المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (758)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (758)]
و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ مَنْ سَاقَ بَدَنَةً تَطَوُّعًا فَعَطِبَتْ فَنَحَرَهَا ثُمَّ خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ يَأْكُلُونَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا أَوْ أَمَرَ مَنْ يَأْكُلُ مِنْهَا غَرِمَهَا و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ
( ش ) : قَوْلُهُ مَنْ سَاقَ بَدَنَةً تَطَوُّعًا فَعَطِبَتْ يُرِيدُ امْتَنَعَتْ مِنْ الْوُصُولِ إِلَى مَحِلِّهَا وَمَحِلُّهَا مَوْضِعٌ يَجُوزُ فِيهَا نَحْرُهَا , وَذَلِكَ مَكَّةُ أَوْ مِنًى عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ هَذَا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدْ رُوِيَ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ فِيمَنْ بَلَغَ بِهَدْيِهِ مَكَّةَ فَعَطِبَ بِهَا وَهُوَ يُرِيدُ عَرَفَةَ قَالَ يُجْزِئُهُ قِيلَ : فَمَنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : يُجْزِئُهُ ; لِأَنَّهُ قَدْ بَلَغَ مَحِلَّهُ وَقَالَ مَالِكٌ كُلُّ هَدْيٍ بَلَغَ بِهِ مَكَّةَ فَعَطِبَ أَوْ نُحِرَ بِهَا مِمَّا جَاءَ مِنْ الْحِلِّ فَهُوَ مُجْزِئٌ إِلَّا هَدْيَ الْمُتْعَةِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ ; لِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِهِ مِنْ مَكَّةَ فَإِذَا عَطِبَ بِهَا لَمْ يَجْتَمِعْ فِيهِ الْحِلُّ وَالْحَرَمُ وَوَجْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ قَوْلُهُ حَتَّى بَلَغَ مَحِلَّهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَكَّةَ مَحِلٌّ لِنَحْرِ الْهَدْيِ وَأَمَّا هَدْيُ التَّمَتُّعِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَبْدَأُ أَمْرُهُ لِلْمُتَمَتِّعِ بِمَكَّةَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَإِنْ كَانَ ابْتَدَأَ تَقْلِيدَهُ مِنْ مَكَّةَ فَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ إِلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ إِلَى الْحِلِّ مُقَلِّدًا وَإِنْ كَانَ قَلَّدَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَشْعَرَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ لَا يُجْزِئُهُ قَالَ وَسَهَّلَ فِيهِ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ. ( مَسْأَلَةٌ ) فَلَوْ عَطِبَ الْهَدْيُ بِمِنًى وَقَدْ مَرَّ بِمَكَّةَ أَوْ عَطِبَ بِعَرَفَةَ أَوْ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَبْسُوطِ لَا يُجْزِئُ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ عَرَفَةَ إِلَى مِنًى ; لِأَنَّ مِنًى فِي غَيْرِ أَيَّامِ النَّحْرِ كَغَيْرِهَا لَا يُجْزِئُ النَّحْرُ فِيهَا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا عَطِبَ بِمَوْضِعٍ يَجُوزُ فِيهِ نَحْرُهُ بَلَغَ مَحِلَّهُ وَإِذَا عَطِبَ بِمَحِلٍّ لَا يَجُوزُ فِيهِ نَحْرُهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا عَطِبَ قَبْلَ الْوُصُولِ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ ثُمَّ خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ يَأْكُلُونَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ إنَّمَا ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ , وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ حَقُّ الْهَدْيِ بِتِلْكَ الْعَيْنِ لِتَطَوُّعِهِ وَتَعْيِينِهِ لَهَا فَإِذَا عَطِبَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ أَوْ أَمَرَ مَنْ يَأْكُلُ مِنْهُ فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ صَاحِبَ هَدْيِهِ لَمَّا عَطِبَ مِنْهُ أَنْ يَنْحَرَهَا وَيُلْقِيَ قَلَائِدَهَا فِي دَمِهَا وَيُخَلِّيَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَأْكُلَ شَيْئًا مِنْهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّمَا مُنِعَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا ; لِأَنَّهُ يُخَافُ أَنْ يُسْرِعَ إِلَى إعْطَائِهَا لِيَأْكُلَ مِنْهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ لَا يَأْكُلُ مِنْهَا وَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا أَبْدَلَهَا عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ رضِيَ اللَّهُ عَنْهُم غَيْرَ أَنَّ التَّعْلِيلَ فِيهِ تِلْكَ الْقُوَّةُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ لَمَّا قَلَّدَهُ هَدْيًا وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُبَلِّغَهُ مَحِلَّهُ فَقَدْ يَضْمَنُ ذَلِكَ الِامْتِنَاعَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ عَلَى وَجْهِ إتْلَافِ عَيْنِهِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ كَانَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ وَقَدْ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ الرَّأْيُ أَنْ يَغْرَمَ مَا أَكَلَ وَلَكِنَّ السُّنَّةَ مَضَتْ بِتَضْمِينِهِ كُلِّهِ وَمَا قَالَهُ سُفْيَانُ يَطَّرِدُ عَلَى مَا عَلَّلْنَا بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ إنَّمَا لَزِمَهُ بَدَلُهُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ بِقَدْرِ مَا أَكَلَ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَغْرَمُ مَا أَكَلَ هَدْيًا , وَالْهَدْيُ لَا يَتَبَعَّضُ فَمَنْ لَزِمَهُ بَعْضُهُ لَزِمَهُ جَمِيعُهُ لِيَصِحَّ كَوْنُهُ هَدْيًا.