المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (815)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (815)]
حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مَالِك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا الْبَدَّاحِ بْنَ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ خَارِجِينَ عَنْ مِنًى يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ يَرْمُونَ الْغَدَ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ لِيَوْمَيْنِ ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ
( ش ) : قَوْلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْخَصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ خَارِجِينَ عَنْ مِنًى يَقْتَضِي أَنَّ هُنَاكَ مَنْعًا خُصَّ هَذَا مِنْهُ لِأَنَّ لَفْظَةَ الرُّخْصَةِ لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِيمَا يُخَصُّ مِنْ الْمَحْظُورِ لِلْعُذْرِ وَذَلِكَ أَنَّ لِلرِّعَاءِ عُذْرًا فِي الْكَوْنِ مَعَ الظَّهْرِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهِ وَالرَّعْيُ بِهِ لِلْحَاجَةِ إِلَى الظُّهْرِ فِي الِانْصِرَافِ إِلَى بَعِيدِ الْبِلَادِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ فَأُبِيحَ لَهُمْ ذَلِكَ لِهَذَا الْمَعْنَى. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ يُرِيدُ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ ثُمَّ يَغِيبُونَ عَنْ مِنًى عَلَى مَا فَسَّرَهُ مَالِكٌ أَوَّلَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ الَّذِي يَلِي يَوْمَ النَّحْرِ فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يَتَعَجَّلُ فِيهِ النَّفْرُ مَنْ يُرِيدُ التَّعْجِيلَ أَوْ مَنْ يَجُوزُ لَهُ التَّعْجِيلُ رَمَوْا عَنْ الْيَوْمَيْنِ بَدَءُوا بِرَمْيِ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الرَّمْيِ لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَضَوْهُ وَإِنَّمَا رَمَوْا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَرْمُوا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَنْهُمَا لِمَا قَالَهُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقْضِي شَيْئًا قَبْلَ وُجُوبِهِ وَإِنَّمَا يَقْضِي بَعْدَ وُجُوبِهِ وَخُرُوجِ وَقْتِهِ وَلِذَلِكَ لَا يَرْمِي فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَنْ الثَّالِثِ فَلَوْ رَمَى فِي أَوَّلِ يَوْمٍ لَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَرْمِيَ إِلَّا عَنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ خَاصَّةً دُونَ الْيَوْمِ الثَّانِي وَكَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَيَرْمِي عَنْهُ فَتَلْحَقُهُ مَشَقَّةُ التَّكَرُّرِ وَيُضَيِّعُ الظُّهْرَ فَأُبِيحَ لَهُ التَّأْخِيرُ إِلَى الْيَوْمِ الثَّانِي فَيَكُونُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ رَمْيُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ قَضَاءً وَرَمْيُ الْيَوْمِ الثَّانِي أَدَاءً. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ أَخْبَرَ أَنَّ رَمْيَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ رُخْصَةٌ وَلَا يُغَيِّرُ عَنْ وَقْتِهِ وَلَا إضَافَةَ إِلَى غَيْرِهِ ثُمَّ يَرْمُونَ الْغَدَ يُرِيدُ أَنَّهُ يَرْمِي لِلْيَوْمَيْنِ فَقَالَ : يَرْمُونَ الْغَدَ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ لِيَوْمَيْنِ فَذَكَرَ الْأَيَّامَ الَّتِي يُرْمَى لَهَا وَهِيَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَبَعْدَ الْغَدِ وَهُمَا أَوَّلُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَثَانِيهِمَا وَلَمْ يَذْكُرْ وَقْتَ الرَّمْيِ وَإِنَّمَا يَرْمِي لَهُمَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلِذَلِكَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ فَقَالَ : لِيَوْمَيْنِ وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ مَالِكٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُمْ يَرْمُونَ لِيَوْمَيْنِ يَرْمُونَ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ وَهُوَ يَوْمُ رَمْيِهِمْ لِأَنَّهُ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلُ فَيَكُونُ قَوْلُهُ ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ تَفْسِيرًا لِأَحَدِ الْيَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ يُرْمَى لَهُمَا وَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ يَرْمُونَ لِيَوْمَيْنِ ثُمَّ بَيَّنَ الْيَوْمَ الثَّانِي مِنْهُمَا فَعُلِمَ بِذَلِكَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ يَوْمُ النَّفْرِ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَجَّلَ وَيَكُونُ فَائِدَةُ قَوْلِهِ ثُمَّ يَرْمُونَ لِيَوْمِ النَّفْرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ لِلْيَوْمِ الثَّانِي حَتَّى يُكْمِلَ رَمْيَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ يَرْمُونَ الْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ لِيَوْمَيْنِ أَنْ يُبَيِّنَ بِهَذَا كَلَامَهُ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ بِقَوْلِهِ ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ لِمَنْ لَمْ يُرِدْ التَّعْجِيلَ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يَوْمَ النَّفْرِ الثَّانِي وَهُوَ الثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَعَلَى هَذَا فَسَّرَ مَالِكٌ الْحَدِيثَ وَمَنْ أَرَادَ التَّعْجِيلَ فَإِنَّهُ إِذَا رَمَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي تَعَجَّلَ وَأَجْزَأَهُ ذَلِكَ.