موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (694)]

البخاري
مسلم
أبو داود
الترمذي
النسائي
ابن ماجة
الدارمي
الموطأ
المسند

(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (694)]

‏ ‏حَدَّثَنِي ‏ ‏يَحْيَى ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِك ‏ ‏عَنْ ‏ ‏نَافِعٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ‏ ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ ‏


( ش ) : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ مَا دَبَّ وَدَرَجَ إِلَّا أَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي عُرْفِ اللُّغَةِ فِي نَوْعٍ مِنْ الْحَيَوَانِ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ عَلَى أَصْلِهَا مَعَ الْقَرَائِنِ الَّتِي يَتَبَيَّنُ الْمُرَادُ بِهَا وَقَدْ بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يُوقَعَ عَلَيْهَا اسْمُ الدَّوَابِّ. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ يَقْتَضِي إبَاحَةَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ ; لِأَنَّ الْجُنَاحَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى الْإِثْمِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا إثْمَ فِي قَتْلِهِنَّ عَلَى الْمُحْرِمِ فَإِذَا أُبِيحَ قَتْلُهَا فَلَا مَعْنَى لِلْكَفَّارَةِ وَالْجَزَاءِ بِقَتْلِهَا ; لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْمُبَاحِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهَا بِهِ وَاَلَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ شُيُوخُنَا الْمَالِكِيُّونَ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ كُلَّ مَا يَبْتَدِئُ بِالضَّرَرِ غَالِبًا فَإِنَّ لِلْمُحْرِمِ قَتْلَهُ ابْتِدَاءً فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْخَمْسُ الدَّوَابُّ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا جَامِعَةٌ لِأَنْوَاعِ ذَلِكَ وَهِيَ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَهُوَ كُلُّ مَا يَعْدُو وَيَفْتَرِسُ وَيُخِيفُ الْإِنْسَانَ مِنْ الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ وَالذِّئْبِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ ذَكَرَ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ الْفَرْقَ بَيْنَ الطَّيْرِ مِنْهَا وَبَيْنَ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَسَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ ابْتِدَاءً الذِّئْبَ وَالْكَلْبَ الْعَقُورَ وَالْغُرَابَ وَالْحِدَأَةَ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَتَلَ فَهْدًا أَوْ أَسَدًا أَوْ نَمِرًا أَوْ غَيْرَ مَا سَمَّيْنَاهُ مِنْ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَإِنْ عَدَتْ عَلَيْهِ فَقَتَلَهَا فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَهَذَا الِاسْمُ يَنْطَلِقُ عَلَى الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَكُلِّ مَا يَعْقِرُ الْإِنْسَانَ ; لِأَنَّ الْكَلْبَ مَأْخُوذٌ مِنْ التكلب وَمِنْهُ قوله تعالى وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينِ وَالْعَقُورُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْعُقْرِ وَهَذِهِ الصِّفَةُ فِي الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ أَبْيَنُ وَأَثْبُتُ مِنْهُ فِي الذِّئْبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكِلَابِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ أَنَّهُ قَالَ الْكَلْبُ الْعَقُورُ هُوَ الْأَسَدُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ يَلْحَقُ الضَّرَرُ مِنْ جِهَتِهِ بِالْعُدْوَانِ وَالِافْتِرَاسِ غَالِبًا فَجَازَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَبْتَدِئَهُ بِالْقَتْلِ كَالذِّئْبِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كُلُّ حَيَوَانٍ يَحْرُمُ أَكْلُهُ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ إِلَّا السَّبُعَ وَهُوَ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالضَّبُعِ وَأَمَّا الصَّيْدُ الَّذِي يُسْتَبَاحُ أَكْلُهُ فَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ صَيْدُهُ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قوله تعالى وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَالصَّيْدُ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ مُتَوَحِّشٍ يُصْطَادُ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلِذَلِكَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ اصْطَادَ فُلَانٌ سَبُعًا كَمَا يُقَالَ : اصْطَادَ ظَبْيًا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : