرْضِ مِنْ الْغُسْلِ وَفِي إمْرَارِ الْيَدِ جُمْلَةً مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّ الْفَرْضَ إفَاضَةُ الْمَاءِ فَقَطْ لِتَأْوِيلٍ تَأَوَّلَهُ أَوْ يَكُونَ اخْتِلَافُهُمَا فِي غُسْلٍ غَيْرِ وَاجِبٍ فَطَأْطَأَ أَبُو أَيُّوبَ الثَّوْبَ حَتَّى بَدَا رَأْسُهُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ , ثُمَّ قَالَ اُصْبُبْ , ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ وَلَوْ اقْتَصَرَ أَبُو أَيُّوبَ عَلَى فِعْلِهِ لَكَانَ مُسْنَدًا ; لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُنَيْنٍ إنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِعْلًا يُرِيهِ إِيَّاهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ فَكَيْفَ وَقَدْ أَكَّدَ ذَلِكَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ بَعْدَ غُسْلِ رَأْسِهِ وَتَحْرِيكِهِ بِيَدَيْهِ هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ! وَلَعَلَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ إنَّمَا أَنْكَرَ ذَلِكَ خَشْيَةَ قَتْلِ الدَّوَابِّ فِي الرَّأْسِ وَإِزَالَةِ الشَّعَثِ عَلَى حَسْبِ مَا تَوَقَّعَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ مِنْ الصَّبِّ عَلَى رَأْسِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَيْسَ فِي إمْرَارِ الْيَدِ عَلَى الرَّأْسِ قَتْلٌ لَهَا وَلَا إزَالَتُهَا عَنْ مَوْضِعِهَا إِلَّا مِثْلُ مَا فِي صَبِّ الْمَاءِ عَلَى الرَّأْسِ خَاصَّةً ; وَلِذَلِكَ كَانَا مُبَاحَيْنِ فَأَمَّا الِانْغِمَاسُ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ مَحْظُورٌ عِنْدَ مَالِكٍ رَحِمهُ اللَّهُ عَلَى الْمُحْرِمِ ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا زَالَ الْقَمْلُ بِكَثْرَةِ الْمَاءِ عَنْ الشَّعْرِ فَيَأْتِي مِنْ قَتْلِ الدَّوَابِّ بِمَا حُظِرَ عَلَيْهِ وَمُنِعَ مِنْهُ وَقَدْ رَوَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ إجَازَةَ انْغِمَاسِ الْمُحْرِمِ فِي الْمَاءِ وَأَمَّا اغْتِسَالُ أَبِي أَيُّوبَ فَلَا يُعْلَمُ هَلْ كَانَ غُسْلًا وَاجِبًا أَوْ غَيْرَ وَاجِبٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ إِلَّا صِفَةَ الْعَمَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.