المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (736)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (736)]
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ صَائِمٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ بِصَائِمٍ فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ فَشَرِبَ
( ش ) : تَمَارِيهِمْ فِي صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمِ عَرَفَةَ هُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إنَّمَا ظَنَّ أَمْرًا فَنَزَعَ بِهِ , وَذَلِكَ أَنَّ صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ مُرَغَّبٌ فِيهِ لِغَيْرِ الْحَاجِّ مَمْنُوعٌ مَا يُخَافُ أَنْ يُضْعِفَهُ عَمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ الدُّعَاءِ الْمَخْصُوصِ بِعِبَادَتِهِ وَأَمَّا الصَّوْمُ فَلَيْسَ يَخْتَصُّ بِعِبَادَتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ كُلِّ مَا يُضْعِفُهُ عَنْ عِبَادَتِهِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ : فِطْرُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْحَاجِّ أَحَبُّ إلَيْنَا ; لِأَنَّهُ أَقْوَى لَهُ قَالَ أَشْهَبُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُرْجَى فِي صِيَامِهِ لِغَيْرِ الْحَاجِّ مَا لَا يُرْجَى فِي صِيَامِ غَيْرِهِ , وَفِطْرُهُ لِلْحَاجِّ أَحَبُّ إلَيْنَا ; لِأَنَّهُ يُضْعِفُ عَنْ الدُّعَاءِ وَقَدْ أَفْطَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَجِّ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَأَرْسَلْت إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ تُرِيدُ أَنْ تَخْتَبِرَ بِذَلِكَ صَوْمَهُ وَتَعْلَمَ الصَّحِيحَ مِنْ قَوْلِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي صَوْمِهِ وَهَذَا وَجْهٌ صَحِيحٌ فِي مَعْرِفَةِ أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَشْرَبَهُ فَيُعْلَمَ بِذَلِكَ فِطْرُهُ لِعِلْمِهَا بِصِحَّتِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَا يَمْنَعُ مِنْ الصَّوْمِ إِلَّا اخْتِيَارُ الْفِطْرِ وَأَمَّا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ شُرْبِهِ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صَوْمِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ لِشِبَعٍ وَرِيٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يُقَوِّي التجويزين , وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ فِي رَدِّهِ مَا يَدُلُّ عَلَى صَوْمِهِ أَوْ يَتَسَبَّبُ بِهِ إِلَى سُؤَالِهِ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى بَعِيرِهِ بِعَرَفَةَ فَشَرِبَ أَمَّا وُقُوفُهُ بِعَرَفَةَ فَالْأَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ فِي وَقْتِ صَوْمٍ ; لِأَنَّهُ لَا يَقِفُ بِعَرَفَةَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَّا رَيْثَمَا يَدْفَعُ وَأَيْضًا فَإِنَّهَا أَرَادَتْ أُمُّ الْفَضْلِ أَنْ تَعْلَمَ بِذَلِكَ أَمُفْطِرٌ هُوَ أَمْ صَائِمٌ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إِلَّا فِي وَقْتِ صَوْمٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْأَفْضَلُ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ لِلْحَجِّ تَعَلُّقًا بِالْمَالِ , وَالْإِنْفَاقُ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِمْسَاكِ وَفِي الْحَجِّ عَلَى الرَّاحِلَةِ عَوْنٌ عَلَى مُوَاصَلَةِ الدُّعَاءِ فَإِنَّ الْوَاقِفَ عَلَى قَدَمَيْهِ يَضْعُفُ عَنْ مُوَاصَلَةِ ذَلِكَ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى غُرُوبِهَا وَلِهَذَا الْمَعْنَى اُسْتُحِبَّ الْفِطْرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَشَرِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ لِيُبَيِّنَّ لِلنَّاسِ فِطْرَهُ وَلَعَلَّهُ قَدْ عَلِمَ بِتَمَارِي أَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَأَرَادَ تَبْيِينَ الشَّرْعِ وَإِيضَاحَ الْحَقِّ وَرَفْعَ اللَّبْسِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.