المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (موطأ مالك) - [الحديث رقم: (852)]
(موطأ مالك) - [الحديث رقم: (852)]
و حَدَّثَنِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلًا رَجُلٌ آخِذٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلًا بَعْدَهُ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي غُنَيْمَتِهِ يُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ وَيَعْبُدُ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا
( ش ) : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلَةً وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّنْبِيهِ لَهُمْ عَلَى الْإِصْغَاءِ إِلَيْهِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى مَا يُخْبِرُ بِهِ وَالتَّفَرُّغِ لِفَهْمِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلَةً أَكْثَرَهُمْ ثَوَابًا فِي الْآخِرَةِ وَأَرْفَعَهُمْ دَرَجَةً وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسِهِ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ مُوَاظِبٌ عَلَى ذَلِكَ وَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسِهِ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو فِي الْأَغْلَبِ مِنْ ذَلِكَ رَاكِبًا لَهُ أَوْ قَائِدًا هَذَا مُعْظَمُ أَمْرِهِ وَمَقْصُودُهُ مِنْ تَصَرُّفِهِ فَوَصَفَ بِذَلِكَ جَمِيعَ أَحْوَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ آخِذًا بِعَنَانِ فَرَسِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا. ( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلَةً بَعْدَهُ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي غُنَيْمَتِهِ وَصَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلَ الْمَنَازِلِ وَنَصَّ عَلَيْهَا وَرَغَّبَ فِيهَا مَنْ قَوِيَ عَلَيْهَا وَأَخْبَرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِفَضْلِ مَنْ قَصَرَ عَنْ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ وَضَعُفَ عَنْهَا فَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَكُونَ آخِذًا بِعَنَانِ فَرَسِهِ فِيهِ فَفِي النَّاسِ الضَّعِيفُ وَالْكَبِيرُ وَذُو الْعَاهَةِ وَالْفَقِيرُ وَوَصْفُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْمُعْتَزِلِ فِي أَنَّهُ فِي غنيمته بِلَفْظِ التَّصْغِيرِ إشَارَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إِلَى قِلَّةِ الْمَالِ وَقَدْ يَكُونُ اعْتِزَالُهُ ضَعْفًا عَنْ الْجِهَادِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي غُزَاةٍ : إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلَا وَادِيًا إِلَّا وَهُمْ مَعَنَا حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى الْجِهَادِ وَلَكِنَّهُ يُؤْمَرُ مَعَ الْغِنَى عَنْهُ بِالِانْقِبَاضِ وَالِاعْتِزَالِ لَمَّا يَرَى أَنَّ ذَلِكَ أَرْفَقُ بِهِ وَأَوْفَقُ لَهُ فِي دِينِهِ فَهَذَا أَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَعَبَدَ اللَّهَ تَعَالَى فَمَنْزِلَتُهُ بَعْدَ مَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِ مِنْ أَفْضَلِ الْمَنَازِلِ لِأَدَائِهِ الْفَرَائِضَ وَإِخْلَاصِهِ لِلَّهِ الْعِبَادَةَ وَبُعْدِهِ عَنْ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ إِذَا خَفِيَ مَوْضِعُهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شُهْرَةً لَهُ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْذِي أَحَدًا وَلَا يَذْكُرُهُ وَلَا تَبْلُغُ دَرَجَتُهُ دَرَجَةَ الْمُجَاهِدِ لِأَنَّ الْمُجَاهِدَ يَذُبُّ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَيُجَاهِدُ الْكَافِرِينَ حَتَّى يُدْخِلَهُمْ فِي الدِّينِ يَتَعَدَّى فَضْلُهُ إِلَى غَيْرِهِ وَيَكْثُرُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَهَذَا الْمُعْتَزِلُ لَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ إِلَى غَيْرِهِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا رَأَى أَنَّ الِانْقِبَاضَ أَسْلَمُ لِدِينِهِ وَأَعْدَلُ لِحَالِهِ وَرَأَى أَنَّ نَفْسَهُ أَطَوْعُ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا لِهَذَا الْمَعْنَى لَكَانَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْحَظُّ لَهُ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَجِدُ نَفْسَهُ أَطَوْعَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجِدُهَا أَطَوْعَ لَهُ فِي الْجِهَادِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجِدُهَا أَطَوْعَ لَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِحَسْبِ مَا يُفْتَحُ عَلَى الْإِنْسَانِ وَيُقْسَمُ لَهُ.