المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (705)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (705)]
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ الْمُحْصَرُ بِمَرَضٍ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِذَا اضْطُرَّ إِلَى لُبْسِ شَيْءٍ مِنْ الثِّيَابِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا أَوْ الدَّوَاءِ صَنَعَ ذَلِكَ وَافْتَدَى
( ش ) : قَوْلُهُ أَنَّ الْمُحْصَرَ بِمَرَضٍ لَا يُحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ هُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ التَّحَلُّلُ حَيْثُ أُحْصِرَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قوله تعالى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا تَلَبُّسٌ بِالْحَجِّ لَمْ يُصَدَّ عَنْهُ بِيَدٍ غَالِبَةٍ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ التَّحَلُّلُ دُونَ الْبَيْتِ كَمُخْطِئِ الْوَقْتِ أَوْ مُخْطِئِ الطَّرِيقِ وَالِاسْتِدْلَالُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ التَّحَلُّلَ إنَّمَا وُضِعَ لِلتَّخَلُّصِ مِمَّا هُوَ سَبَبٌ لِلتَّحَلُّلِ كَالْعَدُوِّ الْمَانِعِ فَشُرِعَ التَّحَلُّلُ لِلسَّلَامَةِ مِنْهُ وَالرُّجُوعِ عَنْهُ وَالْمَرِيضُ لَا يَتَخَلَّصُ بِتَحَلُّلِهِ مِنْ مَرَضِهِ فَلَمْ يَشْرَعْ لَهُ التَّحَلُّلُ كَالْمَسْجُونِ. ( مَسْأَلَةٌ ) إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَسَوَاءٌ شَرَطَ عِنْدَ إحْرَامِهِ التَّحَلُّلَ لِلْمَرَضِ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ عِنْدَ إحْرَامِهِ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ لِلشَّرْطِ الَّذِي شَرَطَهُ , وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ بِهِ مِنْ الْعِبَادَةِ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ بِهِ مِنْ الْعِبَادَةِ لِأَجْلِ الشَّرْطِ أَصْلُ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِطَ إِلَّا أَنْ يَبْدُو لِي , وَتَعَلَّقَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى جَوَازِ الِاشْتِرَاطِ بِمَا رَوَاهُ أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَحُجَّ فَكَيْفَ أَقُولُ ؟ فَقَالَ قُولِي لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ وَمَحِلِّي مِنْ الْأَرْضِ حَيْثُ تَحْبِسُنِي فَإِنَّ لَكِ عَلَى رَبِّكِ مَا اسْتَثْنَيْتِ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تُرِيدَ بِقَوْلِهَا وَمَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي الْمَوْتَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ عَلَيْهِ إتْمَامُ نُسُكِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرِيدَ حَيْثُ تَحْبِسُنِي بِعَدُوٍّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرِيدَ بِقَوْلِهَا مَحِلِّي أَيْ مَكَانَ مَقَامِي حَيْثُ تَحْبِسُنِي عَنْ التَّوَجُّهِ إِلَى الْبَيْتِ بِمَرَضٍ فَإِذَا زَالَ الْمَرَضُ تَوَجَّهْت إِلَيْهِ وَأَكْمَلْت نُسُكِي وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهَا وَمَحِلِّي مِنْ الْأَرْضِ حَيْثُ تَحْبِسُنِي فَهَذَا ظَاهِرُهُ الْمَكَانُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فَيَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ الدُّعَاءَ بِالْعَوْنِ وَالِاعْتِرَافَ بِالْعَجْزِ مَعَ بَذْلِ الْجُهْدِ فِي بُلُوغِ الْغَرَضِ مِنْ إتْمَامِ الْعِبَادَةِ لِمَا يُخَافُ مِنْ عَوَائِقِ الْمَرَضِ تُرِيدُ إنِّي يَا رَبِّ خَارِجَةٌ رَجَاءَ عَوْنِك عَلَى الْبُلُوغِ إِلَى قَضَاءِ نُسُكِي فَإِنْ حَبَسْتنِي دُونَ ذَلِكَ فَإِنِّي إنَّمَا أُمْسِكُ عَنْ التَّمَادِي حَيْثُ حَبَسْتَنِي وَسَلَبْتَنِي الْقُوَّةَ عَلَى السَّعْيِ إِلَى قَضَاءِ نُسُكِي وَهَذَا غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ صِفَةِ الْبَانِي عَلَى إحْرَامِهِ إِذَا أُحْصِرَ بِمَرَضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.