المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (783)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (783)]
و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ مَنْ نَذَرَ بَدَنَةً فَإِنَّهُ يُقَلِّدُهَا نَعْلَيْنِ وَيُشْعِرُهَا ثُمَّ يَنْحَرُهَا عِنْدَ الْبَيْتِ أَوْ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ لَيْسَ لَهَا مَحِلٌّ دُونَ ذَلِكَ وَمَنْ نَذَرَ جَزُورًا مِنْ الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ فَلْيَنْحَرْهَا حَيْثُ شَاءَ
( ش ) : قَوْلُهُ مَنْ نَذَرَ بَدَنَةً فَإِنَّهُ يُقَلِّدُهَا يَقْتَضِي أَنَّ لَفْظَ الْبَدَنَةِ لَا يَنْطَلِقُ إِلَّا عَلَى الْهَدْيِ وَفِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ أَنَّ الْبَدَنَةَ مِنْ الْإِبِلِ مَا أُهْدَى وَلِذَلِكَ قَالَ : إِنَّ مَنْ نَذَرَ بَدَنَةً فَحُكْمُهُ أَنْ يُقَلِّدَهَا وَمَنْ نَذَرَ جَزُورًا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ لِمَا افْتَرَقَا فِي الْمَعْنَى وَصَارَ عِنْدَهُ اسْمُ الْبَدَنَةِ مُخْتَصًّا بِالْهَدْيِ وَاسْمُ الْجَزُورِ مُخْتَصًّا بِمَا لَيْسَ بِهَدْيٍ وَالنَّذْرُ لِلْإِبِلِ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَنْذُرَهَا بِاسْمِ الْبَدَنَةِ أَوْ يَنْذُرَهَا بِاسْمِ الْجَزُورِ فَإِنْ نَذَرَهَا بِاسْمِ الْبَدَنَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا أَنْ لَا يَنْوِي هَدْيًا وَلَا غَيْرَهُ وَالثَّانِي أَنْ يَنْوِيَ الْهَدْيَ وَالثَّالِثُ أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ الْهَدْيِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ لَهَا حُكْمَ الْهَدْيِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْبَدَنَةِ نِيَّةً وَلَا غَيْرَهَا وَلِأَنَّ لَفْظَ الْبَدَنَةِ مُخْتَصٌّ بِالْهَدْيِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ وَإِنْ نَوَى الْهَدْيَ فَهُوَ أَبْيَنُ فِي وُجُوبِ حُكْمِ الْهَدْيِ فَإِنْ نَوَى غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى إِلَّا أَنَّهُ إِنْ نَذَرَ ذَلِكَ بِمَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ غَيْرِ مَكَّةَ وَكَانَ بِمَوْضِعِ نَذْرٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْحَرَهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ بِمَوْضِعٍ يَتَكَلَّفُ إِلَيْهِ سَوْقُ الْبَدَنَةِ نَحَرَهَا بِمَوْضِعِهِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُسَاقَ إِلَى غَيْرِ مَكَّةَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَهَذَا عِنْدِي فِي الْمُعَيَّنَةِ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ فَيَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِمَوْضِعِ نَذْرِ نَحْرِهَا وَيَنْحَرُهَا هُنَاكَ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ اخْتِصَاصِ صَدَقَتِهِ بِمَوْضِعٍ يَخُصُّهُ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ مِنْ سِوَى الْبُدْنِ إِلَى غَيْرِ مَكَّةَ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ وَمَنْ نَذَرَ جَزُورًا مِنْ الْإِبِلِ أَوْ الْبَقَرِ فَلْيَنْحَرْهَا حَيْثُ شَاءَ يُرِيدُ أَنَّ مَنْ نَذَرَهُ بِاسْمِ الْجَزُورِ وَهُوَ لَفْظٌ مُخْتَصٌّ بِغَيْرِ الْهَدْيِ وَلَا يَنْطَلِقُ مِنْ جِهَةِ عُرْفِ الشَّرْعِ عَلَى الْهَدْيِ فَمَنْ نَذَرَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَهُوَ عَمَلٌ يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ قَالَ : وَهَذَا عِنْدِي أَنَّ النَّذْرَ إنَّمَا هُوَ فِي إطْعَامِ الْمَسَاكِينِ لَحْمَهَا أَمَّا إرَاقَةُ الدَّمِ فَيَجِبُ عِنْدِي أَنْ يُكَوَّنَ النَّذْرُ غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ بِهِ لِأَنَّ إرَاقَةَ الدِّمَاءِ لَا تَكُونُ إِلَّا بِمَكَّةَ أَوْ بِمِنًى فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ لِفِدْيَةِ الْأَذَى فَلَا يُسَاقُ إِلَى غَيْرِ مَكَّةَ لِاخْتِصَاصِهِ بِذَلِكَ الْمَكَانِ وَكَذَلِكَ الْأُضْحِيَةِ وَلَوْ أَنَّ مَنْ نَذَرَ نَحْرَ الْجَزُورِ بِغَيْرِ مَكَّةَ يَشْتَرِيهَا مَنْحُورَةً فَتَصَدَّقَ بِهَا لَأَجْزَأَ عِنْدِي لِأَنَّ إرَاقَةَ دَمِهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النَّذْرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقُرَبِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَلِذَلِكَ ذَكَرَهَا ابْنُ عُمَرَ بِاسْمِ الْجَزُورِ وَلَمْ يَقُلْ هَدْيًا وَلَا دَمًا. ( فَصْلٌ ) وَلَمْ يَقْصِدْ بِذِكْرِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ دُونَ الْغَنَمِ أَنَّ النَّذْرَ لَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِمَا وَإِنَّمَا قَصَدَ إِلَى أَنَّ الْبَقَرَةَ تَنُوبُ عَنْ الْبَدَنَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِيمَنْ نَذَرَ بَدَنَةً فَلَمْ يَجِدْهَا : فَلْيَنْحَرْ بَقَرَةً وَأَنَّ الشَّاةَ لَا تُجْزِي عَنْ الْبَدَنَةِ وَيَجِبُ أَنْ لَا تَجْزِي عَلَى ذَلِكَ عَنْ الْبَقَرَةِ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَلْيَنْحَرْهَا حَيْثُ شَاءَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ نَذَرَ جَزُورًا فَإِنَّ إطْلَاقَ هَذَا النَّذْرِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ وَنَذْرُ الْهَدْيِ يَتَعَلَّقُ بِمَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ وَالثَّانِي أَنَّ مَنْ نَذَرَ سَوْقَ جَزُورٍ مُعَيَّنٍ إِلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ فَإِنَّ نَذْرَ سَوْقِهِ بَاطِلٌ وَيَنْحَرُهُ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَتَكَلَّفُ سَوْقُهُ إلَيْهَا لِقُرْبِهَا.