المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (835)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (835)]
و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ حَدَّثَنِي شَيْخٌ بِسُوقِ الْبُرَمِ بِالْكُوفَةِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّهُ قَالَ جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَنْفُخُ تَحْتَ قِدْرٍ لِأَصْحَابِي وَقَدْ امْتَلَأَ رَأْسِي وَلِحْيَتِي قَمْلًا فَأَخَذَ بِجَبْهَتِي ثُمَّ قَالَ احْلِقْ هَذَا الشَّعَرَ وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي مَا أَنْسُكُ بِهِ
( ش ) : قَوْلُهُ جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَرَّ بِهِ فِي طَرِيقِهِ لِأَمْرٍ مَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَهُ عَلَى مَا يَفْعَلُ الْمُتَوَاضِعُ مِنْ زِيَارَةِ أَصْحَابِهِ وَتَفَقُّدِ أَحْوَالِهِمْ وَلَعَلَّهُ قَدْ بَلَغَهُ مَا بَلَغَ بِهِ مِنْ الْهَوَامِّ فَقَصَدَهُ لِذَلِكَ لِيُحَقِّقَ حَالَ ضَرُورَتِهِ وَيَأْمُرَهُ بِمَا يَجِبُ لَهُ وَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَتَنَاوَلَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ النَّفْخَ تَحْتَ الْقِدْرِ لِأَصْحَابِهِ مُسَارَعَةً إِلَى خِدْمَتِهِمْ فَإِنَّ الْأَجْرَ فِي خِدْمَةِ الرُّفَقَاءِ جَزِيلٌ وَلَا يَمْتَنِعُ الْمُحْرِمُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ خَافَ أَنْ يَلْحَقَ لَهَبُ النَّارِ شَعْرَهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ فِيمَنْ نَفَخَ تَحْتَ قِدْرٍ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّنُّورِ فَأَحْرَقَ شَعْرَهُ لَهَبُ النَّارِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَأَخَذَ بِجَبْهَتِي وَقَالَ : احْلِقْ هَذَا الشَّعْرَ يُرِيدُ مَا عَلَى جَبْهَتِهِ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ وَأَخْذُهُ بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّأْنِيسِ لَهُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ رَفْعَ الْإِشْكَالِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ : احْلِقْ شَعْرَ رَأْسِكَ لَجَوَّزَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ غَيْرُ شَعْرِ الرَّأْسِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : احْلِقْ شَعْرَ رَأْسِكَ لَجَوَّزَ أَنْ يَكُونَ اسْمُ الرَّأْسِ مَقْصُورًا عَلَى جَارِحَةٍ مَخْصُوصَةٍ أَوْ يَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى مَا يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ الرَّأْسِ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ كَالْوَجْهِ وَغَيْرِهِ فَأَزَالَ الْإِشْكَالَ بِأَنْ أَشَارَ لَهُ إِلَى مَا يُبَاحُ لَهُ حَلْقُهُ وَهُوَ شَعْرُ رَأْسِهِ. ( فَصْلٌ ) وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ وَلَمْ يَذْكُرْ النُّسُكَ قَالَ : وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي مَا أَنْسُكُ بِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ لِذَلِكَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالنُّسُكِ لِمَا عَلِمَ مِنْ حَالِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى النُّسُكِ بِالشَّاةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فَإِنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ وَمُجَاهِدًا رَوَيَا حُكْمَ مَنْ حَلَقَ فِي الْجُمْلَةِ دُونَ تَعْيِينِ أَحَدٍ وَحَكَى عَطَاءُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَا أَمَرَ بِهِ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ كَعْبٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي مَا أَنْسُكُ بِهِ إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ لِي حُكْمَ النُّسُكِ لِيُبَيِّنَ بِذَلِكَ حُكْمَ مَنْ هُوَ عِنْدَهُ.