المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (757)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (757)]
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ صَاحِبَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ مِنْ الْهَدْيِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ بَدَنَةٍ عَطِبَتْ مِنْ الْهَدْيِ فَانْحَرْهَا ثُمَّ أَلْقِ قِلَادَتَهَا فِي دَمِهَا ثُمَّ خَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ يَأْكُلُونَهَا
( ش ) : صَاحِبُ الْهَدْيِ هُوَ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبَ الْأَسْلَمِيُّ وَقَالَ ابْنُ عَفِيرٍ اسْمُهُ ذَكْوَانُ وَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاجِيَةً إذْ نَجَا مِنْ قُرَيْشٍ وَقَوْلُهُ كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ مِنْ الْهَدْيِ ؟ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُؤَالًا عَنْ جَمِيعِ جِنْسِ الْهَدْيِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُؤَالًا عَنْ هَدْيٍ مَعْهُودٍ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْهَدْيُ الَّذِي بَعَثَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فَسُؤَالُهُ عَمَّا يَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ مِنْهُ , وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ : أَحَدُهُمَا الْعَطَبُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْتِ وَالْفَوَاتِ غَيْرَ أَنَّ جَوَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْنَعُ هَذَا وَالْمَعْنَى الثَّانِيَ أَنْ يَكُونَ عَطِبَتْ بِمَعْنَى بَلَغَتْ مَبْلَغًا لَا يُمْكِنُ تَوْصِيلُهَا مَعَهُ , وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَنَعَ إيصَالَهَا فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ وَالثَّانِي أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ فِي الْوَقْتِ مِنْ إعْيَاءٍ غَلَبَ عَلَيْهَا وَيُمْكِنُ إيصَالُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ بَدَنَةٍ عَطِبَتْ مِنْ الْهَدْيِ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ مِنْ اسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ وَالْعَهْدِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ الْأُولَى بِمَعْنَى الْعَهْدِ , وَالثَّانِيَةُ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ , وَذَلِكَ بِأَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ حُكْمِ ذَلِكَ الْهَدْيِ فَيُخْبِرُهُ عَنْ حُكْمِ سَائِرِ الْهَدَايَا لِيُبَيِّنَ لِلنَّاسِ وَلِيُعَلِّمَهُمْ حُكْمَ جَمِيعِ الْهَدْيِ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْحَرْهَا , ثُمَّ أَلْقِ قَلَائِدَهَا فِي دَمِهَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَمْ تَفُتْ الذَّكَاةُ وَإِنَّمَا مَنَعَ بُلُوغَهَا مَحَلَّهَا فَأَمَرَهُ بِنَحْرِهَا وَهَذَا حُكْمُ مَا عَطِبَ مِنْ الْهَدْيِ سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا أَوْ غَيْرَهُ غَيْرَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ وَلَا بَدَلَ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ إِلَّا عَلَى وَجْهٍ مِنْ التَّعَدِّي فِيهِ , وَأَمَرَهُ بِأَنْ يُلْقِيَ قَلَائِدَهَا فِي دَمِهَا , وَالْقَلَائِدُ هِيَ الَّتِي يُقَلَّدُ بِهَا عِنْدَ الْإِشْعَارِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ لَا يَسْتَبْقِيَ شَيْئًا مِنْهَا وَلَا يَتَشَبَّثَ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهَا وَلَا الْقَلَائِدِ عَلَى بِزَازَتِهَا وَقِلَّتِهَا وَأَنَّهَا مُضَافَةٌ إلَيْهَا وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ وَلَا يَسْتَبْقِي الْمُتَوَلِّي لِأَمْرِهَا مِنْهَا مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا مَا يَنْتَفِعُ هُوَ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْقَلَائِدُ لَا يَبْقَى فِيهَا كَبِيرُ مَنْفَعَةٍ وَلَا هِيَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ تَقْلِيدَهَا لِهَدْيٍ آخَرَ ; فَلِذَلِكَ أَمَرَهُ بِإِلْقَائِهَا فِي دَمِهَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْهَدْيِ يَعْطَبُ قَبْلَ مَحِلِّهِ وَهُوَ تَطَوُّعٌ فَقَالَ : لِيَنْحَرْهُ مَكَانَهُ وَيُلْقِي قَلَائِدَهَا فِي دَمِهِ مِنْ سُنَّتِهِ وَحُكْمِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ قَالَ أَنَّهُ عَلَمٌ لِلْإِذْنِ لِلنَّاسِ فِي أَكْلِهَا , وَلِذَلِكَ كُلُّهُ وَجْهٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ إبْقَاءَ عَلَامَةِ الْهَدْيِ فِيهَا لِئَلَّا يَتَعَدَّى أَحَدٌ فَيَصْرِفَهَا عَنْ وَجْهِهَا بِبَيْعٍ أَوْ مَنْعٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ يَأْكُلُونَهَا يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ آخِرَ عَمَلِهِ فِيهَا نَحْرُهَا وَإِلْقَاءُ قَلَائِدِهَا فِي دَمِهَا وَأَنَّهُ لَا يَلِي تَفْرِيقَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ وَإِنَّمَا يُخَلِّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا , وَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ أَنْ لَا يَأْخُذَ الْمُتَوَلِّي مِنْهَا شَيْئًا ; لِأَنَّهُ قَالَ يَأْكُلُونَهَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ جَمِيعِهَا ( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ أُرْسِلَ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَمَرَهُ صَاحِبُهُ أَنْ يَنْحَرَهُ , ثُمَّ يُخَلِّيَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ فَتَصَدَّقَ هَذَا بِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ وَأَرَاهُ قَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ ; لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ وَلَا تَصَدَّقَ بِهِ أَحَدٌ عَنْ إذْنِهِ وَإِنَّمَا تَصَدَّقَ بِهِ غَيْرُهُ كَرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ قَسَمَهُ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا شَيْءَ بِذَلِكَ عَلَى صَاحِبِهِ. ( مَسْأَلَةٌ ) وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ الْهَدْيِ أَمَرَهُ حِينَ أَرْسَلَهُ مَعَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ أَوْ يَقْسِمَهُ بَيْنَ النَّاسِ لَمْ يَجُزْ.