المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (721)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (721)]
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ السُّبْعَيْنِ لَا يُصَلِّي بَيْنَهُمَا وَلَكِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ كُلِّ سُبْعٍ رَكْعَتَيْنِ فَرُبَّمَا صَلَّى عِنْدَ الْمَقَامِ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ
( ش ) : قَوْلُهُ كَانَ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ السَّبْعَيْنِ لَا يُصَلِّي بَيْنَهُمَا يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُعَرِّي كُلَّ سَبْعٍ مِنْ أَنْ يَرْكَعَ بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ سَبْعَيْنِ , ثُمَّ يُؤَخِّرُ الرُّكُوعَ لَهُمَا فَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْ السَّبْعَيْنِ بَعْدَهُمَا وَلَكِنْ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ كُلِّ سَبْعٍ رَكْعَتَيْهِ الْمَشْرُوعَتَيْنِ لَهُ اللَّتَيْنِ هُمَا مِنْ تَمَامِهِ وَلَا يَجُوزُ إعْرَاؤُهُ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَ الطَّوَافُ فِي حَجٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَهُمَا وَاجِبَتَانِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا : إنَّهُمَا مُسْتَحَبَّانِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ سَبْعًا رَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا , ثُمَّ قَرَأَ وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَصَلَّى سَجْدَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ , ثُمَّ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ , ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ : إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَبَدَأَ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بَعْدَ طَوَافِ نُسُكِهِ رَكْعَتَيْنِ , وَأَفْعَالُهُ عَلَى الْوُجُوبِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ مَا فَعَلَهُ امْتِثَالًا لقوله تعالى وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَهَذَا أَمْرٌ وَأَمْرُهُ عَلَى الْوُجُوبِ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ الطَّوَافَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ لَهُ تَابِعٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَابِعُهُ وَاجِبًا كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَإِنَّ الَّذِي يَتْبَعُهُ الْوُقُوفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ. ( مَسْأَلَةٌ ) فَإِنْ تَرَكَ حَاجٌّ أَوْ مُعْتَمِرٌ الرَّكْعَتَيْنِ أَعَادَ الطَّوَافَ , ثُمَّ أَتَى بِهِمَا عَقِيبَ الطَّوَافِ وَسَعَى ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَّتِهَا مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ , وَفِي الْمَدَنِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَرْكَعُهُمَا وَلَا يُعِيدُ الطَّوَافَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَعَادَ الطَّوَافَ كَانَ أَحَبُّ إلَيَّ وَفِي غَيْرِهَا عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ طَافَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَلَا يُعِيدُ الطَّوَافَ وَلَا السَّعْيَ. ( فَرْعٌ ) فَإِنْ قُلْنَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الطَّوَافِ لِاتِّصَالِ الرَّكْعَتَيْنِ بِهِ فَإِنْ فَاتَ ذَلِكَ بِالْبُعْدِ عَنْ مَكَّةَ رَكَعَهُمَا وَأَهْدَى , وَذَلِكَ أَنَّ حُكْمَهُمَا وَسُنَّتَهُمَا أَنْ يَكُونَا عَقِيبَ الطَّوَافِ , وَذَلِكَ أَيْضًا مِنْ تَمَامِ فَضِيلَةِ الطَّوَافِ فَإِذَا فَاتَهُ ذَلِكَ أَتَى بِهِمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ ; لِأَنَّهُمَا لَا يَتَعَلَّقَانِ بِوَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَكَانَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ لِنَقْصِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالرَّكْعَتَيْنِ الْوَاجِبَتَيْنِ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَرُبَّمَا صَلَّى عِنْدَ الْمَقَامِ حِجْرِ إسْمَاعِيلَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ سَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ : إِنَّ إبْرَاهِيمَ قَامَ هَذَا الْمَقَامَ فَيَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ أَثَرُ مَقَامِهِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْجِبَالِ أَنْ تَفَرَّجِي عَنْهُ حَتَّى يَرَى الْمَنَاسِكَ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَرُبَّمَا صَلَّى عِنْدَ الْمَقَامِ وَعِنْدَ غَيْرِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ عِنْدَ الْمَقَامِ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَمَاكِنِ فِي الْمَسْجِدِ مُجْزِئَتَيْنِ وَأَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ الْأَمْرَيْنِ وَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ إِلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ رَكْعَتَا الطَّوَافِ الْوَاجِبِ خَلْفَ الْمَقَامِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَرَأَ عِنْدَ صَلَاتِهِ خَلْفَ الْمَقَامِ بِرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادٌ بِالْآيَةِ وَهَذَا أَمْرٌ وَلَيْسَ فِي الصَّلَوَاتِ مَا يَخْتَصُّ بِمَقَامِ إبْرَاهِيمَ غَيْرُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.