المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (671)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (671)]
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَالضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ عَامَ حَجَّ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَهُمَا يَذْكُرَانِ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ جَهِلَ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ سَعْدٌ بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أَخِي فَقَالَ الضَّحَّاكُ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ سَعْدٌ قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ
( ش ) : قَوْلُ الضَّحَّاكِ فِي التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ لَا يَصْنَعُ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ جَهِلَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ لِلْمُتْعَةِ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَذَلِكَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَأَمَرَ بِهَا , فَقِيلَ لَهُ : إنَّك تُخَالِفُ أَبَاك فَقَالَ إِنَّ عُمَرَ لَمْ يَقُلْ الَّذِي تَقُولُونَ , وَإِنَّمَا قَالَ : أَفْرِدُوا الْحَجَّ مِنْ الْعُمْرَةِ فَإِنَّهُ أَتَمُّ الْعُمْرَةِ ; لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَتِمُّ فِي شُهُورِ الْحَجِّ إِلَّا أَنْ يُهْدِيَ وَأَرَادَ أَنْ يُزَارَ الْبَيْتُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَجَعَلْتُمُوهَا أَنْتُمْ حَرَامًا وَعَاقَبْتُمْ النَّاسَ عَلَيْهَا , وَقَدْ أَحَلَّهَا اللَّهُ وَعَمِلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ : كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعُوا أَمْ عُمَرُ وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ هُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمْ يَنْهَ عَنْهَا عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهَا ; لِأَنَّهُ رَأَى الْإِفْرَادَ أَفْضَلَ مِنْهَا وَمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَنْكَرَ النَّهْيَ عَنْهَا وَأَنَّهُ قَالَ أَنَا أَفْعَلُهَا دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ قَالَ : افْصِلُوا بَيْنَ حَجِّكُمْ وَعُمْرَتِكُمْ فَإِنَّهُ أَتَمُّ لِحَجِّ أَحَدِكُمْ وَلِعُمْرَتِهِ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ , وَكَانَ عُمَرُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ وَيَأْمُرُ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ , وَلَعَلَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ اعْتِقَادَ تَفْضِيلِ الْمُتْعَةِ خَطَأٌ فَكَانَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ وَيُعَاقِبُ عَلَيْهِ لَا عَلَى إبَاحَةِ الْمُتْعَةِ , وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِلصَّبِيِّ مَعْبَدٍ , وَقَدْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَمَتَّعَ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ هُدِيت لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُ سَعْدٍ بِئْسَ مَا قُلْت يَا ابْنَ أَخِي لَمَّا سَمِعَ إنْكَارَ الضَّحَّاكِ لِلْمُتْعَةِ , وَحَمْلَ أَمْرِهَا عَلَى الْمَنْعِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْمِلْ أَمْرَهَا عَلَى مَا حَمَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْ تَفْضِيلِ الْإِفْرَادِ عَلَيْهَا وَقَوْلُ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ نَهَى عَنْهَا تَعَلُّقٌ مِنْهُ بِالْحُجَّةِ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ وَمُنْتَهَى عِلْمِهِ فِيهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ عَنْ نَصٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ نَظَرٍ أَدَّاهُ إِلَيْهِ , وَإِنَّمَا قَالَهُ لَهُ لَمَّا رَأَى مِنْ نَهْيِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْهُ , وَلَمْ يَعْلَمْ مَعْنَى مَنْعِهِ الْمُتْعَةَ وَلَا حَمْلِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ : أَحَدَهُمَا أَنْ يَكُونَ سَعْدٌ قَدْ عَلِمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إنَّمَا نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ فَبَيَّنَ وَجْهَ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِمَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِلْمِ السَّامِعِ أَنَّ عُمَرَ لَا يُشَرِّعُ شَرِيعَةً وَلَا يُخَالِفُ مَا شَرَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمْ يُرِدْ النَّهْيَ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ وَالْمَنْعِ وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْوَجْهُ إِلَّا بِأَنْ يَعْتَقِدَ سَعْدٌ فِي عُمَرَ أَنَّهُ مِنْ عِلْمِ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مَا عَلِمَ وَالثَّانِيَ أَنْ يَكُونَ اعْتَقَدَ سَعْدٌ فِي نَهْيِ عُمَرَ تَحْرِيمَ الْمُتْعَةِ جُمْلَةً , أَوْ جَوَّزَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَرَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْلَمَ بِهِ النَّاسَ لِيَعْلَمُوا بِهِ وَلِيَتْرُكُوا نَهْيَ عُمَرَ , وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَمَرَ بِهَا أَوْ أَبَاحَهَا كَمَا يُقَالُ : نَادَى الْأَمِيرُ بِكَذَا , وَإِنَّمَا أَمَرَ مَنْ يُنَادِي وَقَتَلَ الْأَمِيرُ فُلَانًا وَإِنَّمَا أَمَرَ مَنْ يَقْتُلُهُ فَهَذَا اللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ مُبَاشَرَةَ الْفِعْلِ إِلَّا أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى هَذَا الَّذِي يَحْتَمِلُهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُفْرِدًا بِالْحَجِّ وَقَوْلُ سَعْدٍ وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُتَمَتِّعًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُفْرِدًا , وَيُخْبِرُ عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَيُضِيفُ ذَلِكَ إِلَى جُمْلَةِ جَمَاعَةٍ وَهُوَ مِنْهُمْ.