المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (652)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (652)]
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ دَخَلَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِالسُّقْيَا وَهُوَ يَنْجَعُ بَكَرَاتٍ لَهُ دَقِيقًا وَخَبَطًا فَقَالَ هَذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَنْهَى عَنْ أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَلَى يَدَيْهِ أَثَرُ الدَّقِيقِ وَالْخَبَطِ فَمَا أَنْسَى أَثَرَ الدَّقِيقِ وَالْخَبَطِ عَلَى ذِرَاعَيْهِ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ أَنْتَ تَنْهَى عَنْ أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَقَالَ عُثْمَانُ ذَلِكَ رَأْيِي فَخَرَجَ عَلِيٌّ مُغْضَبًا وَهُوَ يَقُولُ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا
( ش ) : السُّقْيَا مَوْضِعٌ وَقَوْلُهُ يَنْجَعُ وَيُنْجِعُ لُغَتَانِ مَعْنَاهُ يُلَقِّمُ الْخَبَطَ بَكَرَاتٍ لَهُ يَعْنِي نُوقًا فَتِيَّةً فَقَالَ الْمِقْدَادُ هَذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَنْهَى عَنْ أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إنْكَارًا لِنَهْيِ عُثْمَانَ عَنْ الْقِرَانِ وَلَعَلَّ عُثْمَانَ إنَّمَا نَهَى عَنْهُ عَلَى حَسْبِ مَا نَهَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ الْمُتْعَةِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ وَلَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْحَضِّ عَلَى الْإِفْرَادِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ فَحَمَلَ ذَلِكَ الْمِقْدَادُ عَلَى الْمَنْعِ التَّامِّ أَوْ خَافَ أَنْ يُحْمَلَ مِنْهُ عَلَى الْمَنْعِ التَّامِّ فَيَتْرُكُ النَّاسُ الْعَمَلَ بِهِ جُمْلَةً حَتَّى يَذْهَبَ حُكْمُهُ وَيَنْقَطِعَ عَمَلُهُ فَقَالَ عُثْمَانُ ذَلِكَ رَأْيِي يُرِيدُ تَفْضِيلَ الْإِفْرَادِ عَلَيْهِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ رَأْيٌ رَآهُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَخَرَجَ عَلِيٌّ مُغْضَبًا يُرِيدُ كَارِهًا لِقَوْلِ عُثْمَانَ وَنَهْيِهِ عَنْ الْقِرَانِ يَقُولُ : اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ مَعًا فَفَرَّقَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ لِيُحْيِيَ حُكْمَ هَذِهِ السُّنَّةِ وَيُعْلِيَ بِأَمْرِهَا وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ مُرِيدٌ لِلْخَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَإِنَّمَا أَعْلَنَ عَلِيٌّ بِذِكْرِ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ ; لِأَنَّهُ قَصَدَ إظْهَارَ الْقِرَانِ وَلَوْ اجْتَزَأَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ فِي نُسُكِهِ قَارِنًا كَانَ أَوْ مُفْرِدًا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَأَجْزَأَهُ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي النُّطْقِ بِنَفْسِ النُّسُكِ فَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَرَى تَرْكَ التَّسْمِيَةِ وَقَالَ أَلَيْسَ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِك ! وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُسَمِّي وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ لَا تُجْزِئُهُ النِّيَّةُ وَلَيْسَ إسْنَادُهُ عَنْهُ هُنَاكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى إجْزَاءِ النِّيَّةِ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ فَوَجَبَ أَنْ تُلْزَمَ بِالدُّخُولِ فِيهَا دُونَ تَسْمِيَتِهِ لَهَا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْعِبَادَاتِ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُ عَلِيٍّ لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ مَعًا قَدَّمَ الْعُمْرَةَ فِي اللَّفْظِ وَالنِّيَّةِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْعُمْرَةَ يُرْدَفُ عَلَيْهَا بِالْحَجِّ وَلَا تُرْدَفُ هِيَ عَلَى الْحَجِّ , وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْعُمْرَةَ لَمَّا صَحَّ إرْدَافُ الْحَجِّ عَلَيْهَا وَلَمْ يَصِحَّ إرْدَافُهَا عَلَى الْحَجِّ اُخْتِيرَ تَقْدِيمُهَا فِي النِّيَّةِ لِصِحَّةِ وُرُودِ الْحَجِّ عَلَى الْإِحْرَامِ بِهَا وَقَدْ رَوَى أَبُو عِيسَى هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ تَقْدِيمِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ مُهِلًّا بِعُمْرَةٍ فَلَمَّا سَمِعَ مِنْ عُثْمَانَ مَا سَمِعَ أَرْدَفَ عَلَيْهَا حَجَّةً , وَتَقْدِيمُ الْعُمْرَةِ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ أَصَحُّ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ قَدَّمَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فِي اللَّفْظِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ فِي شَرْحِهِ يُجْزِئُهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ نَوَاهُمَا جَمِيعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.