المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (789)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (789)]
و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ إِنِّي أَفَضْتُ وَأَفَضْتُ مَعِي بِأَهْلِي ثُمَّ عَدَلْتُ إِلَى شِعْبٍ فَذَهَبْتُ لِأَدْنُوَ مِنْ أَهْلِي فَقَالَتْ إِنِّي لَمْ أُقَصِّرْ مِنْ شَعَرِي بَعْدُ فَأَخَذْتُ مِنْ شَعَرِهَا بِأَسْنَانِي ثُمَّ وَقَعْتُ بِهَا فَضَحِكَ الْقَاسِمُ وَقَالَ مُرْهَا فَلْتَأْخُذْ مِنْ شَعَرِهَا بِالْجَلَمَيْنِ قَالَ مَالِك أَسْتَحِبُّ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يُهْرِقَ دَمًا وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا فَلْيُهْرِقْ دَمًا
( ش ) : قَوْلُهُ إنِّي أَفَضْت وَأَفَضْت مَعِي بِأَهْلِي يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَوَجَّهَ لِلْإِفَاضَةِ وَعَدَلَ إِلَى الشُّعَبِ فِي تَوَجُّهِهِ إِلَى الْإِفَاضَةِ , وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ "" أَفَضْت "" طُفْت طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَأَنَّهُ عَدَلَ إِلَى الشُّعَبِ لِانْصِرَافِهِ مِنْ الْإِفَاضَةِ إِلَى مِنًى وَهُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ لِقَوْلِهِ أَفَضْت وَإِنَّمَا يَقْتَضِي الْإِفَاضَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَهِيَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَذَهَبْت لِأَدْنُوَ مِنْ أَهْلِي فَقَالَ : إنِّي لَمْ أُقَصِّرْ بَعْدُ مَنَعَتْهُ الدُّنُوَّ مِنْهَا وَمَعْنَاهُ الْجِمَاعُ لِمَا لَمْ تَكُنْ قَصَّرَتْ بَعْدُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ وَلَمْ يَحْلِقْ فَإِنَّهُ لَا يُجَامِعُ أَهْلَهُ لِأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ التَّحَلُّلِ لِأَنَّ الْحِلَاقَ مِنْ التَّحَلُّلِ فِي الْحَجِّ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَأَخَذْت مِنْ شَعْرِهَا بِأَسْنَانِي ثُمَّ وَقَعْت بِهَا يُرِيدُ أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ تَقْصِيرًا يُبِيحُ مِنْهَا مَا يَمْنَعُهُ عَدَمُ التَّقْصِيرِ وَضَحِكَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَا أَخْبَرَهُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ الْحِرْصِ عَلَى الْجِمَاعِ وَالتَّسَبُّبِ لَهُ وَإِقَامَتِهِ الْقَصَّ بِأَسْنَانِهِ لِشَيْءٍ مِنْ شَعْرِهَا مَقَامَ التَّقْصِيرِ اللَّازِمِ لَهَا حِرْصًا عَلَى بُلُوغِ مَا أَرَادَهُ مِنْهَا. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ : مُرْهَا فَلْتَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهَا بِالْجَلَمَيْنِ أَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ أَخْذَهُ مِنْ شَعْرِهَا بِأَسْنَانِهِ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيعَابُ جَمِيعِ شَعْرِهَا بِالتَّقْصِيرِ وَكَانَ يَرَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إِلَّا الِاسْتِيعَابُ فَأَمَرَهُ بِأَنْ يُقَصِّرَ بِالْجَلَمَيْنِ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يُمْكِنُ الِاسْتِيعَابُ بِهِمَا وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْأَخْذُ مِنْ الشَّعْرِ بِالْأَسْنَانِ وَلَا بِغَيْرِهَا إِلَّا مَا كَانَ مِنْ الْحَدِيدِ الَّذِي اُعْتِيدَ التَّقْصِيرُ بِهِ وَأَمَّا التَّقْصِيرُ بِالْأَضْرَاسِ فَإِنَّهُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْقَصِّ بِالْجَلَمَيْنِ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُ مَالِكٍ أَسْتَحِبُّ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يُهْرِقَ دَمًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمَّا أَصَابَ النِّسَاءَ قَبْلَ تَمَامِ تَحَلُّلِهِ بِالْحِلَاقِ كَانَ عَلَيْهِ الدَّمُ وَأَيْضًا فَإِنَّ طَوَافَهُ لِلْإِفَاضَةِ قَبْلَ الْحِلَاقِ مِمَّا قَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي إعَادَتِهِ فِي وُجُوبِ الْهَدْيِ بِهِ فَكَيْفَ إِذَا تَحَلَّلَهَا الْوَطْءُ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ : مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا فَلْيُهْرِقْ دَمًا احْتِجَاجُهُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ قَوْلٌ قَدْ قَالَهُ غَيْرُهُ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ النِّسْيَانَ وَالْعَمْدَ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ أَوْ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُهْرِيقَ دَمًا فِي نِسْيَانِهِ مَعَ عُذْرِ النِّسْيَانِ فَبِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ وَالْجَهْلِ أَوْلَى وَلَمَّا احْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْحِلَاقُ عِنْدَهُ نُسُكًا وَإِلَّا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الدَّلِيلُ وَفِي ذَلِكَ وَجْهٌ آخَرُ وَذَلِكَ أَنَّ مَا قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْهَدْيِ لِأَنَّ مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا كَالْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَوْ رَمْيِ الْجِمَارِ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ الْهَدْيُ لَكِنْ لَمَّا احْتَمَلَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ وَاشْتَمَلَ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ تَعَلَّقَ بِهِ النَّدْبُ لِأَنَّهُ مُتَنَاوِلٌ لَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ أَسْتَحِبُّ لَهُ أَنَّهُ يَسْتَحِبُّ إيجَابَهُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ قَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ قَوْلِ مَنْ لَمْ يُوجِبْهُ فَيَكُونُ الْهَدْيُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَاجِبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.