اصْطَادَ شَاةً وَلَا إنْسَانًا وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا وَحْشِيٌّ لَا يَبْتَدِئُ بِالضَّرَرِ غَالِبًا فَوَجَبَ الْجَزَاءُ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ مُحْرِمًا كَالضَّبْعِ وَالثَّعْلَبِ. ‏ ‏( فَرْعٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ الَّتِي يَخْتَصُّ بَعْضُهَا بِمَعَانٍ مِنْ الضَّرَرِ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا فَأَمَّا الْغُرَابُ وَالْحَدَأَةُ فَإِنَّ مَضَرَّتَهُمَا لَيْسَتْ بِأَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَقْتُلَا أَحَدًا فِي الْغَالِبِ وَلَكِنَّهُمَا يَكْثُرَانِ فِي الْغَالِبِ ويغتفلان النَّاسَ فَيَأْخُذَانِ الْأَزْوَادَ واللحمان وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُمَا لِكَثْرَتِهِمَا وَدُنُوِّهِمَا مِنْ النَّاسِ , وَالْفَأْرَةُ تَخْتَصُّ بِقَرْضِ الثِّيَابِ وَالْمَزَاوِدِ وَإِفْسَادِ الطَّعَامِ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُمَا وَالْعَقْرَبُ تُؤْذِي بِاللَّدْغِ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ لَا سِيَّمَا فِي حَالِ النَّوْمِ وَالِاضْطِجَاعِ , وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ يُؤْذِي بِالْعَقْرِ وَالْفَرْسِ وَالْإِجَاحَةِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْقُوَّةِ عَلَى ذَلِكَ , وَأَنَّهُ إِذَا عَدَا لَمْ يَكُنْ يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ فَأُبِيحَ لِلْمُحْرِمِ دَفْعُ ذَلِكَ باغتفاله وَطَلَبِ غُرَّتِهِ ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مُتَحَرِّزًا فَقَصَدَهُ لَمْ يَسْتَطِعْ فِي الْغَالِبِ دَفْعَهُ. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ نَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا , وَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا مِنْهُمَا فِي بَابِهِمَا وَهَذَا الْكَلَامُ يَحْتَاجُ إِلَى تَأَمُّلٍ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي جِنْسِهِمَا مَا يَبْلُغُ ضَرَرَهُمَا ; لِأَنَّ أَكْثَرَ ضَرَرِهِمَا لَيْسَ لِشِدَّةٍ فِيهِمَا وَإِنَّمَا هُوَ لِكَثْرَتِهِمَا وَدُنُوِّهِمَا مِنْ النَّاسِ وَطَلَبِهِمَا الْغَفْلَةَ حَتَّى لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُمَا وَلَا الِانْفِصَالُ عَنْهُمَا بِقَتْلِهِمَا وَصَيْدِهِمَا وَأَمَّا الرَّخَمُ وَالْعِقْبَانُ فَإِنَّهَا نَادِرَةٌ نَافِرَةٌ عَنْ النَّاسِ فَإِنْ اتَّفَقَ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا مَا يَعْدُو فَهُوَ نَادِرٌ كَسَائِرِ الْحَيَوَانِ. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَأَمَّا الْفَأْرَةُ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ : إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَّ عَلَى الْفَأْرَةِ وَنَبَّهَ عَلَى مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا فِي جِنْسِهَا وَأَبْسَطُ حِيلَةً وَهَذَا أَيْضًا مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ ; لِأَنَّ الْفَأْرَةَ لَيْسَتْ تُؤْذِي بِقُوَّةٍ وَلَا بِمُغَالَبَةٍ وَإِنَّمَا تُؤْذِي بِاخْتِلَاسٍ وَمُدَاوَمَةٍ وَانْفِرَادٍ بِالْمَتَاعِ وَالزَّادِ وَلَا نَعْلَمُ مَا يُسَاوِيهَا فِي جِنْسِ إذايتها فَكَيْفَ بِمَا يَزِيدُ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَلَامُهُ فِي الْعَقْرَبِ وَيُتَّجَهُ عَلَيْهِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ مَا تَقَدَّمَ. ‏ ‏( فَصْلٌ ) وَأَمَّا الْكَلْبُ الْعَقُورُ فَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَيْضًا أَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ وَنَبَّهَ عَلَى مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فِي بَابِهِ وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ قَالَ : إِنَّ اسْمَ الْكَلْبِ لَا يَتَنَاوَلُ إِلَّا الْكَلْبَ ; فَلِذَا نَصَّ عَلَى الْكَلْبِ الْعَقُورِ لِأَجْلِ إِذَايَتِهِ وَلَمَّا كَانَ الْأَسَدُ وَالنَّمِرُ مِنْ جِنْسِهِ وَأَعْظَمُ ضَرَرًا مِنْهُ كَانَ فِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَيْهِمَا وَعَلَى مَا كَانَ مِنْ السِّبَاعِ مِثْلِهِمَا وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّ اسْمَ الْكَلْبِ الْعَقُورِ يَقَعُ عَلَى الْأَسَدِ وَالنَّمِرِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُهُمَا إبَاحَةُ قَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ مِنْ جِهَةِ النَّصِّ لَا مِنْ جِهَةِ التَّنْبِيهِ. ‏



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!