المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (850)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (850)]
و حَدَّثَنِي عَنْ مَالِك عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ
( ش ) : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ الْكَفَالَةُ الضَّمَانُ وَإِنَّمَا أَضَافَ الْكَفَالَةَ إِلَى الْبَارِئِ فِي هَذَا الْعَمَلِ لِأَنَّهُ أَوْفَى كَفِيلٍ عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ لِشَأْنِ الْجِهَادِ وَالتَّصْحِيحِ لِثَوَابِ الْمُجَاهِدِ وَقَوْلُهُ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُ فِي جِهَادِهِ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَشُوبُهُ طَلَبُ الْغَنِيمَةِ وَلَا الْعَصَبِيَّةُ لِلْأَهْلِ وَالْعَشِيرَةِ وَلَا حُبُّ الظُّهُورِ وَلَا سُمْعَةٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْ الْمَعَانِي غَيْرَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَإِذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ وَعَقْدُهُ الْجِهَادَ فَلَا يُنْقِصُ أَجْرَهُ وَلَا يَنْقُضُ عَقْدَهُ مَا نَالَ مِنْ غَنِيمَةٍ بَلْ هِيَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَأَجْرُهُ وَافِرٌ كَامِلٌ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ خُرُوجِهِ وَعَقْدِهِ وَمَقْصِدِهِ فِي قِتَالِهِ الْغَنِيمَةَ أَوْ إظْهَارَ النَّجْدَةِ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْأَمْرَ بِالْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا وَعَدَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ الثَّوَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الشَّهَادَتَيْنِ وَأَنَّ تَصْدِيقَهُ بِهِمَا يُثْبِتُ فِي نَفْسِهِ عَدَاوَةَ مَنْ كَذَّبَهُمَا وَالْحِرْصَ عَلَى قَتْلِهِ وَالْمُجَاهَدَةِ لَهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ إِنْ أُصِيبَ بِمَوْتٍ أَوْ قُتِلَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَخْتَصُّ بِالْقَتْلِ دُونَ غَيْرِهِ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ بِأَثَرِ قَتْلِهِ وَيَكُونَ هَذَا تَخْصِيصًا لِلشُّهَدَاءِ كَمَا خُصُّوا بِأَنَّهُمْ يُرْزَقُونَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالثَّانِي أَنْ يُدْخِلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بَعْدَ الْبَعْثِ وَيَكُونَ فَائِدَةُ تَخْصِيصِهِ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ كَفَّارَةً لِجَمِيعِ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَثُرَتْ إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَأَنَّهُ لَا مُوَازَنَةَ بَيْنَ مَا اكْتَسَبَ مِنْ الْخَطَايَا وَبَيْنَ ثَوَابِ مَا خَرَجَ لَهُ مِنْ الْجِهَادِ فَلَمْ يَرْجِعْ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فِي الَّذِي سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرَأَيْت إِنْ قُتِلْتُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ أَيُكَفِّرُ اللَّهُ عَنِّي خَطَايَايَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَعَمْ ثُمَّ قَالَ لَهُ بَعْدَ أَنْ رَدَّ عَلَيْهِ إِلَّا الدَّينَ كَذَلِكَ قَالَ لِي جِبْرِيلُ. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَعَ الَّذِي يَنَالُ مِنْهُمَا فَإِنْ أَصَابَ غَنِيمَةً فَلَهُ أَجْرٌ وَغَنِيمَةٌ وَإِنْ لَمْ يُصِبْ الْغَنِيمَةَ فَلَهُ الْأَجْرُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَتَكُونُ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَقَوْلِ جَرِيرٍ نَالَ الْخِلَافَةَ أَوْ كَانَتْ عَلَى قَدَرٍ كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرٍ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَبْلِيِّ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُصِيبُوا غَنِيمَةً إِلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ مِنْ الْأُجْرَةِ وَيَبْقَى لَهُمْ الثُّلُثُ فَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً تَمَّ لَمْ أَجْرُهُمْ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَثْبُتُ رَوَاهُ أَبُو هَانِئِ حُمَيْدُ بْنُ هَانِئٍ وَلَيْسَ بِمَشْهُورٍ وَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ مَعْنَاهُ أَنْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا أَوْ يَكُونُوا قَدْ خَرَجُوا قَاصِدِينَ لَهَا مَعَ إرَادَةِ الْجِهَادِ وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى عُمُومِهِ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ غَازِيًا أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ عَلَى مَا أَصَابُوا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ نَافِعٍ الزُّرَقِيِّ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا قَالَ : جَاءَ جِبْرِيلُ عليه السلام إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ ؟ قَالَ : مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا قَالَ : وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : مَا يُدْرِيك لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ.